” يتسم فريق الأزمات (فتيان) من خلال المعاني اللُّغوية لـ (فتى) في المعاجم، وكذا استخدامها بصيغها المختلفة في القرآن الكريم بخصائص تتسم ووقت الأزمات الاقتصادية الخاصة بالقحط والمجاعة، حيث إنها تُعتبر كلمة معجزة لما تحمله من معانٍ مناسبة لسياق الأزمة. ومن هذه المعاني: القوة والفتوة والشجاعة والطاعة والنشاط والانضباط لكونهم في مرحلة الفتوة وهي المرحلة بين المراهقة والرجولة وهي خاصة بتلك الصفات.”

[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/uploads/2016/05/salahdep.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]د. صلاح الديب[/author]

نعيش في عصر حافل بالأزمات والمحن الاقتصادية والاجتماعية وأزمات حروب ونزاعات وغيرها وما أن تنتهي أزمة في بلدٍ ما تظهر أخرى في بلد ثان وعلى إثر هذه الأزمات تتفشي المجاعة والبطالة والفقر والحرمان وكل هذه الأزمات التي تعصف بالعالم تختلف بطبيعتها وحجمها وعوامل نشأتها وآليات الخلاص منها.
لذلك من الضروري عدم الاكتفاء بالانتظار حتى حدوث هذه الأزمات، فلا بّد على كل من يتولى القيادة أن يكون لديه خطط وبرامج واستعدادات مسبقة للتعامل مع أي طارئ لاحتواء أضرارها والحدّ منها حتى يستطيع الإبحار بالسفينة نحو شاطئ الأمان.
ويظهر هذا واضحا جليا في سورة يوسف عليه السلام التي حملت في طياتها الكثير من أسس الإدارة وإدارة الأزمات والمحن التي يتعرض لها الإنسان وماتعرض له يوسف عليه السلام خاصة فاستطاع هذا النبيّ بصبره وحنكته وبفضل قيادته الرشيدة بعدما منّ الله عليه وأكرم مثواه عند عزيز مصر أن يتجاوز أزمة طاحنة حلت بالبلاد والعباد.
ونوضح بهذا المقال التعريف بالأزمات ومسبباتها وأنواعها وطرق إدارتها وعلاجها وقيادتها كما ظهر فى سورة يوسف عليه السلام والقياس عليها في الأزمات المعاصرة التي تتشابه معها في الأسباب والاستفادة من هذا الطرح القرآني المثمر في مواجهة المحن.
تتنوع الأزمات وتختلف من حيث نوع الأزمة ودرجة خطورتها وحجم صداها ومساحة مكانها ومدتها ومجال حدوثها وعقيدة أهلها.
فإذا وقعت أزمة قحط ومجاعة مدة سبع سنواتٍ في مناخ عقائدي فاسد فإن التكفل بإطعام شعب جائع تلك المدة لا يقول أحدٌ أنه غنيمة إنما هي تبعية يهرب منها الرجالُ لأنها قد تكلفهم رؤوسهم.
يظهر تكوين فريق الأزمات في منهج نبي الله يوسف القائد لإدارة الأزمات من خلال المحاور التالية:
أ‌- العدل في توزيع الحنطة يقول تعالى (وَلَمَّا جَهَّزَهُم بِجَهَازِهِمْ...)(يوسف:59)، وهي لفظة قرآنية معبرة دّالة على القسط والعدل في استخدام الموازين من قِبل قائد فريق الأزمات يوسف عليه السلام وفريقه من خلال استبدال الحنطة بالعملات وذلك دون تسلطٍ من فريق عمل أزمات يوسف عليه السلام أثناء عملية المبادلة أو تهكمٍ على الشعوب المجاورة أثناء توزيع الحنطة أو تعالٍ أو استغلال أو رفع أسعار أو الكيل بمكيالين أثناء هذه الأزمة الاقتصادية الطاحنة من خلال وضع نظامين للمبادلة الأول لأهل مصر والثاني للشعوب المجاورة.
وهذا إن دل إنما يدل على تغلغل الإيمان بالآخرة في نفوس فريق الأزمات، وبيان أثره على سلوكهم ومعاملاتهم مع المصريين والشعوب المجاورة والذي وضح جلياً في تحقيق مبدأي المساواة والعدل.
