حصنها الشهير وحاراتها القديمة والبيوت الطينية مكنونات لتاريخها التليد

عبري - من صلاح بن سعيد العبري :
على بعد 358 من محافظة مسقط و 8 كيلو مترات من مركز الولاية تقع بلدة العراقي بولاية عبري بمحافظة الظاهرة ، وهي امتزاج للعراقة والأصالة والحداثة .
للبلدة تاريخ قديم موغِلٌ في القِدَم ، ولعل من بعض شواهده حصنها الشهير ببرجيه الجص والطين ، وحاراتها وبيوتها القديمة ، وعبر حقبٍ سالفةٍ من الأزمنة ظل إسم العراقي واحداً من الأسماء الدالة على تاريخ عريق سطره الآباء والأجداد وبقيت معالمه دلالة على عمق هذا الارث التليد الغائر بجذوره في أعماق تاريخنا العُماني العريق .
العَراقي ( بفتح العين )
اختلف الكثيرون حول أصل تسمية البلدة بهذا الاسم ، لكن الأغلب من الأجداد الأوائل أرجح سبب التسمية بالعراقي ( بفتح العين ) إلى قدم الموروثات التي تتميز بها البلدة ، من عراقة الأمكنة والمواقع الموجودة بها ، ويقال أيضاً بأن التسمية جاءت نسبة إلى رجل جاء من العراق ونصب خيمته في هذه البقعة الفسيحة وسميت بمنطقة العِراقي(بكسر العين والياء) ، لكن الأرجح في التسميتين ( العَراقي ) بفتح العين ولعل ترجيح ذلك يرجع إلى بيوت قديمة وحارات ومحلات سوق البلدة القديم ، وباسقات النخيل ، وفِي مقدمة كل ذلك حصن العراقي الشامخ ببرجيه وبأسواره المنيعة ، كلها شواهد جلية تحكي عن ماضٍ عريق .

حصن العَراقي

عندما يقف معلم من المعالم فإنه بمثابة شاهد عيان عن مكنون معين ، وهذا هو حال حصن العراقي والذي حظي باهتمام كبير من الحكومة ممثلة في وزارة التراث والثقافة ، حيث تم ترميم الحصن وأضحى الْيَوْمَ بحلة جديدة روايات وتقديرات عدد من أهالي البلدة تؤكد أن تاريخ بناء حصن العراقي يعود إلى ما قبل الإسلام ، لكن البرجين اللذين ينفرد بهما الحصن عن بقية الحصون يعودان إلى أكثر من 200 سنة مضت ، أحدهما مبني من الجص بعلو عشرة طوابق والآخر من الطين يقع الحصن على بعد كيلومتر واحد تقريبا عن الشارع العام (عبري ـ مسكن ) من مدخل البلدة ويجاور الحصن سوق العراقي القديم ، وجامع البلدة القديم وهو جامع الإمام جابر بن زيد ، ومدرسة المغفور له بإذن الله تعالى المعلم سعيد بن سالم العبري لتعليم القرآن الكريم ، وشريعة العراقي ويستقبل الزائر لدى وصوله للبلدة القديمة صامدا ببرجيه العريقين ، وبالحصن بئران ، وغرف كبيرة مثل غرفة بيت الجص وغرفة بيت الحديث ، وتعتبر القصبة أحد معالم الحصن وبها بيوت وغرف أخرى وبالحصن سبلة تسمى سبلة الإمام ، وسبلة أخرى تسمى سبلة القلة خارج الحصن ، وكان شيخ البلدة يجتمع بالمواطنين ترسيخا لمبدأ الشورى ، ونظاما من نظم الضبط الاجتماعي .
السوق القديم
لفترة قريبة حتى منتصف الثمانينات كان سوق العراقي ذا شهرة واسعة ودامت شهرة السوق لسنوات قديمة مضت ، كان لسوق العراقي شهرته الواسعة حيث يعد من أشهر أسواق محافظة الظاهرة ، كان السوق فيما مضى مقصداً تجاريا للأهالي والزائرين والتجار من خلال تنوع المعروضات والسلع والبضائع وجوانب ومجالات المعاملات التجارية المختلفة والمناداة وحلقات بيع الأغنام والأبقار وغيرها واليوم لم يتبق من هذا السوق سوى محلات طينية قديمة تحكي للجيل الحاضر والمستقبل ما كان عليه واقع حال سوق العراقي في سنوات مضت ، سطرت معالم من المكنون الإرثي التليد للبلدة وقام بعض ملاك عدد من المحلات القديمة بإعادة بناء محلاتهم وتم فتح البعض منها للأغراض التجارية . وما يلفت النظر صمود شجرة سدرة (النبق) متوسطة السوق ونظراً لقِدمها فقد عمد الأهالى في المحافظة عليها من خلال تنصيب رواجل وأعمدة لتثبيتها خوفاً عليها من السقوط نتيجة لعوامل التعرية المختلفة .
مآثر تاريخية
المتجول بقدميه بين جنبات بلدة العراقي يشم رائحة الماضي وشموخ مآثره ، فما إن يدخل الزائر البلدة إلا وبشكل مباشر يمعن النظر إلى حصنها القديم . ملتفتاً يميناً فيمعن بناظره إلى حارة الهوامل ، ومن جهة اليسار باب الصباح المبني من الجص ، وما إن يقطع بضع خطوات بقدميه إلا وتأخذه قدمه إلى قنوات فلج العراقي قريباً من جامع الإمام جابر بن زيد ، حيث النخيل الباسقات التي تعانق السماء وكأنها تشكر المولى على كل النعم التي لا تُعد ولا تحصى . وماهي إلا بضع خطوات أخرى من الجهة الغربية لسوق العراقي القديم حيث معلم آخر من معالم بلدة العراقي ، وحارة من حاراتها العتيقة وهي حارة (ورى) عبارة عن حارة سكنية قديمة تحتوي على أكثر من عشرين بيتاً طينياً قديماً وعند التمعن والنظر إلى الحارة فكأنما هي بيت واحد بالرغم من مساحتها الشاسعة كون منازلها لا تحدها حدودا وارتدادات بل يفصل بين كل بيت وآخر سور البيت المجاور مع وجود ممر متسع يفصل بين جانبي الحارة القديمة التي يشم الزائر فيها أريجاً من التاريخ وموروثا من الماضي التليد ولحارة المعمورة القديمة قصة اخرى ، حيث الحنين الى الماضي ، فالأبواب والنوافذ القديمة قدم البيت الطيني القديم الموجودة به ، تبرز كدلالة صادقة بأن هذه البيوت كانت يوماً ما تعج بالحياة ، حياة آباء وأجداد رحلوا عن عالمنا ، وبقيت هذه المعالم تذكارا لأجيال الْيَوْمَ حاضراً ومستقبلًا ولتنتقل بنا الذكريات الى جامع الامام جابر بن زيد الذي أعيد بناؤه ، فقبل انشاء جامع العراقي قبل سنوات قليلة مضت كان جامع الامام جابر بن زايد جامعا تؤدى به صلاة الجمعة .

