عرض ـ مبارك بن عبدالله العامري
إنها ركن من أركان الصلاة، لا تصح الصلاة إلا بها، فروى البخاري ومسلم عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ ـ رضي الله عنه ـ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) قَالَ:(لَا صَلَاةَ لِمَنْ لَمْ يَقْرَأْ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ) .. إنها السبع المثاني التي قال الله فيها:(وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِنْ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ)، وروى البخاري عَنْ أَبِي سَعِيدِ بْنِ الْمُعَلَّى ـ رضي الله عنه ـ أن رَسُول اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) قَالَ له:(لَأُعَلِّمَنَّكَ سُورَةً هِيَ أَعْظَمُ السُّوَرِ فِي الْقُرْآنِ قَبْلَ أَنْ تَخْرُجَ مِنْ الْمَسْجِدِ ثُمَّ أَخَذَ بِيَدِي فَلَمَّا أَرَادَ أَنْ يَخْرُجَ قُلْتُ لَهُ: أَلَمْ تَقُلْ لَأُعَلِّمَنَّكَ سُورَةً هِيَ أَعْظَمُ سُورَةٍ فِي الْقُرْآنِ؟ قَالَ:(الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ هِيَ السَّبْعُ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنُ الْعَظِيمُ الَّذِي أُوتِيتُهُ).
افتتح الله عز وجل بها القرآن الكريم والصلاة، لذلك فهي (فاتحة الكتاب) يدعو فيها العبد ربه عز وجل ليهديه إلى الصراط المستقيم، فبعد أن يحمده ويمجّده ويدعوه بالرحمن والرحيم ويوّحده ويعترف بأنه رب العالمين في الآيات الأولى، يدعوه بالهداية إلى الصراط المستقيم، وهذا من أجمل صيغ الدعاء.
وتشتمل على علوم القرآن الكريم كاملةً .. ففيها الثناء على الله عز وجل ومخاطبته بأسمائه الكاملة والمحببة والاعتراف بالعجز من دونه عز وجل، وتشفي الأبدان من الأمراض وتشفي القلب من السقم.
وكتاب (قواعد النجاح السبع في السبع المثاني) تحدثت فيه المؤلفة فوزية بنت محمد الشدية عن فضائل سورة الفاتحة الكتاب وتقديم الاستاذ الدكتور ناصر بن سليمان العمر ويقع في (59) صفحة وصدر عن مكتبة دار الحضارة للنشر والتوزيع.
أشار المؤلف في أول قواعد النجاح أحمد الله: الإنسان الناجح هو الذي تستمر حياته عامرة بالنعم ولا يخسر كثيراً كالتاجر الناجح الذي لا يخسر بل يربح دائماً، والمؤمن الذي يريد سلوك طريق النجاح في الدنيا يعلم أن حمد الله وشكره سبب لاستمرار النعم وزيادتها، كما قال تعالى:(وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ) (إبراهيم ـ 7)، والمتأمل في الحكمة التي لأجلها أمرنا أن نقرأ (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) سبع عشرة مرة على الأقل، لا يمكن أن تغيب عنه تذكر حمد الله كثيراً على نعمه قليلها وكثيرها، فإذا حمدناه دامت لنا النعم بل زادت.
فمن اراد النجاح في حياته فلينظر إلى نعم الله حوله، ويرى منة الله عليه بها، ولا يحتقرها ويزدريها، لأنه يرى من هو أعلى منه وأفضل من ناحية الصحة أو المال أو الذكاء أو شيء آخر، كما قال نبينا ـ عليه الصلاة والسلام:(انظروا إلى أسفل منكم، ولا تنظروا إلى من هو فوقكم ، فهو أجدر أن لا تزدروا نعمة الله عليكم، كما قال تعالى:(وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ) (إبراهيم ـ 7).
والمسلم المؤمن يشكر الله ويحمده في كل أحواله، منذ أن يفتح عينيه في الصباح مستيقظاً، ثم إذا أكل وشرب ثم إذا حصل له شيء يحبه ويدخل السرور إلى نفسه وحتى إذا أصابه ما يكدر عليه حياته فليحمد الله وهكذا في كل أحواله، وقد جاءت السنة بعدد من الأذكار التي تتضمن حمد الله في بعض أحوال المسلم.