ب- خير المضيفين يقول تعالى ((...أَلاَ تَرَوْنَ أَنِّيۤ أُوفِي ٱلْكَيْلَ وَأَنَاْ خَيْرُ ٱلْمُنْزِلِينَ) (يوسف:59)، حيث يظهر في شهادة نبي الله يوسف لنفسه بأنه يوفي الوزن وهو خير المضيفين، حيث تعتبر هذه الشهادة تطبيقاً لقوله تعالى (وأما بنعمة ربك فحدث) (الضحى:5) وليس من باب التفاخر والمباهاة بل هي لأزمة وواجبه في هذا التوقيت الذي يبث فيه قائد الأزمة روح الأمانة والإخلاص والثقة في نفوس غلمانه وفريق عمله من ناحية وكذلك في نفوس الشعب بل والشعوب المجاورة من أرض كنعان ليبني الثقة بينه وغلمانه من ناحية والشعب الذي وثق فيه من ناحيةٍ أخرى.
ج- الإحسان يقول تعالى (قَالُواْ يٰأَيُّهَا ٱلْعَزِيزُ إِنَّ لَهُ أَبا شَيْخاً كَبِيراً فَخُذْ أَحَدَنَا مَكَانَهُ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ ٱلْمُحْسِنِينَ)(يوسف:78) حيث يظهر في شهادة أخوة نبي الله يوسف وهم له منكرون لأخيهم يوسف بأنه من المحسنين وتُعتبر هذه الصفة من الصفات اللازمة في قائد الأزمات الاقتصادية الخاصة بالقحط والجفاف والمجاعات وسبع الأزمات والسنواتٍ الشداد.
د‌- التصدق يقول تعالى (... فَأَوْفِ لَنَا ٱلْكَيْلَ وَتَصَدَّقْ عَلَيْنَآ إِنَّ ٱللَّهَ يَجْزِي ٱلْمُتَصَدِّقِينَ) (يوسف:88) . يتجلى العنصر الرابع في طلب أخوة نبي الله يوسف - وهم له منكرون لأخيهم يوسف بالوفاء بالكيل بل تعدي هذه المرحلة للدخول في مرحلة أعلى من الوفاء والمساواة في الكيل إلى مرحلة التصدق وما كانوا يجرؤون على مثل هذا الطلب في حالهم هذه وحال القحط الذي وصلت بالخلائق منتهاها إلا أنهم استشعروا بل ووثقوا من حسن خُلقه الذي يتناسب مع حالة القحط من كرم وجود وسماحةٍ وإحسانٍ وتصدق في الغلال وهي حينئذٍ أغلى من الذهب بل إن الذهب لا يساوى مثقال ذرة إذا ما قورن بالحنطة آنذاك.
يتصف فريق عمل الأزمات (فتيان) في منهج نبي الله يوسف عليه السلام بخصائص تتسم وقت الأزمات الاقتصادية الخاصة بالقحط والمجاعة ومن هذه الخصائص
1ـ خاصية السخاء التي تتناسب مع القحط والمجاعة وهي درجة أعلى من الكرم ومناسبةً للحقل الدلالي للإحسان الذي اتسم بها قائد الأزمات نبي الله يوسف عليه السلام على مدار السورة بأكملها.
وهم بهذه الفتوى والإخلاص والأمانة حيث إنه جمع كثرة مناسباً لسياق الآيات؛ لأنهم غلمانه وأعوانه الذين يسيرون أمور البلاد من تخزين وتوزيع الحنطة والغلال على الشعب أثناء سني القحط والجدب والمجاعة.
2 ـ خاصية الإيمان والهداية في قوله تعالى (إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُواْ بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى).
3ـ خاصية ذوي النجدة والملهوف وهي واضحة في سلوكهم وسلوك قائدهم عندما استعطف أخوة يوسف نبي الله يوسف أن يعاملهم بالتصدق والإحسان لرداءة بضاعتهم.