طبيعة البساتين النضرة

تتميز بلدة العراقي بطبيعة خضراء جميلة تحيط بها وتتوسط أرجاءها ، حيث البساتين النضرة والممرات المرصوفة والمعبدة التي تشق ربوعها والتي تمر بين واحات من أشجار النخيل والموز والليمون والمانجو وغيرها من الأشجار والمحاصيل الزراعية التي حبا الله به هذه البلدة ، كما وأن عودة الحياة لفلجها الشهير قد أعاد بفضل الله تعالى الحياة للاخضرار الزراعي للضواحي والبساتين الداخلية بأرجاء البلدة المختلفة فأضحت بساتينها نضرة مخضرة ، ومما يميز طبيعة بلدة العراقي اهتمام الأهالي بحرفة الزراعة وحرصهم وسعيهم المتواصل للمحافظة على هذه الحرفة كحرفة متوارثة تعود عليهم وعلى أسرهم بالخير العميم والفائدة المرجوة .

نهضة عمرانية ومنجزات تنموية

حظيت بلدة العراقي بولاية عبري بمنجزات تنموية شاملة من طرق داخلية معبدة مع وجود الإنارة واللوحات الإرشادية بجانب خدمات الكهرباء والهاتف والمياه والمدارس ومما حظيت به البلدة بناء جامع جديد لها بظهرة العراقي، ومع الحركة العمرانية التي تشهدها البلدة ومع الحركة التجارية النشطة التي تشهدها منطقة ظهرة العراقي وأيضاً مع الحركة السياحية جاء تنفيذ ازدواجية طريق “عبري – مسكن” الذي يمر على البلدة ليزيد من روعة جمالها ويُسهم في تشجيع جوانبها السياحية والاقتصادية والاجتماعية كما أن الأهالي يولون جل الاهتمام جانب التعاون والتكاتف فيما بينهم خدمة للبلدة واهلها ، فقد ساهم الأهالي وبجهودهم الذاتية في إنجاز جملة من المشاريع الخدمية ببلدتهم منها انشاء سبلة العراقي ، وإعداد مواقف وتأهيل مداخل للجامع ، وتسوير المقبرة وإنشاء مغسل ومصلى بها ، وعدد اخر من المشاريع الخدمية المجتمعية كما أن العمل يتواصل حاليا في إنشاء أول مبنى وقفي بالبلدة بالجهود الذاتية للأهالي .