إعداد ـ مبارك بن عبدالله العامري
لقد أقرَّ الدينُ ما تتطلبه الفطرة من سرور وفرح، ولباس وزينة، محاطٍ بسياج من الأدب الرفيع يبلغ بالمتعة كمالها ونقاءها، وبالسرور غايته، بعيداً الظلم والعدوان، والغل وإيغار الصدور، إنه يجب علينا أن نبتسم لأقرب الناس إلينا من والدَين وزوجة وأولاد فهم أولى الناس بالابتسامة، يجب أن نبتسم لأقاربنا وجيراننا فكم حُطِّمت على بريق الابتسامة من الحواجز الوهميَّة التي نسجها الشيطان! فبددت تلك الابتسامة جبال المشاكل، التي هي أشبه ما تكون بجبالٍ ثلجيَّةٍ ما أن تُلقَى عليها حرارة الابتسامة، إلا وسارعت بالانصهار والذوبان. جَرِّبْ سحر الابتسامة عندما تتعرَّض لبعض المشاكل مع بعض الأقارب أو الجيران؛ لترى أثر الابتسامة في ذلك نبتسم لرفقاء العمل والدراسة، كل أولئك ينتظرون منك ابتسامة تسعدهم بها، تفرِّج عن مهموم وتداوي مكلوماً، وتنشط عاملا وتفرح محزونا. نعم نعم نبتسم لكل من نلقاه.

سر من أسرار الجاذبية
ولتعلم أخي القارئ .. أن الابتسامة الحقيقية لا يمكن تزييفها فهي كالذهب عبثاً يحاول المخادعون تقليده و لكن بريق الذهب ليس كأي بريق .. إنها سحرٌ خلاّب يستميل القلوب، ويأخذ بالألباب، أصحابها أحسن الناس مِزاجًا، وأهنؤهم عيشًا، وأطيبُهم نفساً .. لا شيء يعادل الابتسامة المشرقة، فهي سر من أسرار الجاذبية وطريق مختصر للتجاذب بين القلوب، فالابتسامة رمز للصحة السليمة، والابتسامة الصادقة النابعة من شغاف القلب تفعل فعل السحر وتجذب كالمغناطيس، وهي التي تزيد الوجه رونقا وبهاء لا الابتسامة المصطنعة التي تخفي وراءها الكيد والمكر، حينما يقلب المسلم سيرة النبي لا ينقضي عجبه من جوانب العظمة والكمال في شخصيته العظيمة ـ صلوات ربي وسلامه عليه.

كسر الحواجز مع بني الإنسان
ومن جوانب تلك العظمة ذلك التوازن والتكامل في أحواله كلها، واستعماله لكل وسائل تأليف القلوب وفي جميع الظروف. ومن أكبر تلك الوسائل التي استعملها (صلى الله عليه وسلم) في دعوته هي تلكم الحركة التي لا تكلف شيئا، ولا تستغرق أكثر من لمحة بصر، تنطلق من الشفتين، لتصل إلى القلوب، عبر بوابة العين، فلا تسل عن أثرها في سلب العقول، وذهاب الأحزان، وتصفية النفوس، وكسر الحواجز مع بني الإنسان! تلكم هي الصدقة التي كانت تجري على شفتيه الطاهرتين، إنها الابتسامة!!.إنها الابتسامة التي لم تكن تفارق محيا رسولنا في جميع أحواله، فلقد كان يتبسم حينما يلاقي أصحابه، وإن وقع من بعضهم خطأ يستحق التأديب، تبسم (صلى الله عليه وسلم) في وجهه، فهذا جرير ـ رضي الله عنه ـ يقول كما في الصحيحين:(ما حَجَبني رسولُ الله منذُ أسملتُ، ولا رآني إلا تَبَسَّم في وجهي.ويأتي إليه الأعرابي بكل جفاء وغلظة، ويجذبه جذبة أثرت في صفحة عنقه، ويقول: يَا مُحَمَّدُ مُرْ لِي مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي عِنْدَكَ! فَالْتَفَتَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ فَتبسم ثُمَّ أَمَرَ لَهُ بِعَطَاءٍولهذا لم يكن عجيبا أن يملك قلوب أصحابه، وزوجاته، ومن لقيه من الناس!. فهو القائل: "إنكم لن تسعوا الناس بأموالكم فليسعهم منكم بسط الوجه وحسن الخلق)، بل سنّ لأمته وشرع لها هذا الخلق الجميل، وجعله من ميادين التنافس في الخير، فقال:(وتبسمك في وجه أخيك صدقة) وإذا كان نبي الله سليمان ـ عليه السلام ـ قد تبسم لنملة صغيرة في وادٍ مترامي الأطراف عندما سمعها تُحذر قومها من جيشه كما قال تعالى:(فَتَبَسَّمَ ضَاحِكًا مِنْ قَوْلِهَا وَقَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ) (النمل ـ 19)، فما أحوجنا إلى تبسم الأخ في وجه أخيه، والجار في وجه جاره في زمن طغت فيه المادة وقلت فيه الألفة وكثرت فيه الصراعات، وما أحوجنا إلى تبسم الرجل في وجه زوجته! والزوجة في وجه زوجها في زمن كثرت فيه المشاكل الاجتماعية فلا ترى إلا عبوس الوجه وتقطيب الجبين وكأنك في حلبة صراع من أجل البقاء! وما أحوجنا إلى تلك الابتسامة من مدير في وجه موظفيه فيكسب قلوبهم ويرفع من عزائهم بعيدًا عن التسلط والكبرياء! ما أحوجنا إلى البسمة وطلاقة الوجه وانشراح الصدر ولين الجانب.

