إعداد/ علي بن عوض الشيباني*أيها القراء الأعزاء: من المعروف في تأريخ الصحابة أن عبدالله بن عمرو بن العاص كان إماماً حبراً عابداً أسلم صغيراً وله مناقب وفضائل ومقام راسخ في العلم والعمل وحمل عن النبي (صلى الله عليه وسلم) علماً جماً ومع هذا كان يربيه النبي (صلى الله عليه وسلم) تربية متوازنة ليحفظ قوة جسمه فقد ثبت عنه أنه قال:جمعت القرآن فقرأته كله في ليلة فقال رسول الله (صلى الله عليه وسلم):(إقرأه في شهر) قلت: يا رسول الله دعني أستمتع من قوتي وشبابي، قال:(إقرأه في عشرين) قلت: دعني استمتع، قال:(إقرأه في سبع ليال) قلت: دعني يا رسول الله أستمتع، قال: فأبى، وفي رواية: قال: قلت: إني أجد قوة، قال:(فاقرأه في سبع ولا تزد على ذلك)، قال الامام الذهبي: وصح أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) نازله الى ثلاث ليال ونهاه أن يقرأه في أقل من ثلاث وهذا كان في الذي نزل من القرآن ثم بعد هذا القول نزل ما بقي من القرآن فأقل مراتب النهي أن تكره تلاوة القرآن كله في أقل من ثلاث فما فقه ولا تدبر من تلا في أقل من ذلك ولو تلا ورتل في أسبوع ولازم ذلك لكان عملاً فاضلاً فالدين يسر فوالله إن ترتيل سبع القرآن في تهجد قيام الليل مع المحافظة على النوافل الراتبة والضحى وتحية المسجد مع الأذكار المأثورة الثابتة والقول عند النوم واليقظة ودبر المكتوبة والسحر, مع النظر في العلم النافع, والاشتغال به مخلصاً لله .. مع أداء الواجب واجتناب الكبائر وكثرة الدعاء والاستغفار والصدقة وصلة الرحم والتواضع والاخلاص في جميع ذلك لشغل عظيم جسيم ولمقام أصحاب اليمين وأولياء الله المتقين فإن سائر ذلك مطلوب فمتى تشاغل العابد بختمة في كل يوم فقد خالف الحنيفية السمحة ولم ينهض بأكثر ما ذكرناه ولا تدبر ما يتلوه.وكل من لم يلزم نفسه في تعبده وأوراده بالسنة النبوية يندم ويترهب ويسوء مزاجه ويفوته خير كثير من متابعة سنة نبيه الرؤوف الرحيم بالمؤمنين الحريص على نفعهم وما زال (صلى الله عليه وسلم) معلماً للأمة أفضل الأعمال وآمراً بهجر التبتل والرهبانية التي لم يبعث بها فنهى عن سرد الصوم ونهى عن الوصال وعن قيام أكثر الليل إلا في العشر الأخير ونهى عن العزبة للمستطيع ونهى عن ترك اللحم والى غير ذلك من الأوامر والنواهي.فالعابد بلا معرفة لكثير من ذلك معذور مأجور والعابد العالم بالآثار المحمدية المتجاوز لها مفضول مغرور، وأحب الأعمال الى الله تعالى أدومها وإن قل ألهمنا الله وإياكم حسن المتابعة وجنبنا الهوى والمخالفة.هكذا ربّى النبي (صلى الله عليه وسلم) أصحابه الشباب، ربّاهم على أن يكونوا أقوياء أصحاء وكان لهم قدوة بذلك فإنه (صلى الله عليه وسلم) لم يحرم نفسه من تناول الطيبات من الأطعمة وكذلك لم يتكلف في طلب أجودها وإنما كان يأكل ما وجد, فتارة يأكل أطيب الطعام من لحوم الأنعام, وتارة يأكل أخشنه وتارة يجوع ومرة يشبع ليكون بفعله هذا مربياً للمعسر والموسر والفتى والكهل والصغير والكبير، إن امتناع المكلف من تناول الطيبات التي أباحها الله تعالى له يؤدي به ــ ولا شك ــ الى تضييع بعض الحقوق التي كلفه الله بها كإضاعة حقوق أسرته ومنها: زوجته وأولاده ومن يعول.ومن ضعف جسده عجز عن القيام بالصلاة والصوم والحج والكسب الواجب عليه للنفقة على نفسه وعلى من تجب عليه نفقتهم وعلى مصالح أمته العامة فإن لم يعجز عن القيام بها كلها عجز عن بعضها والتمتع بالطيبات من غير إسراف ولا تعد لحدود الله وسنن فطرته هو الذي يؤدي به حق الجسد وحق الروح ويستعان به على أداء حقوق الله وحقوق خلقه.* إمام وخطيب جامع السلطان قابوس الأكبر