روح الفريق ويظهر ذلك جلياً في أمور عده هي:
أ‌- التعاون والمشاركة تظهر في الأفعال المضارعة (كزمن) الدالة على الاستمرارية والتجدد من ناحية وكذلك (كضمير جمع) الدالة على وجود روح الفريق والمشاركة والتعاون من خلال (تزرعون- تأكلون- تحصدون- يعصرون) وكذا (كضمير مخاطب) في الأفعال الثلاثة الأولى لزيادة الاهتمام والتركيز في تلقي تعبير الرؤيا لخطورة الأزمة والانتقال أو استخدام أسلوب (الالتفاف البلاغي) والانتقال إلى ضمير الغائب في عام الغيث للدلالة على الخروج من دائرة التركيز وبؤرة الاهتمام في الخطاب؛ لانتهاء الشدة والانتقال إلى البشارة والتفاؤل.
ب‌- الجديِّة والحرفية تظهر في فعلي الماضي (كزمن) الدالة على التأكد من حدوث الفعل بحرفية وثقة (حصدتم- قدمتم)، وكذلك(كضمير جمع) الدالة على وجود روح الفريق والمشاركة والتعاون وكذا (كضمير مخاطب) لزيادة الاهتمام والتركيز في تلقي تعبير الرؤيا لخطورة الأزمة.
ج‌- الطاعة والانقياد تظهر في حرف الربط وفعل الأمر، وذلك في قوله تعالى (فذروه) بعد كلمة (فما حصدتم) لتدل على الانقياد لأوامر قائد الأزمة نبي الله يوسف عليه السلام .
ـ روح التفاؤل ويظهر ذلك في قوله تعالى "ثم يأتي من بعد ذلك عام.." وهو دال على البشارة وروح التفاؤل التي يبثها نبي الله يوسف قائد فريق الأزمة في فريق عمله؛ حيث إنها تُعتبر إعجازاً من ناحيتين الأولى: أنها تعبيرٌ لا يوجد له حدث في رؤيا الملك فهو إخبارٌ من الله ووحي لنبيه يوسف قائد الأزمة لوقوع حادث في المستقبل ومن ناحيةٍ ثانية ليضع الخالق قاعدة إلهية موجهة إلى كل قائد أزمة أو شدة وهي "ضرورة بث قائد الأزمة روح التفاؤل في فريق عمل الأزمات وكذا مجتمع الأزمة الواقع عليهم تلك الأزمة أو الشدة.
يتمثل التكوين التنظيمي في كلمة "خزائن القرآنية" وذلك في قوله تعالى: "اجعلني على خزائن الأرض"، حيث تعتبر هذه اللفظة معجزة في السياق والنظم القرآني، من خلال الإدارات المكونة والمنبثقة منها وعنها في إطار تنظيمي، كما يلي:
1 ـ إدارة التخطيط يقول الله تعالى "تزرعون سبع سنين.."، "ثم يأتي من بعد ذلك سبع.."، "ثم يأتي..عام.."، حيث يتبين لنا من خلال الآيات السابقة تأثير الزمن في تفسير الرؤيا ومن ثم التخطيط الاستراتيجي لمواجهة الأزمات في عصر سيدنا يوسف عليه السلام.
2ـ إدارات مساعدة
أ- إدارة التموين يقول تعالى "اجعلني على خزائن.."، يظهر لنا من خلال التحليل اللُّغوي المعجمي أن كلمة خزائن تعني: مخزن- مخازن الطعام وهي تتضمن مخازن الحبوب ومخازن اللحوم.
ب- إدارة الأمن والحراسة حيث يقول الله تعالى "اجعلني على خزائن.."، يظهر لنا من خلال الجذر اللُّغوي أن كلمة خزائن تعني:خازن- خزنة وفي القرآن الكريم خزنة جهنم وهم الحرس.
ج- إدارة الموارد المائية يقول الله سبحانه "اجعلني على خزائن.."، يظهر لنا من خلال التحليل اللُّغوي المعجمي أن كلمة خزائن تعني خزَّان-خزَّانات المياه.
وتتضمن خزَّانات طبيعية جوفية وخزَّانات صناعية.
د- إدارة المالية: خزينة يقول تعالى "اجعلني على خزائن.."، يظهر لنا من خلال التحليل اللُّغوي المعجمي أن كلمة خزائن تعني خزائن الأموال إيرادات ومصروفات.
