إبراهيم السيد العربي:معنى الوعظ هو: التذكير بالخير والنصح والإرشاد. وقد ذُكرت مادة (وعظ) في القرآن الكريم في خمس وعشرين موضعاً: والوعظ يشتمل على حُسن المعاني والترغيب والترهيب والثواب والعقاب، قال تعالى مخاطباً حبيبه محمد (صلى الله عليه وسلم):(وعظهم وقل لهم في أنفسهم قولا بليغاً) (النساء ـ 62)، ومن معاني الوعظ أيضاً أنه التكليف والقيام بالأمر ومنه قوله تعالى:(ولو أنهم فعلوا ما يوعظون به لكان خيراً لهم وأشد تثبيتا) (النساء ـ 66) أي أنهم لو فعلوا ما كُلفوا به وأمروا به, وإنما سُمّي هذا التكليف وعظاً لأن تكاليف الله تعالى مقرونة بالوعد والوعيد, والترغيب والترهيب, والوعظ أيضاً يكون صادراً دالاً على منتهى الجدية, والحب والإخلاص لمن أنصحه, ويتدفق منه الشفقة والحنان, والحب الصادق من أعماق القلب, ومن أعظم أساليب الوعظ التي جاء ذكرها في القرآن الكريم: موعظة لقمان الحكيم لابنه, ودائماً وأبداً تكون الوصية من الأب لابنه يكون فيها الحب والحرص على مصلحة الابن, وكل ما يخرج من القلب يصل إلى القلب إن شاء الله تعالى. ولقمان الحكيم اعتمد وهو يقدم وصاياه لولده على أسلوب الواعظ المؤثر, والناصح الصادق, ولم يعتمد على الثرثرة الكلامية, والإنسان في هذه الحياة الدنيا, يتمنى من الله عز وجل أن يهبه الولد بل ذلك فطرة في النفس البشرية, لأن الأبناء بهجة الحياة الدنيا, يستأنس بهم المرء في حياته, وتحلو بهم الأيام, وتُعلق عليهم الآمال, لكن ذلك يتوقف على حُسن التربية, التي تجعل منهم في هذا المجتمع عناصر فعالة بناءة, وعناصر بر وخير, فإذا ما توافر ذلك فيهم كانوا بحق كما قال الله تعالى فيهم:(المال والبنون زينة الحياة الدنيا) (الكهف ـ 46)، ومن أجل ذلك طلب سيدنا زكريا ـ عليه السلام ـ من رب العالمين أن يهبه الولد, الذي يرثه في الحكمة والعلم, وتبليغ دعوة الله تعالى ويرفع يده إلى الله مبتهلاً فيقول:(قال رب إني وهن العظم مني واشتعل الرأس شيباً ولم أكن بدعائك رب شقيا, وإني خفت الموالي من ورائي وكانت امرأتي عاقراً فهب لي من لدنك ولياً, يرثني ويرث من آل يعقوب واجعله ربِ رضياً) (مريم 4 ـ 6)، وعلى الإنسان الذي يهبه رب العالمين نعمة الولد عليه أن يعلم أن المسئولية كبيرة عليه تجاه أولاده, وأصبح من الواجب عليه شرعاً أن يقوم بواجبه على أكمل الوجوه, يقول رسول الله (صلى الله عليه وسلم):(كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته, والرجل راع ومسئول عن رعيته) وأهم ما يقوم به الآباء نحو أبنائهم أن يغرسوا في نفوسهم الإيمان بالخالق الأعظم سبحانه وتعالى ولقد كان الأنبياء والصالحون هم القدوة والمثل الأعلى للبشرية .. فها هو سيدنا إبراهيم ـ عليه السلام ـ يقوم بتوصية أولاده قبل مفارقته للحياة الدنيا, قال تعالى:(ووصي بها إبراهيم بنيه ويعقوب يا بني إن الله اصطفى لكم الدين فلا تموتن إلا وأنتم مسلمون) (البقرة ـ 132) ثم يأتي من بعده سيدنا يعقوب عليه السلام فيلفت أنظار أولاده بالوصية إلى ما ينفعهم في أمر الدنيا والآخرة، قال تعالى:(أم كنتم شهداء إذ حضر يعقوب الموت إذ قال لبنيه ما تعبدون من بعدي قالوا نعبد إلهك وإله آباءك إبراهيم وإسماعيل وإسحاق إلها واحدا ونحن له مسلمون) (البقرة ـ 133) وهاهو لقمان الحكيم يعظ ولده ويرشده إلى مكارم الأخلاق ومعالي الأمور ويزوده بالأسباب التي توصله إلى الطريق المستقيم, هذه الوصايا يعرضها لنا القرآن الكريم, لكي تكون نموذجاً للآباء يحتذون به في توجيهات أبنائهم, فكل جملة من وصاياه تحمل توجيهات قوية ومعاني شريفة ومثالاً رائعاً للوصية, ولذلك فإن خير ما تقدمه الأسرة القوية للمجتمع هو شباب ذو خُلق ودين, وإذا أخذ هذا الشباب, حقه من الوعظ والنصح والإرشاد, فسوف نجد عندها شباب ينفع أمته المسلمة, وينفع أسرته خاصة, ومجتمعه عامة والإسلام يدعو الآباء إلى أن يُعدو أبنائهم لتحمل المسئولية, وعندها يكونوا رجالاً بمعنى الكلمة ويكونوا سبباً في وقاية آبائهم من النيران, قال تعالى:(يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم ناراً وقودها الناس والحجارة) (التحريم ـ 6) يروى عن عبد الله بن عباس ـ رضي الله عنهما ـ في تفسيره لهذه الآية المباركة قوله: اعملوا بطاعة الله تعالى واتقوا معاصي الله ومروا أولادكم بامتثال الأوامر ثم اجتناب النواهي فذلك وقاية لكم ولهم من النار) ورسول الله (صلى الله عليه وسلم) يوجهنا لتربية الأولاد تربية صحيحة تقوم على تعليم الدين فيقول في الحديث النبوي الشريف:(مروا صبيانكم بالصلاة إذا بلغوا سبعاً واضربوهم إذا بلغوا عشراً وفرّقوا بينهم في المضاجع) ونستفيد من هذا الحديث النبوي الشريف أمراً مهماً وهو: أن الطفل في هذا السن وهو سن السابعة يكون نقي القلب, سليم الصدر طاهر الضمير مستعد للتوجيه الصحيح وإلى أن يسلك مع والديه سبل السلام فالطفل في هذا السن في فترة الصغر يكون بين يدي مربيه كالقطعة من العجين بين يدي صانعها, يصورها كيف يشاء. والوعظ أخي المسلم يجب أن يتواجد في داخلنا , أولاً فالمسلم لا بد أن يكون له واعظاً من نفسه, ثم بعد ذلك يعظ غيره, وليبدأ بأهله وعشيرته, ثم بإخوانه وعامة المسلمين, إذا توافر فينا هذا المنهج سنجد إن شاء الله , رب العالمين أمة هي خير أمة أخرجت للناس كما قال رب العالمين في قرآنه الكريم: فنسأل الله تعالى وهو خير مسئول , وأكرم مأمول أن يوفق كل المسلمين والمسلمات إلى ما فيه رضاه فهو سبحانه على كل شيء قدير, اللهم إنا نسألك يا ربنا أن تعلمنا ما ينفعنا وأن تنفعنا بما علمتنا وتزيدنا علماً اللهم آمين والحمد لله رب العالمين. * إمام وخطيب جامع الشريشة ـ ولاية مطرح