حين تكون الرؤية واضحة تجاه القضايا الوطنية والتي تمس بصورة مباشرة البنية التحتية وتوفير سبل الراحة والعيش الكريم للمواطن، فإن الأذهان تتفتق عن حلول إبداعية للمحافظة على مصالح الوطن والمواطن في خضم التنافس الكبير الذي تطلقه الدول الناهضة باقتصاداتها وتنميتها بالتحرك نحو القوى الاقتصادية وانفتاح الأسواق والتشجيع على الاستثمار.
وتعد المناطق الصناعية وتشجيع الاستثمار فيها من بين القطاعات التي أخذت تشهد هذه الحلول التي تحافظ على الموازنة بين ربط محافظات السلطنة ومدنها وقراها، وتأمين فرص العمل وسبل العيش الكريم للمواطن، والحفاظ على حقوق المواطن في الشعور بأنه المالك الحقيقي للوطن، وبين تطلعات جذب الاستثمار المحلي والأجنبي للمساهمة في تحسين أداء الاقتصاد الوطني.
ومع الخطوات الأولى على طريق مسيرة النهضة المباركة في مطلع السبعينيات حرص حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم ـ حفظه الله ورعاه ـ على تحقيق رؤيته حول بناء اقتصاد وطني قوي في الحاضر والمستقبل بما فيه الجانب الصناعي. كما حرص جلالته ـ ولا يزال ـ على التسلح بكل أداة تساعده في بلوغ هدفه العظيم في سبيل بناء اقتصادنا الوطني ونقله إلى مصاف الاقتصادات العالمية، فكان أحد أبرز اهتمامات جلالته هو تنويع مصادر الدخل ليكون الاقتصاد العماني ناهضًا وقادرًا على استيعاب كافة الأنشطة الاستثمارية والتجارية، وعلى تحقيق الأهداف والغايات النبيلة التي جاءت من أجلها النهضة المباركة.
وفي ظل توجيهات جلالته ـ أيده الله ـ ورعايته للاقتصاد الوطني، وتمشيًا مع التطورات التي تشهدها الساحة الاقتصادية، وسعيًا لجذب المزيد من الاستثمارات لتطوير المناطق التنموية في السلطنة خاصة الصناعية منها ومواصلة لتهيئة بيئة أعمال مناسبة لكافة الأنشطة وتوطين الاستثمارات الوطنية، وإيجاد فرص عمل تتناسب مع النمو السكاني المتزايد اطلع مجلس الوزراء ـ كما جاء في بيانه الصادر أمس ـ على مشروع النظام المعد للمؤسسة العامة للمناطق الصناعية وكلف اللجنة الاقتصادية المنبثقة عن المجلس بمتابعة ما يتعلق بهذا الموضوع من جوانبه كافة وأهمها توفير الحوافز والتسهيلات للمستثمرين وغيرها من الجوانب.
وما من شك أن هذا الاهتمام يعبر عن إرادة حقيقية وجادة نحو إيجاد قاعدة اقتصادية عريضة يقوم عليها اقتصاد وطني نامٍ ومستقر وحر، ويفتح الطريق أمام المستثمرين لاغتنام هذه الفرص التي تتمثل في التسهيلات والحوافز والحماية القانونية للمستثمر مع عدم إخلاله بما يتفق عليه من بنود وشروط تعاقدية. كما أن المتابعة من قبل مجلس الوزراء تضفي أجواء آمنة أكبر لكل من يرغب في الاستثمار، لا سيما وأن المجلس استكمل دراسة مشروع قانون حماية المنافسة ومنع الاحتكار وأحاله إلى مجلس عُمان، مكلفًا في الوقت ذاته الجهات المختصة بالنظر في مقترح إنشاء مركز للمنافسة ومنع الاحتكار من جميع جوانبه لأجل إحكام المتابعة الرقابية في هذا المجال، ومواكبة التحولات الاقتصادية والانفتاح على الأسواق وآلياتها لإيجاد بيئة اقتصادية تنافسية قائمة على الكفاءة وفق قواعد وآليات سليمة وعادلة بما يساعد الاقتصاد العماني على اللحاق بقاطرة الاقتصاد العالمي. وليس خافيًا أن الاحتكار يعد معوقًا رئيسيًّا وكبيرًا أمام الاستثمار وأمام المؤسسات المتوسطة والصغيرة، ومانعًا لقيام أي بيئة اقتصادية صحية عمادها التنافسية وحرية السوق. ومن المؤكد أن متلقفي نبأ قرب صدور قانون يمنع الاحتكار ويعطي التنافسية قيمتها الحقيقية ويوازن بين حقوق المستهلك والتاجر، يغمرهم البشر بوداع كوابيس ظلت معششة على مخيلتهم، وجاثمة على صدورهم، وذلك لتحولهم إلى رهينة بيد التاجر المحتكر. ومن المؤكد أيضًا أن المستثمرين المترددين حين يصلهم قانون منع الاحتكار سيكون له وقعه وتأثيره في إقبالهم على خوض غمار تجارب الاستثمار التي ستتكلل بالنجاح بإذن الله.
إن القطاع الخاص في ظل جهود الحكومة نحو تشجيع الشباب على المؤسسات الصغيرة والمتوسطة وإنشاء المناطق الصناعية والحرة وتوسيع بناها التحتية وتنويع مصادر الدخل، مدعو للأخذ بناصية الاستثمار والإمساك بتلابيب هذه الفرص المتاحة والطموحة، ومن ثم الاستفادة والإفادة من خلال تحقيق الأرباح الوفيرة واحتضان القوى العاملة الوطنية، بما يعزز في النهاية مكانة اقتصادنا الوطني ويحقق الاستقرار الاجتماعي والمعيشي.