هـ- إدارة المعرفة والمعلومات والبحث العلمي يقول تعالى "اجعلني على خزائن.."، يظهر لنا من خلال التحليل اللُّغوي المعجمي أن كلمة خزائن تعني: خِزانة- خزائن الكتب.
و- إدارة الصيانة الفنية يقول تعالى "..إني حفيــــظ.." و"..اجعلني على.."؛ فهناك إعجاز لغوي إداري بين الحفظ والجعل لأن "الجعل" في المعاجم هو حشرة توجد في المياه الراكدة فتعمل على فسادها وكذا في الأرض الزراعية فتعمل على تدمير المحاصيل المنزرعة وبالتالي فالفعل اجعلني مناسباً لوظيفة الحفظ وهي حفظ الماء وصيانتها وحفظ الأرض الزراعية ومن ثَم المحاصيل الزراعية من الحشرات وكل ما يُفسد ذلك.
3ـ إدارة الإشراف والرقابة يقول تعالى على لسان يوسف عليه السلام"..اجعلني على.."، فحرف الجر على يفيد الفوقية في اللغة كما يفيد الإشراف والرقابة إدارياً.
يمثل التكوين المعرفي أهمية كبيرة في بناء فريق عمل الأزمات في منهج نبي الله يوسف عليه السلام الأزموي ويظهر ذلك جلياً من خلال التحليل اللُّغوي للجذر (خزن) في قوله تعالى "..اجعلني على خزائن الأرض.." [يوسف:55].
حيث يَعني هذا الفعل في المعاجم اللُّغوية معاني عديدة منها: خزن خزانة وخزانات، والخزانة هي مكان وقاعة العلم والكتب ومجمع البيانات والمعلومات. وهو المكان الذي سوف يحصل منه قائد الأزمة على البيانات الدقيقة المطلوبة في وقتها من خلال معرفة مساحة الأفدنة المزروعة وإنتاجية كل فدان وتكلفة الفدان مالياً واستهلاك كل فدان من البذور والماء لتدبير احتياجاته من الزراعة وخفض نسبة الهدر إلى الحد الأقصى له.
يتسم فريق الأزمات (فتيان) من خلال المعاني اللُّغوية لـ (فتى) في المعاجم، وكذا استخدامها بصيغها المختلفة في القرآن الكريم بخصائص تتسم ووقت الأزمات الاقتصادية الخاصة بالقحط والمجاعة، حيث إنها تُعتبر كلمة معجزة لما تحمله من معانٍ مناسبة لسياق الأزمة. ومن هذه المعاني: القوة والفتوة والشجاعة والطاعة والنشاط والانضباط لكونهم في مرحلة الفتوة وهي المرحلة بين المراهقة والرجولة وهي خاصة بتلك الصفات.
وكيف لنا ان نستفيد من هذه القصة التاريخية الموثقة وقفات سريعة مع الدروس المستفادة:
1ـ إن الاستعداد للعواصف يسبق حدوثها، ويكون التوقع والاستشفاف أهم من العلاج، وليس من الحكمة أن يكون استشراف المستقبل بالرؤى والأحلام، خاصة مع توافر الأدوات المساعدة في التوقع.
2ـ إن علاج الأزمات يجب أن يتم الشروع فيه قبل وقوعها، حيث تتوافر الأدوات، وإلا ما الفائدة من الرغبة في بدء العلاج عندما لا توجد الموارد المساندة لذلك، لذلك فإن الاقتصاد والتوفير يجب أن يكون سلوكاً أصيلاً حيث الإسراف هو الاستثناء.
3ـ أهمية تولي القوي (علماً ومعرفة) والأمين (خلقاً وأمانة وإخلاصاً) المسئوليات العامة.
وبهذا نكون قد اوضحنا النموذج الذى ينبغى علينا ان نحتذى به في ادارة اي ازمة وكيفية مواجهتها وتفاديها او التغلب عليها اذا اقتضى الأمر ولنعلم جيدا ان كل ازمة تحتوي بداخلها على اليات الحل التى تساعدنا على تجنبها او التغلب عليها كما اوضحنا اهمية الاستعانة بفريق ادارة الأزمات والذى يعمل بقيادة قائد ادارة الأزمة الذي ينبغي ان يستطيع بحنكته وقيادته التعامل مع اي أزمة مهما كانت والوصول إلى بر الأمان .