”.. طارق عزيز ليس فقط الدبلوماسي البارع والمحاور السياسي المقنع، وإنما يعد من أبرز المثقفين والمفكرين والإعلاميين على المستويين العراقي والعربي، وقضى عشرات السنين من حياته في العمل الصحفي والإعلامي والثقافي والفكري، وكان مجيدا في الكتابة باللغة العربية، ومتميزا في الحديث والكتابة باللغة الإنجليزية.”[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/ahmedsabry.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]احمد صبري[/author]عام مضى على رحيل عميد الدبلوماسية العراقية السابق طارق عزيز الذي كشفت وفاته عن محنة أركان النظام العراقي السابق المعتقلين في سجن الناصرية جنوب العراق.وعلى الرغم من مرور قرابة 14 عاما على وجودهم في المعتقل، ووفاة العديد منهم جراء انعدام الرعاية الصحية، فضلا عن ظروف الاعتقال فإنه لا توجد بارقة أمل في إطلاقهم وإنهاء معاناتهم.وطارق عزيز الذي قضى بالمعتقل نحو 12 عاما وحُكم عليه بتهم بعيدة عن اختصاصه، واجه مصاعبَ السجن وتداعيات مرضه بصلابة الإنسان المؤمن بقدره، لم يضعف أو يستجب للضغوط، وبقي صامدا يواجه عاديات الزمن.وعلى مدى العقود الماضية تحمل عزيز مسؤولية قيادة الدبلوماسية العراقية والإشراف على السياسة الخارجية بعد قطاع الثقافة والإعلام في أحلك الظروف لمواجهة التحديات التي عصفت بالعراق، مدافعا عن وجهة نظر بلاده في المحافل العربية والدولية، غير أنه عدّ الاجتياح العراقي للكويت خطأ كبيرًا، ومكانة طارق عزيز داخل العراق وخارجه كشخصية سياسية ودبلوماسية وقدراته في المحاورة عززت من حضوره في الحياة السياسية في بلاده، لما يتمتع به من كفاءة وصفات قيادية وخلفية ثقافية واسعة.وطارق عزيز ليس فقط الدبلوماسي البارع والمحاور السياسي المقنع، وإنما يعد من أبرز المثقفين والمفكرين والإعلاميين على المستويين العراقي والعربي، وقضى عشرات السنين من حياته في العمل الصحفي والإعلامي والثقافي والفكري، وكان مجيدا في الكتابة باللغة العربية، ومتميزا في الحديث والكتابة باللغة الإنجليزية.ويكشف مدير مكتبه السفير سامي سعدون عن أن الشركة المنفذة لفندق (ميريديان) حاولت بمختلف الوسائل أن تسقط كلمة (فلسطين) ويبقى اسمه (الميريديان) فقط، إلا أن طارق عزيز أصرّ مهددًا بإلغاء العقد ومقاضاة الشركة فرضخوا وظل اسم (فلسطين ميريديان).وتعرض طارق عزيز إلى محاولة اغتيال، فكسرت ذراعه في حادث المستنصرية في نيسان/ابريل عام 1980، ثم في محاولة أخرى عند افتتاحه لمعرض فني في صالة العرض في ساحة الطيران ببغداد.ومع سعة صدره وهدوئه وقدرته على التحمل كان طارق عزيز شجاعًا لا يهادن في الدفاع عن العراق، فكان أحد أبرز الأصوات وأشجعها في قاعات مجلس الأمن والجمعية العامة دفاعا عن العراق وفلسطين وفي لقائه الشهير مع (جيمس بيكر) وزير الخارجية الأميركي في جنيف عشية الحرب على العراق عام 1991، وبعد تهديدات (بيكر) بأن أميركا ستعيد العراق إلى ما قبل العصر الصناعي، وأنها ستغير القيادة العراقية وتنصّب حكامًا من أتباعها رد عليه عزيز: نعم إنكم تستطيعون تدمير العراق بما تملكون من قوة، ولكنكم لن تستطيعوا القضاء على العراق، فعمره سبعة آلاف سنة قبل الميلاد .. فسيبقى العراق وأنتم الزائلون. كما رفض تسلّم رسالة بوش الأب للرئيس صدام حسين.وحاول طارق عزيز من خلال موقعه ومسؤوليته بإدارة الملف العراقي مع الأمم المتحدة وفرق التفتيش الدولية أن يدرأ شبح الحرب على بلاده، ويكشف بطلان المزاعم بامتلاك بلاده الأسلحة المحظورة، رغم الاستجابة العراقية لشروط ومتطلبات قرارات مجلس الأمن.ففي العام 1998 نجح طارق عزيز في إقناع القيادة العراقية بالسماح لفرق التفتيش الدولية زيارة القصور الرئاسية التي كانت الإدارة الأميركية تروّج أن أسلحة الدمار الشامل مخزونة فيه، في محاولة لنزع فتيل أزمة كادت أن تعرض العراق إلى ضربة عسكرية أميركية.واصطحب عزيز في حينها وسائل الإعلام الغربية والعربية في جولة حرة في القصور الرئاسية المتوزعة في بغداد والرضوانية وقرب المطار الدولي، وكان عزيز يقود الصحفيين من غرفةٍ إلى أخرى للتأكيد على خلو القصور الرئاسية من أية أسلحة محظورة، وشاركتُ في الجولة المذكورة كوني مراسلا لإذاعة مونت كارلو في العراق.وطارق عزيز الذي فضل الموت على الحياة التي يعيشها وراء القضبان في سجن الناصرية، واجه الأمراض التي تغلغلت في جسده بشجاعة وصبر.