أب مفجوع يتصالح مع نفسه والآخرين

القاهرة ـ من إيهاب حمدي:
يناقش فيلم "الكوخ" (The Shack) المأخوذ عن الرواية المتصدرة لقائمة صحيفة "نيويورك تايمز" لأعلى الكتب مبيعا في مارس (الكوخ الصغير) لويليام يونج فكرة دينية بامتياز، وهى كيف لرجل ناقم على حياته، محطم الفؤاد، متزعزع الايمان، ان يعود الى طريق الله ويتصالح مع نفسه ومع من حوله، حتى يتسنى له الاستمتاع بالحياة البشرية التي يحيا؟ كيف يستطيع الاب المكلوم أن ينسلخ من ماضيه القاسي وذكرياته المؤلمة، ويعود الى حاضره ليستمتع به ويعمل لمستقبله قبل أن يهدمه؟
البناء الدرامي للفيلم وحبكته الجيدة ـ إلى حد ما ـ استطاعت ان تأخذ المشاهد في هذه الرحلة الروحية للاستشفاء من آلام النفس، ولوعة الفراق.
بطلنا هنا سام ورثينجتون الذي شاهدناه قبل ذلك في افتار(avatar) واعمال أخرى مميزة يقدم لنا قصة أب مفجوع في مقتل ابنته الصغرى بواسطة قاتل متسلسل، يغرق الاب في احزانه وتسوء علاقته بأسرته، وينصرف عن واجباته الدينية المسيحية، حيث لا يستطيع ان يخرج من دوامة حزنه العميق على فقدان ابنته الصغرى.
لكن القدر لا يتركه هكذا شارداً، ناقماً، مكتئباً، مستبدلاً مستقبله الذي بيده ان يجعله مشرقاً، بماضيه الأليم، فينظم له رحلة روحية مميزة تنتشله مما يعانيه، وتكشف له حقيقة ما غاب عنه من أمور لم يستطع ادراكها بمفرده.
الفيلم بمثابة مسحة حنان وتسرية لمن فقد عزيز له، أو فُجع في قريب له، فعلى مدار أكثر من ساعتين نبحر مع الاب المفجوع وكيف استطاع القدر ان ينير له الطريق ويعيده الى جادة الصواب.

معاناة منذ الطفولة
ماك أو ماكنزي الين فيليب (سام ورثينجتون) طفل يعانى من تسلط الاب (ديريك هاميلتون) الذى يضرب والدته بشده لأنها تعارضه، بل انه لا يتورع ان يأخذ ابنه الى الغابة في يوم مطير ويجلده بحزام على ظهره لأنه تجرأ وشكى الى القس معاناته التي لا تنتهى بسبب انه لا يستطيع وقف إيذاء والده لوالدته.
لكن فترة الطفولة تلك تنتهي دون ان نعرف كيف تخطاها ماك ليبدأ الفيلم في الدخول مباشرة الى منتصف عمر ماك حيث الاسرة السعيدة الزوج والزوجة وابنتين وصبي يعيشون معاً في سعادة بالغة يذهبون في رحلات برية وبحرية.
يقرر ماك اخذ اطفاله الى رحلة تخييم في الغابة بجوار البحر وهناك في الطريق يمرون على شلالات يسرد معاط لطفلته قصة هندية قديمة عن تضحية اميرة بنفسها لإنقاذ اهل قريتها من مرض غامض ، لكن القصة تظل عالقة في ذهن الابنة وخاصة مفهوم التضحية .
في منطقة التخييم ذات يوم يركب الابن الكبير جوش (جاج مينرو) والابنة الكبرى كات (ميجان تشاربينتير) مركبا ويستعرضون في الماء فيقع كلاهما في الماء فيترك ماك ميسي على الشاطئ ويهرع لإنقاذ أبنائه وبالفعل يستطيع ذلك لكن حينما يعود يجد ان الابنة الصغري ميسي مفقودة ولا اثر لها في المخيم كله.
بعد بحث مضن لا يجدى تأتى الشرطة لتخبره بان هناك احتمالا ان يكون قد خطفها قاتل أطفال متسلسل يبحثون خلفه من سنين .
وبالفعل بعد أيام قليلة يجدون متعلقات ميسي وبجوارها دماء في كوخ صغير في الغابة فيعرفون انها قد قتلت .
تسوء حالة ماك ويفقد الامل وينعزل نوعا ما ويدخل في دور اكتئاب حزناً على ابنته ميسي، الامر ذاته يحدث للابنة كات التي تحمل على عاتقها السبب الرئيسي لفقد ميسي فهي من كانت تستعرض في القارب وبسببها ترك والدها ميسي على الشاطئ.
في وسط كل هذا نجد الام نان (رادها ميتشيل) تحاول علاج الألم الذي يحيط بالأسرة فتارة تأخذ ابنتها الى اخيها المستشار النفسي وتارة تحاول مع زوجها إخراجه مما هو فيه، لكن محاولاتها تبوء بالفشل.