وعبر هذا الإصدار في الباب الثاني قواعد النجاح: أطلب رحمة الله وأرحم غيرك.
وتحدث المؤلف في قواعد النجاح تذكر يوم الدين: إن تذكر يوم الدين وهو يوم الحساب والجزاء الذي يدان كل إنسان فيه بعمله ، إن خيراً فخير وإن شرّاً فشرّاً، أحد أهم القواعد المحققة لنجاح الإنسان في حياته على مستوى علاقته بربه تعالى وعلاقته بغيره في هذه الحياة.
فمن يتدبر (مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ) سيدفعه ذلك إلى محاولة أداء عبادته لله على أكمل وجه دون رقيب من الناس، لأنه يعرف أن الله سبحانه سيحاسبه عليها يوم الدين، واليقين بحساب الله تعالى لعباده في الآخرة هو من صفات المؤمنين كما قال تعالى:(الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ بِالْآَخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ) (النمل ـ 3)، وحرصهم على إقامة الصلاة إنما كان لأن أول ما سيحاسبون عليه في ذلك اليوم هو الصلاة ، كما قال ـ عليه الصلاة والسلام:(إن أول ما يحاسب به العبد يوم القيامة من عمله صلاته، فإن صلحت فقد أفلح وأنجح، وإن فسدت فقد خاب وخسر).
وتطرق المؤلف إلى قواعد النجاح في اعبد الله: تتباين أنظار الناس في تحديد مصدر السعادة والسبب الذي يحققها في هذه الحياة ، فمنهم من يراها في المال، وآخرون يرونها في الشهرة والجاه ويجعل هؤلاء تلك الأمور مقصداً وغاية لهم في حياتهم ويغيب عنهم مقصد وجود الإنسان وحياته في هذه الدنيا، كما في قوله تعالى ( وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) (الذاريات ـ 56)، فكلما تقرب العبد من ربه بالعبادة المشروعة كان أكثر سعادة وراحة وطمأنينة وتوفيقا في الدنيا والآخرة.
وكما أن العبادة مصدر للسعادة والنجاح في الحياة ، فهي مصدر أيضا لعلاج التعب وضيق الصدر، كما يقول ربنا تعالى:(فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُن مِّنَ السَّاجِدِينَ ، وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ) (الحجر 98 ـ 99).
فإذا قرأ العبد المؤمن (إِيَّاكَ نَعْبُدُ) وعرف أن معناها وعد من العبد لربه إلا الله، ولا يطيع في أي أمر إلا الله، أصبح كل ما يعمله في هذه الحياة موافقاً لما أمر الله به، خالصا لوجه سبحانه، وصارت حياته ناجحة طيبة، وآخرته كذلك، كما قال تعالى (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْأُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) (النحل ـ 97)، وذكر المؤلف عبر هذا الكتاب إلى قواعد النجاح في استعن بالله.
وأشار المؤلف إلى قواعد النجاح في طلب الهداية من الله تعالى: كل من أراد شيئاً سلك الطريق المؤدي إليه، وبحث عمن يدله عليه ولا أحد أعلم من الله تعالى في الدلالة إلى طريق الحق، فهو الذي خلق الناس وهو العالم بما ينفعهم، وهو سبحانه قد دلنا على الطريق المستقيم، وعلمنا أنه طريق الإسلام، كما قال تعالى: (إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ) (آل عمران ـ 19)، وقال سبحانه:(وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ ) (آل عمران ـ 85)، ومعنى (اهدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ) (الفاتحة ـ 6) أي: ألهمنا أو وفقنا أو أرزقنا أو أعطنا أو دلنا وأرشدنا إلى طريق الإسلام.
وتناول المؤلف إلى قواعد النجاح لا تتشبه بالكافرين: الناجحون متميزون لا يقلدون غيرهم إلا بما ينفعهم، ومن أراد النجاح من المسلمين في الحياة الدنيا ، فليطع ربه ولا يتشبه بمن ذلهم الله في القرآن في قوله تعالى:(غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ).