الوفاء، والإخلاص، والولاء، والانتماء، والحنين صفات عرفت بها شاعرة الجاهلية والإسلام الخنساء ، وعبر أسطر هذا المقال ، لا أتحدث عن شعر الخنساء ومكانتها الشعرية المعروفة كأفضل نساء العرب وأقواهن شعرا ، وإنما عن صفات المرأة العربية التي تميزت بها هذه الشاعرة التي عاشت عصرين ولم يتغير محور شعرها عما أخصته لنفسها، نستطيع القول : إنها شاعرة الأخوة وأبرزت ذاتها الشخصية عن طريق الشعر.
نعم، فما أتحدث عنه في هذا المقال وأخصه بالذات عن علاقة الأخت بأخيها، وهو ما استطاعت الخنساء المرأة العربية الشرقيه ترجمته بالشعر، فالقارئ لشعر الخنساء والمتتبع له لن يرى سوى حنين ، ولاء انتماء وإعجاب بالأخ ، ولا ننسى أيضا نبرة الحزن وصعوبة فقد الأخ ورفضها لهذا الجانب ، والعيش على ذكرى الأخ المفقود ورفض نسيانه ، نعم هذه الشاعرة ذات الولاء الكبير لمعاوية وصخر الذي سخرت لهما جل قصائدها .. الخنساء من بكت أشقاءها ورثتهم ولم ترثي أبنائها الأربعة، يا لها من مشاعر أخوية! جعلتني أقف عند هذا الجانب وأبحث عنه إلى أن تكونت صورة يقينية أنه لا يوجد كالأخ للمرأة.
كل ذلك جعلني أتساءل هل كل فتاة بأبيها معجبة ؟ أم كل فتاة بأخيها معجبة ؟!
ومن تصوري رأيت أن المرأة تحب أباها وله مكانة خاصة بقلبها وتنتمي له ولكن الخنساء جعلتني على يقين أن الأخ ذو مكانة مميزة جدا، ربما تصل أن المرأة تتمنى أن يجمع شريك حياتها صفات يتسم بها أخوها وليس والدها.
إن العلاقة والرابطة الأخوية عبرت عنهما الخنساء بشكل عميق جدا وتحليلي فقد وضعت لماذا هذه العلاقة لها رابطة خاصة تنبض في القلب ومجرى الروح.
حيث إن علاقة الأخوة لا تعوض فكل أخ له مكانته الخاصة في القلب وله صفاته المحببة للأخت، فالأخ بالنسبة لأي فتاة وزوجة وأم وجدة هو الساعد الأيمن ، هو السند ، هو العزوة، هو الكرامة والفخر نعم هذا كان حال الخنساء التي هي مثال لمشاعر أي امرأة شرقية فهي ليست إلا فتاة من الأعراب حالها حال أي امرأة شرقيه ولكنها ترجمت عاطفتها الأخوية بأشعارها الحزينة التي عبرت بها عن فخرها لمعاوية وصخر ، ورثائها لهما ولماذا اعتبرتهما عزها وفخرها بالسؤال والإيجابة عن طريق أبياتها الشعرية المميزة.
فالأخوة كيان لا يتجزأ فالأخ له مكانة خاصة في قلب الأخت ، والأخت هي الأم وهي الأخت وهي الصديقة وهي الابنة.
نعم لذلك الأخ بالنسبة لأي امرأة كان وما زال وسيكون هو أخ حان وأب واعظ وصديق وفي وابن بار لأخته .. هكذا حال الخنساء وهي خير مثال وقدوة يمثلنا نحن النساء.
فالمرأة بطبيعة الحال تنتمي لأسرتها التي نشأت فيها بقلبها النابض وبذهنها المملوء بذكرياتها مع بيئة نشأت فيها وأخصتها بانتماء وولاء كبير وكيف لا والمرأة تنتمي لأخيها بالروح والدم وليس بالإسم فقط.
وما أصعب فراق فقد الأخ وهذا ما أوضحته الخنساء في رثائها لمعاوية:
ألا لا أرى في الناس مثل معاوية
إذا طرقت إحدى الليالي بداهية
والبيت الآخر:
ألا لا أرى كالفارس الورد فارسا
إذا ما علته جرأة وعلانية

ولكن بسبب وجود صخر صبرت الخنساء وتماسكت لفقد شقيقها الأول معاوية ولكن لم تستطع التماسك عند وفاة صخر لماذا ؟ لانه السند الآخر والفخر رحل من حياتها ولا يوجد عون وسند لها:
ألا يا صخر أن أبكيت عيني فقد أضحكتني زمنا طويلا
دفعت فيك الخطوب وأنت حي فمن ذا يدفع الجليلا

وأكملت:
فلولا كثرة الباكين حولي . على إخوانهم لقتلت نفسي

ما أعظم مشاعر الأخوة وما أرقاها من مشاعر وأعمقها من أحساسيس لا تنافسها مشاعر أخرى.
ولا ننسى رثاءها الشهير بصخر:
وإن صخرا ليأتم الهداة به ، كأنه علم في رأسه نار
بيت شعري للخنساء يوضح مكانة الأخ في النصح والإرشاد والفخر.
إذن الأخ بالنسبة للمرأة هو العون والسند والفخر والعز، إن مشاعر الأخوة مشاعر رائعة جدا مشاعر لابد أن نغرسها في نفوس بناتنا بالأخص ، فهذا الأخ سند وفخر للفتاة حتى بعد أن تصبح أما وجدة ، هو الحارس الوحيد لأمانته وهي أخته ، هو الناصح والواعظ المحايد المحب لأخته ، هو المرجع لها وسندها وعزها ، لابد أن نغرس في نفوسهن أن الأخ هو مجرى دمها وهو قلبها النابض وهو العين التي ترى بها واليد التي تمتد لها والحضن الحاني لها، نعم، هذا ما يجب أن يغرس في نفوس بناتنا .. فلابد أن نعلم كنساء جميعنا أخي هو أبي هو ابني وهو صديقي المخلص لي وهو سندي وعزي وفخري وكذلك هو السكن والروح.
نعم هذا هو الأخ ما أعظم هذا الإحساس وما أروعه وأمتعه فهو الأمان علاقة بعيدة عن المجاملة بعيدة عن المصالح.
حينما بحثت عن هذه المشاعر الجياشة لم أر مثالا أفضل وأروع من الخنساء لتكون قدوة لنا نحن النساء لفخرنا وعزنا ألا وهو الأخ ـ أدام الله وحفظ أحبابنا وأعزاءنا ـ فلنغرس في نفوس بناتنا مكانة الأخ الكبيرة للمرأة المسلمة، وإنه خير حارس وناصح ومحب وصديق لأخته ، فلننشئ جيلا له ولاء لأسرته في ظل عصر التكنولوجيا المرعب والمتشعب بأخبار الفن والفنانات،ولنجعل من الخنساء قدوة لهن على حب الانتماء للأسرة ، وننشئهم بأسرة حانية دافئة لكي لا تضل الفتاة طريقها مع وحوش الزمن ، فلنعلمها من هو السند ومن هو العون ومن هو مرجعها في أمورها ومن هو الصديق المستمع والحاني لها فهو الأخ الذي لا مثيل ولا منافس له ، ولنعلم الابن ما معنى الأخت الضعيفة المحتاجة دوما له ليس كأخ فقط بل كأب حان لها وصديق مستمع وسند وعون لها فهو الملجأ الحقيقي لها.

رفيف بنت عبدالله الطائية
كاتبة عمانية
[email protected]