من جميل أحاديث الشيخ علي الطنطاوي رحمه الله، أن جلس يوماً يصف معركته في التفكير بالمستقبل كما نفعل جميعاً، فقال: درستُ الابتدائي لأجل المستقبل، ثم قالوا لي: أدرس المتوسط لأجل المستقبل، ثم قالوا : ادرس الثانوي لأجل المستقبل، وبعد ذلك قالوا : ادرس الليسانس أو البكالوريوس لأجل المستقبل ، ثم قالوا لي : توظف لأجل المستقبل، وأتبعوا ذلك بقولهم: تزوج لأجل المستقبل ، ثم قالوا : انجب ذرية لأجل المستقبل ... وها أنا اليوم اكتب هذا المقال وعمري سبع وسبعون عاماً ومازلت انتظر هذا المستقبل !!
يضيف الشيخ قائلاً : المستقبل ما هو إلا خرقة حمراء ، وُضعت على رأس ثور ، يلحق بها ولن يصلها ؛ لأن المستقبل إذا وصلتَ إليه أصبح حاضراً ، والحاضرُ يصبح ماضياً ، ثم تستقبل مستقبلاً جديداً .. إن المستقبل الحقيقي هو أن تُرضي الله ، وأن تنجو من ناره ، وتدخُل جنته.

بكلمات قليلة وصف الشيخ معاناة كثيرين منا، حيث السباق واللهاث نحو مستقبل لم نعرف ملامحه بعد ، ونظل ننشغل به ونهتم به ونقلق، وهو بعدُ في علم الغيب لم يدخل حيز التنفيذ في الحياة الدنيا، وننسى ما هو أهم من المستقبل، وهو الحاضر الذي نعيشه ونمتلكه أو نتحكم فيه بعض الوقت قبل أن يتحول إلى ماض لا يعود ولا نتحكم فيه، كما المستقبل الذي لا نتحكم فيه ..

إن عصفوراً باليد خير من عشرة على شجرة، كما تقول العامة في أمثالها، وهذا للدلالة على أهمية الاهتمام بالحاضر، فحاضرنا هو بمثابة العصفور الوحيد الذي باليد ، أما العشرة فوق الشجرة فهي أشبه بقضايا المستقبل التي لا ندري عنها كثيراً ولا ندري هل يمكن امتلاكها أو حتى الوصول إليها.
زبدة الحديث ..
لا تحزن على ما فات ، ولا تحمل هم ما هو آت، لكن عش واستثمر ما أنت فيه وعليه قبل أن يتحول إلى ماض لا يعود، فتحزن وتتحسر عليه، لتعيش في دوامة لا تنتهي، بين ماض فائت ومستقبل غامض وحاضر مُغيّب .

د.عبدالله العمادي