تبدأ القصة بخبر سعيد يتمناه أي زوجين بقرب مجيء عضو جديد لأسرتهم الصغيرة ، وتمر الأيام ويتقدم الحمل حتى يصل الوقت إلى شهر رمضان، وهنا تبدأ العديد من التساؤلات والتحديات التي تظهر لدى المرأة الحامل مثل الخوف من تأثير الصوم السلبي على الجنين وعدم الرغبة في تفويت الشعائر الروحانية الخاصة بصيام الشهر الكريم والمهمة لتعزيز الصحة النفسية لكل انسان وربما فيهم المرأة الحامل إضافة إلى أن تعويض إفطار بعض رمضان يمثل صعوبة لأن صوم الشخص بمفرده في أيام عادية يكون أصعب من صومه ضمن طقس جماعي في الشهر الكريم.
هناك العديد من الاختلافات في نتائج الدراسات الطبية التي تبحث تأثير الصيام على الحمل، وترجع هذه الاختلافات إلى وجود عدة عوامل يتداخل تأثيرها لتكوين العلاقة النهائية بين الصيام والحمل ومن أهم هذه العوامل فترة الصيام حيث إن الصيام في الشهور الأولى من الحمل يكون له تأثير أكبر عند بعض النساء لأن هذه الشهور تكون مصحوبة ببعض الأعراض الطبيعية للحمل مثل الغثيان والقيء وهو ما نسميه (وحام الحمل) ومن الممكن أن يزداد بسبب الصيام في هذه الفترة والصيام في الشهور الصيفية يتسم بطول ساعات النهار حيث ممكن أن يسبب الجفاف وقلة السوائل في الجسم خصوصا عند التعرض المباشر لأشعة الشمس أو البقاء لفترة طويلة في جو حار وهذا يؤدي إلى قلة السوائل في الجسم وبالتالي يمكن أن تحدث التهابات في الجهاز البولي للأم الحامل وله تأثير سلبي على صحة الجنين كما يختلف تأثير الصيام على الحمل وفقًا لمعدل الصوم؛ فبعض النساء يصمن أياما ويفطرن أياما أخرى لتخفيف عبء الصيام، والبعض الآخر يصمن الشهر بأكمله .
إن اختلاف نمط التغذية خلال فترة الإفطار والسحور يؤدي إلى اختلاف مستويات الطاقة على مدار اليوم من امرأة لأخرى مما قد ينشأ عنه اختلاف في تأثير الصيام على الحمل كما تؤثر الحالة الصحية العامة للحوامل نتيجة الاختلافات في المؤشرات الصحية الأساسية من امرأة لأخرى مثل الوزن ووجود أمراض مزمنة مثل مرض السكري أو فقر الدم من عدمه يكون له يد في اختلاف تأثير الصيام على الحمل.
وفيما يخص تأثير الصيام على صحة الجنين ، تشير بعض الدراسات إلى أن النساء الحوامل في الثلثين الثاني والثالث واللاتي تكون حالتهن الصحية العامة جيدة لا يحدث لديهن خلال صيام شهر رمضان أي تأثير سلبي على نمو الجنين خصوصا إذا اتبعت المرأة نظاما صحيا مناسبا وعلى جانب آخر تشير بعض الدراسات إلى ارتفاع احتمالات الجنين ذي الوزن المنخفض في الحوامل اللاتي يتصادف صيامهن مع الثلث الأول من الحمل.
ولكي تستطيع المرأة الحامل أن تصوم عليها أن تخطط لهذا الأمر مسبقا لكي تجعل الأمور تسير بشكل يسير أثناء الشهر الفضيل وذلك بالتحدث مع الطبيبة لتقدير الحالة الصحية ومناقشة إمكانية الصوم دون حدوث ضرر على الأم والجنين وتحديد ما إذا كانت الحامل تحتاج المزيد من الفحوصات لمراقبة حالتها الصحية أثناء شهررمضان ويفضل أيضا الاستفسار من أخصائية لها لتحديد الاحتياجات الغذائية للمرأة الحامل والتأكد من اتباع نظام غذائي يقي المرأة من زيادة الوزن ويجنب متاعب الصيام من إمساك وصداع وحرقة معدة وكسل وننصح المرأة بالاحتفاظ بمذكرة تسجل فيها ما تتناوله من طعام وشراب حتى يمكن مراجعتها من قبل المختصين عند تقييم الحالة التغذوية للمرأة.
بشكل عام تنخفض معدلات السكر في الدم أثناء الصوم ولابد من تعويضها وإعادتها إلى مستوياتها الطبيعية ومن أجل ذلك على الحامل بدء الافطار بحبات من التمر بالإضافة إلى العصير الطازج الطبيعي والحذر من الإكثار من السكر في العصائر والحلويات ومن الضروري جداً أن يحتوي الافطار على طبق من السلطة الخضراء الغني بالفيتامينات والمعادن اللازمة للجسم، بالإضافة إلى البروتين من مصادره المختلفة مثل اللحوم والأسماك والدجاج والحبوب والبقوليات مثل العدس والفاصوليا حيث إن البروتين مهم جدا في نمو الجنين.
ومن الأفضل ـ إن أمكن ـ استبدال الأرز الأبيض والمعكرونة والخبز الأبيض والمعجنات بالأرز الأسمر والمعكرونة من القمح الكامل والخبز الأسمر فهي مفيدة جداً وغنية بالألياف كما أنها سهلة الهضم وتمنع التسبب بالامساك الذي يصاحب الصوم لدى البعض وننصح قدر الإمكان بالابتعاد عن الوجبات الدسمة والغنية بالدهون فهي تتسبب بعسر الهضم والتعب والشبع والتخمة بالإضافة إلى كونها غنية بالسعرات الحرارية وتزيد من الوزن بشكل كبير.
ونؤكد على أهمية تناول الحامل وجبات خفيفة ومغذية تمدها بالطاقة الكافية بين الإفطار والسحور دون أن تشعر بالتعب والتخمة، كالمكسرات النيئة وبسكويت القمح الكامل والفواكه والخضراوات .
ونود أن ننوه إلى أن وجبة السحور مهمة جداً للأم وجنينها ويجب ألا تهمل ، لأنها تساعدها على القدرة على الصيام بدون تعب وتمدها بالطاقة وتخفف من أعراض الجوع والصداع والخمول أثناء الصوم كما نبين أهمية الابتعاد عن المنبهات كالشاي والقهوة والمشروبات الغازية على السحور واستبدالها بالعصائر الطازجة والحليب والشوربات المعدة من الخضار ومن الضروري الإكثار من شرب السوائل بين وقت الإفطار والسحور لتجنب الجفاف ،لذا عليها تناول كمية وافرة من الماء أي حوالي 8-12 كوب خلال هذه الفترة.
وعلى المرأة الحامل خلال الصوم أن تحصل على فترات منتظمة من الراحة وتتجنب المشي لمسافات طويلة وكذلك حمل أي أغراض ثقيلة وعلى أفراد الأسرة مساعدة الأم الحامل في المهمات المنزلية قدر الإمكان .

د.سلوى جبار الشهابي
طبيبية اختصاصية في طب المجتمع
دائرة صحة المرأة والطفل المديرية العامة للرعاية الصحية الاولية