لماذا نبتسم؟
نبتسم لنسعد أنفسنا ومن حولنا .. نبتسم لنتغلب على تيار الضغوط اليومية التي جلبت الكثير من الأمراض كالسكري والضغط والتوتر والقلق والأزمات .. نبتسم لنزيد رصيدنا من الحسنات وقد قال (صلى الله عليه وسلم):(وتبسمك في وجه أخيك صدقة) وقال:(لا تحقرن من المعروف شيئاً ولو أن تلق أخاك بوجه طلق) وكأنما يريد (صلى الله عليه وسلم) أن يدربنا على الابتسامة لتكون سجيةً لنا فكلما ابتسمت أُهديت إليك صدقة فهل تزيد رصيدك من الصدقات؟ .. نبتسم محبة لرسول الله (صلى الله عليه وسلم) وتأسياً به فقد كان (صلى الله عليه وسلم) دائم البشر طلق المحيا، البشاشة تعلو وجهه والابتسامة لا تكاد تفارقه فعن عبد الله بن الحارث بن جزء قال:(ما رأيت أحداً أكثر تبسما من رسول الله صلى الله عليه وسلم) ـ رواه الترمذي.
من فوائد الابتسامة الصحية
تحفظ للإنسان صحته النفسية والعصبية والبدنية، وتساعد على تخفيف ضغط الدم، وتنشط الدورة الدموية، وتزيد من مناعة الجسم ضد الأمراض والضغوطات النفسية والحياتية، ولها آثار ايجابية على وظيفة القلب والبدن والمخ، ويتمتع المبتسم بنبض سليم متزن، وتسرِب الهدوء والطمأنينة إلى داخل النفس، وتزيد الوجه جمالا وبهاء.الابتسامة نوع من العلاج الوقائي لأمراض العصر، وصمام أمان من القلق والكبت.علاج لحالات كثيرة من الصداع، وتقهر الأرق والكآبة .. فهل شعرت يوماً بالراحة والاطمئنان وأنت تدخل على شخص غاضب منك وتراه يبتسم في وجهك؟ وهل شعرت بالسعادة وأنت تبتسم في وجه إخوانك وأصدقائك؟ وهل شعرت بأن الشفاء يسري في جسدك وأنت ترى الطبيب يبتسم في وجهك وهو يشخص لك العلاج؟ وهل علمت بأن الابتسامة لها فعل السحر في العقول؟ وهل شعرت بانجذاب نحو شخص يبتسم في وجهك كلما رآك؟ وإن الابتسامة لابد أن تكون صادقة من صميم القلب لتؤدي دورها في حياة الإنسان.