إن الوعي في عملية الانفتاح على العالم الخارجي أمر مصيري يتعلق بمستقبل مجتمع برمته، وهذا يتوقف على مدى ما تقدمه الأنظمة لشعوبها من آليات علمية للحد من الغزو غير اللائق والإبقاء على ما يفيد الأمم، حيث إن الانفتاح المدروس والمخطط له, يحقق العدالة الاجتماعية ويحسن المستوى المعيشي للسكان.

انفتاح باب تقارب شعوب العالم بات أمرًا طبيعيًّا أكثر من أي وقت مضى بحكم وسائل التكنولوجيا التي تعتبر أساس التواصل في ظل حركة العولمة المنتشرة، كما لم يعد هناك أي خيار في التعامل مع ما يجري على الساحة العالمية، حيث أصبح من المستحيل أي شعب أن يعيش منعزلًا عن العالم الخارجي داخل حدود بلاده، فالمجتمعات والثقافات والأفكار ووسائل الإعلام والإقتصاد انفتحت على بعضها قسرًا بفعل التقدم التكنولوجي الهائل، وتحديث وسائل الاتصالات والمواصلات المطورة التي قاربت ما بين البلدان والشعوب بصورة لم يسبق لها مثيل في التاريخ.
اختلاف تحديد معنى الانفتاح تمحور اقتصر ما بين الأفراد والمجتمعات, حيث إن عملية الانفتاح ليست حكرًا على مجتمع دون آخر، ولا على منطقة إقليمية دون أخرى، ومفهومها المطاطي يتسع وينكمش تبعًا للرؤى والفلسفات التي تختلف في تعريفها, وهي التي تمثل المدارس المختلفة في العلوم الإنسانية، إضافة إلى أن الانفتاح متعدد الأبعاد، فهناك الثقافي، وهناك الاجتماعي، وهناك الإعلامي, وهناك الاقتصادي..الخ.
لقد أصبح الانفتاح على العالم أمرًا لا بد ولا مفر منه، ولكن مع تحمل ضريبته الأخلاقية والاجتماعية والفكرية والاقتصادية على كل فرد أو مجتمع يسعى تجاهه, فعندما انفتحت الشعوب على الغرب، انحصر اهتمامها إلى حد بعيد بما هو سطحي، وللأسف بعض المجتمعات تخلط بين الانفتاح والاستفادة من تجارب واستثمار الإنتاجات العلمية والاجتماعية من الغرب، وبين التطابق بصورة عمياء.
إن اليابان وهي الدولة المتقدمة تقنيًّا أكثر من غيرها، انفتحت هي الأخرى على جميع دول العالم, بعدما خرجت مدمرة من الحرب, استطاعت أن تكون من أكثرِ الدول تقدمًا في التكنولوجيا والصناعة، مع احتفاظ الكثير من اليابانيين بثقافتهم وعاداتهم. وقد قام الإعلامي السعودي أحمد الشقيري بتصوير عشرات الحلقات حول المجتمع الياباني وطريقته في الحياة وبرر ذلك فقال: "واحدة من أهم الأسباب التي جعلتنا نذهب إلى اليابان, أنها حافظت على تقاليدها رغم تقدمها التقني الهائل".
إن الوعي في عملية الانفتاح على العالم الخارجي أمر مصيري يتعلق بمستقبل مجتمع برمته، وهذا يتوقف على مدى ما تقدمه الأنظمة لشعوبها من آليات علمية للحد من الغزو غير اللائق والإبقاء على ما يفيد الأمم، حيث إن الانفتاح المدروس والمخطط له, يحقق العدالة الاجتماعية ويحسن المستوى المعيشي للسكان.
كما أن الانفتاح التكنولوجي يسهم في رفع الدرجة المعرفية للفرد والتفاعل بشكل إيجابي تأثيرًا وتأثرًا بالعالم الخارجي، بالإضافة إلى أن الانفتاح الاقتصادي يسهم في فتح أسواق جديدة وتطوير المنتج وتنشيطه لأية أمة استثمارية، وكل انفتاح له دور في تطور الفرد والمجتمع, إذا أخذ المفيد منه, وحرص على الموروث الحضاري من القيم والمبادئ الذي لا يوجد في أية حضارة أخرى, تقديرًا لها وحفاظًا على الثقافة الخاصة لكل مجتمع.
إن للعادات والتقاليد أهمية عظيمة قد لا يشعر بها الفرد الذي لا يهتم بهويته، وإذا نظر إلى من حوله لوجد أن هناك شعوبًا تحاول التمسك بالعادات والتقاليد التي تربّت عليها لأهميتها العظيمة، فهي ترسم شخصية الفرد وتجعله يفرق بين الأشخاص حسب الانتماء أو المكان الذي ينتمون إليه, وهي التي تشعره بأهمية أن يكون له وطن خاص به، وهي التي تحدد ثقافة وحضارة مجتمع وتميزه عن الآخر.
على الشعوب والحكومات تبني الأفكار المناسبة والملائمة لطبيعة المجتمع والثوابت والمبادئ، ومن الضروري الحد من سلبيات الانفتاح وبالأخص التقليد الأعمى في شتى جوانب هذا الانفتاح، وأصبح التربويون وغيرهم من صناع الوعي مطالبين بتحمل مسؤولياتهم تجاه مواجهة العولمة ومعطياتها العلمية والتكنولوجية لتجنب آثاره المدمرة في العملية التربوية وفي الحياة الاجتماعية عمومًا. وهذا الأمر يحتاج إلى دراسة متأنية لتجنب سلبيات الانفتاح.
إن الانفتاح الإيجابي ومواكبة كل أنواع التقدم محمود إذا كان مع التمسك بالأصالة وأصالة المجتمع من قيم وعادات وتقاليد ومع التمسك باللغة العربية ومحافظ على الهوية والثقافة لذلك المجتمع. إذا لا بد من الوعي بما هو مهم ومفيد للمجتمع، وما هو مضر أو ما يتسبب في انحلال حضارة ذلك المجتمع, والحذر من التوجهات الفكرية الدخيلة التي تستهدف مبادئ وقيم وحضارة المجتمع, والتي تروجها وسائل الإعلام.

سهيلة غلوم حسين كاتبة كويتية
[email protected] انستجرام suhaila.g.h