إعداد ـ علي بن عوض الشيباني:أيها القراء الأعزاء: نقرأ في وصف المنافقين وفي وصف الكافرين هاتين الآيتين من سورة البقرة:(صم بكم عمي فهم لا يرجعون)، (صم بكم عمي فهم لا يعقلون) وتقديم الصم، هنا جاء في غاية الإحكام,لأن بداية ضلال أولئك الأقوام ,حينما أصاخوا بسمعهم عن آيات الله التي تتلى عليهم.ونقرأ في مشهد من مشاهد يوم القيامة عن أولئك الذين ضلوا سواء السبيل (ونحشرهم يوم القيامة على وجوههم عُمياً وبُكماً وصُماً)، لقد تغيرت الصورة هنا. لذلك تغير معها نسق القول ذلك لأن السماع لم ينفع أولئك الناس يوم القيامة شيئا ولا يعود عليهم بخير, ثم إن العمى هو من أشد الأمور مشقة وأكثرها صعوبة عليهم في ذلك اليوم.ونقرأ قول الله تعالى يحث المؤمنين على العدل والقسط:(كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم أو الوالدين والأقربين)، وقوله سبحانه:(كونوا قوامين لله شهداء بالقسط ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى)، فإذا عرفنا أن هذه الآية نزلت في شأن العدل مع أعداء الاسلام, وأن الأولى نزلت في شأن تحقيق العدل مع ذوي الرحم أدركنا سر النسق في الآيتين الكريمتين.فعدم العدل مع الأعداء ربما يظن أنه من الأمور المستحسنة التي يتقرب بها الى الله لذا تقدمت فيه كلمة (لله) ولا كذلك الآية الأولى لأن القسط فيها هو الأهم.نقرأ قول الله تعالى:(إذ يغشيكم النعاس أمنة منه), ونقرأ قوله سبحانه في آية أخرى:(ثم أنزل عليكم من بعد الغم أمنة نعاساً).فانظر كيف قدم النعاس في الآية الأولى على الأمنة وأخر في الآية الثانية, ويقيناً لا بد من حكمة بيانية لهذا النظم البديع.فإذا عرفنا أن آية الأنفال كانت في بدر وأن آية آل عمران في أحد, وعرفنا أن حاجة المسلمين في بدر كانت الى الراحة والنوم لأن الله قد تكفل لهم بالنصر حيث وعدهم احدى الطائفتين, أما في أحد فلقد كانت حاجتهم بعد أن أصابهم ما أصابهم الى الأمن والطمأنينة ,إذا عرفنا ذلك أدركنا سر التقديم والتأخير في الآيتين الكريمتين فقدم في كل آية ما يتلاءم مع ظرف الجماعة المسلمة وحاجتهم.نقرأ قول الله تعالى:(تؤمنون بالله ورسوله وتجاهدون في سبيل الله بأموالكم وأنفسكم)، وقوله:(إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة), فالآية الأولى, وكثير مثلها في كتاب الله تعالى تتحدث عن الجهاد في دور الأعداد ومن مقدماته الضرورية المال، لكن الآية الثانية تتحدث عن القتال في معمعة الوغى لذلك قدمت الأنفس بدليل:(يقاتلون في سبيل الله فيقتلون ويقتلون).* إمام وخطيب جامع السلطان قابوس الأكبر