ذكرنا في الحلقة السابقة – ونحن نتكلم عن شرط المطلق والمطلقة – حكم طلاق المجنون والمعتوه والمدهوش والمكره، وسنتناول في هذه الحلقة – بمشيئة الله وتوفيقه حكم طلاق الغضبان:
الغضب : تغيّر يحصل عند غليان دم القلب ليحصل عنه التشفي للصدر " .
والغضب قد يكون محموداً إذا كان دفاعا عن إنتهاك حرمات الله . ويصبح مذموما إذا حرج بصاحبه عن طور العقلانية والحكمة حيث يأتي بتصرفات لا يقرها شرع ولا يقبلها عقل ، تفسد العلاقات الأخوية ويقضي على الحياة الزوجية .
وقد نهى النبي – صلى الله عليه وسلم – عن الغضب ، فعن أبي هريرة ، أن رجلاً قال : يارسول الله ، مرني بعمل وأقلل ، قال : لا تغضب ، ثم أعاد عليه فقال :" لا تغضب" وعن أبي الدرداء : قلت يا رسول الله ، دلني على عمل يدخلني الجنة ، قال : " لا تغضب " .
والأنسان مأمور أن يكظم غيضه عند الغضب ، يقول الله عز وجل – " والكاظمين الغيظ " ويقول النبي – صلى الله عليه وسلم - : " ليس الشديد بالصرعه إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب " ، ويقول عليه أفضل الصلاة والسلام :" أشدكم من غلب نفسه عند الغضب ، وأحلمكم من عفا عند المقدرة ".
وطلاق الغضبان ، فإن كان الغضب لم يفقده وعيه ، ويعرف ما يقول وما يقصده ، فإن طلاقه واقع ، بل أن أكثر الذين يطلقون زوجاتهم يكونون في حالة غضب ، أما إذا كان غضبه يفقده الوعي ولا يدرك ما يقول فطلاقه لا يقع .
وقد سئل سماحة الشيخ أحمد بن حمد الخليلي عن رجل طلّق زوجته بالثلاث وكان في حالة غضب شديد وفقدان الشعور بسبب شدة الغضب ،هل يقع طلاقه؟ فأجاب : إن كان واعيا لما صدر منه فطلاقه ماض وتبين منه بالثلاث فلا تحل له حتى تنكح زوجا غيره نكاحا صحيحا لا تدليس فيه ، وأن كان لم يع قط وإنما علم به من اخبار غيره فلا يقع طلاقه ."
يتضح من ذلك ، أن الفيصل في وقوع طلاق الغضبان هو : الوعي والأدراك ؛ فإن كان المطلق واعيا ومدركا لأفعاله عند التلفظ بالطلاق وقع طلاقه ، وأن كان غير واع وغير مدرك عند تلفظه بالطلاق وذلك بأن يصل به الغضب إلى درجة لا يدري ما يقوله ويفعله وينسى ما قاله بعد ذهاب غضبه فلا يقع طلاقه لإنه في هذه الحالة مسلوب الإرادة والإدراك ومما يؤسف له أن أكثر حوادث الطلاق سببها الغضب من جراء خلاف بسيط بين الزوجين ، ولو أن الزوج تمهل في إيقاع الطلاق وأخذ بالتوجيهات النبوية بأن يذهب فيتوضأ أو يتعوذ من الشيطان ويستغفر الله ، ولو أن الزوجة حين ترى زوجها غضبان لا تجاريه في الكلام بل تسكت عنه لما وقع الطلاق .
،،، وللحديث بقيه ،،،

د/محمد بن عبدالله الهاشمي
قاضي المحكمة العليا
رئيس محكمة الاستئناف بإبراء
[email protected]