القدر يتدخل
ذات يوم يجد ماك في صندوق بريده رسالة بها دعوة من بابا (وهو الاسم الذى يطلقه ماك على الرب) لزيارة الكوخ الذى من المحتمل ان يكون قد فقد فيه ابنته في عطلة نهاية الأسبوع. ويحاول استقصاء اثار للدعوة ومعرفة من أرسلها عن طريق سؤال جيرانه وسؤال مكتب البريد لكن دون جدوي لا احد يعرف من أرسلها، حتى ان صديقه وجاره يسخر من كونها اتية من الرب.
لكن ماك يقرر فعلا الذهاب الى الكوخ سعيا للانتقام لانه فكر لربما يكون القاتل هو من ارسل الرسالة.
وبالفعل يأخذ معه أشياء للإعاشة ويذهب في سيارة جاره لان سيارته مع زوجته وابنيه، ويخترق الغابة الى الكوخ المقصود .
وهناك لا يجد احدا لكنه يعثر على شاب يطلب منه الذهاب معه الى مكان ما وان هناك من ينتظره، دون ان يخاف هذا الشاب من اشهار ماك للمسدس امامه، بل دون ان يعير أي اهتمام للأمر حتى.

استشفاء روحي
يتبع ماك الشاب عبر الغابة الجليدية ليدخل في غابة أخرى استوائية كأنها جنة ورقاء جملية زاهية بأزهارها ، وطيورها المغردة .
في المنتصف منها هناك منزل ما ان يدخل ماك المنزل حتى يجد امرأة ذات بشرة سوداء (اوكتافيا سبنسر) وهى تجسد دور بابا ـ وهناك ابنتها ساريو (الممثلة اليابانية سومير ماتسوبارا) وتجسد دور الروح ، اما الشاب الذى التقى ماك اولاً فهو (أفراهام أفيف ألوش) وهو يجسد دور يسوع او الابن.
وهنا تكتمل معاً ، في البداية لا يصدف ماك انه بصحبته لكنه سريعا سريعاً يعرف الحقيقية ويدير حوارات فلسفية مع بابا محملاً إياه السبب في فقد ابنته لانها لم تستطع انقاذها وقت حاجتها، كما انها لم ترأف لحاله وتنقذ ابنته التي ضاعت. لكن بابا ترد عليه بحجج ومبررات هو لا يفهمها كأن تقول له "عندما يكون كل ما تراه هو المك تفقد القدرة على رؤيتي" ، "انت تسيء فهم اللغز" فيظل ماك غير عابئ بهم او بما يقولون حتى انه يقرر مرة ان يغادر لكن ساريو او الروح القدس تاخذه ليحرث معها قطعة من حديقة غناء رائعة الجمال ويقرر ان يظل ليشهد حفل تخبره انهم سيقيمونه غداً وفى الغد يجعلونه يقف موقف الحكم او القاضي على الأشخاص بان يقضى مثلا على أبنائه الذين يكذبون عليه لكن يرفض معقابتهم ويريد لهم حياة سعيدة بل انه يتطوع لياخذ هو العقاب بدلا منهم و في النهاية يجعلونه يقابل ميسي ابنته في الحياة الأخرى وهى تلعب مع اقرانها و تخبره انها سعيده جداً في عالمها الجديد.
كما يأخذه الشاب الابن في رحلة مشياً على الماء في البحر بعد ان كاد يغرق ليخبره ان ما بداخله من حزب هو من كاد ان يسبب له الغرق. كما ياخذه ثلاثتهم ليلا الى مكان تهل من أضواء نيرة ليخبره انهم أرواح البشر ذاهبة الى الجنة وهناك يلتقى بوالده الذى مات منذ زمن ويحتضنه ويطلب منه المغفرة .
وفى النهاية يأتي له بابا ذكوري (جراهام جرين) لينهى معه عملية الشفاء التام ويطلب منه ان يغفر ويسامح من قتل ابنته ميسي ، في البداية يرفض ولكن بعد ذلك يلين ويقبل بالأمر ويعرف ان البشر جميعا لدى الرب أبناء فيأخذه الى مكان جثة ميسي ويعيدو تكفينها ثم يحملوها لتدفن في الحديقة الفناء في نفس المكان الذى حرثه ماك قبل ذلك.
يعود ماك الى حياته الحقيقية ليجد نفسه في مستشفى جراء اصابته من حادث سيارة ويحاول اخبار من حوله بالأمر لكن احداً لا يصدقه لكنه هو نفسه تغير فعليا الى الاحسن فصلح علاقته بزوجته وابنته وولده ، وازاح هم ابنته ومعاناتها من انها السبب فيما حدث ، وبدأ في المواظبة على فروضه الدينية ، ليحيا حياة سعيدة مع اسرته راضيا بالقضاء .
فيلم (The Shack) من اخراج سام هزلدين وكتب له السيناريو جون فوسكو عن قصة الكاتب ويليام بول يونج ، وهو ينتمي لنوعية أفلام الدراما والفانتازيا، مدته (132) دقيقة، وقد حصل على تقييم(6.6) على موقع imdb.com.