تحفّز المهرجانات والملتقيات بمختلف أنواعها سواء كانت فنية ثقافية،أو ادبية، ذاكرة وحاضر الشعوب، ويكون لها دور فعال في تلاقح الثقافات والموضوعاتوالأفكار بين مختلف الشعوب من خلال ما توفره المهرجانات من الفائدة والاستمتاع معا، إذ يخطط العديد من الناس وخاصة الرحالة من المثقفين والفنانين بالقيام برحلات حول العالم لزيارة المهرجانات العالمية، لذا تعد هذه المهرجانات فرصة نادرة لاكتشاف خبايا الشعوب وخصائصهم، وتقدم ايضا جولة ممتعة لمعرفة عادات وتقاليد وثقافات الشعوب المختلفة. كما تهيمن المهرجانات والملتقيات والكرنفالات على السلوكيات المجتمعية لجميع الأفراد والمجتمعات في دول العالم أجمعها، وعلى مختلف الشرائح والطبقات بحسب وعيها الفكري والثقافي، ومختلف الفئات العمرية، في الترويح عن المواطنين وسط متاعب الحياة، وعلى الرغم من أن الحداثة صبغت أجزاء كبيرة من هذا العالم وطبعته بسرعة وتيرتها، الا ان التمسك بتلك الانشطة والتقاليد لا يزال بارزا، ومنها ما بات يشكل تراثا شعبيا يميز بين الشعوب بشكل لطيف لا يثير اية ضغينة او عداء بينهم، بل على العكس اصبحت مثل هذه المهرجانات جسور تقرب بين الشعوب، فيما أمست بعض الدول تسعى للحفاظ عليها كونها باتت عامل جذب سياحي مهم، يستقطب المهتمين على نحو لافت. والمسرح بشكله العام ارث مشترك بين المجتمعات كافة تتوارثه الاجيال جيلا بعد جيل، فتطرح على خشبته قضايا يضحك البعض منها ويبكيها البعض الاخر... فهو مراة عاكسة له، وشخوصه هم رموز لافراده، تمثل القيم الجمالية والفكرية والفلسفية والثقافية والأجتماعية في المجتمع الأنساني وتعتمد المسرح الهادف اساس لها، وتقوم فكرة المسرح الهادف على ايجاد المضمون والشكل أو الرؤية، لكي تقدم بأفكار متقدمة من النواحي الجمالية والفلسفية والفكرية والثقافية والأجتماعية وتأكيدها في المسرحية، وكلمة هادف مرتبطة بالجدية والحداثة التي تخاطب مختلف التيارات الفكرية والفلسفية والسياسية والعقائدية.فقد بدأ المسرح كشكل طقسي في المجتمع البدائي، وقام الإنسان الذي انبهر بمحيطه بترجمة الطقس إلى أسطورة، ولتكون الصورة هي مقدمة للفكرة التي ولفت آلية الحراك العفوي، ثم الانتقال بهذا الحراك إلى محاولة التحكم به عبر أداء طقوس دينية أو فنية كالرقص في المناسبات والأعياد، وولادة حركات تمثيلية أداها الإنسان للخروج عن مألوفه.. وأفكار التقطها وطورها فيما بعد الإغريق وأسسوا مسرحهم التراجيدي، ومنذ ذلك الحين والمسرح يشكل عنصرا فنيا أساسيا في المجتمع، ويرصد جوانب مختلفة من الحياة الأنسانية، ومع كل مرحلة نجد أن المسرح يواكب تغيراتها وفق رؤى جدية غير تقليدية، وتبعا للشرط ( الزمكاني ) شهد هذا الفن قدرة كبيرة على التجدد من المسرح التراجيدي الكلاسيكي الى الرومانسي والى كلاسيك حديث إلى الواقعي والطبيعي والرمزي والسريالي واللامعقول ومسرح الغضب والمسرح السياسي، وفي كل مرحلة من مراحل تطور المسرح تحمل بدون شك بعدا جديا وتجريبياً تتمثل إشكاليات تلك المرحلة وتعبر عن ظروفها الثقافية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية، والمسرح الهادف يؤكد قدرته على أستيعاب التجارب السابقة وإعادة صياغتها نحو الحداثة، وتناول عناصر العرض المسرحي - التي وضعها ستانسلافسكي ( التكامل والتوازن بين الكاتب والمخرج والممثل والجمهور) - بطرق جديدة.وبما أن أهم سمة في المسرح الجاد هي المعاصرة نحو التحولات المعرفية والتي هدمت كثيرا من الحواجز وكانت مقدمة لولادة الأفكار المعرفية الكونية، فأثبت المسرح الهادف وجوده ليواكب الحداثة بكل مكوناتها، وأثبت وجوده في العالم كله.ويرفض البعض مصطلح المسرح الكوميدي على اعتبار ان المسارح تتبع مدارسها كالمسرح الكلاسيكي والمسرح الرومانسي والمسرح الواقعي او العبثي او الرمزي ويفضل بدلا عنه مصطلح المسرح الذي يطرح ويناقش قضايا عامة ضمن اطار هزلي كجزء مهم من رسالة المسرح الذي يظل على اختلاف المجتمعات وفي مختلف الحقب الزمنية ملازا ومتنفسا لها وان كان بدرجات متبابنة وفق مساحة الحرية من مجتمع لاخر.فيناقش المسرح الكوميدي العديد من القضايا الجادة والهادفة سواء كانت سياسية او اجتماعية او في اي مجال اخر.فالمسرح الكوميدي ومنذ عصوره القديمة لم ينفصل عن المجتمع بقضاياه المختلفة فكان دوما وسيلة للتعبيرعن قضاياه المجتمعية واداة لتوجيهه سياسيا وثقافيا واجتماعيا ومساحة للتعبيرعن أفكاروايديولوجية المجتمعات.والمسرح الكوميدي في الوطن العربي لعب دورا مهما في هذا الشان وله من الاعمال ما يزال خالدا حتى الان سواء ما تناول منها الشان المحلي لكل بلد عربي على حده او ما تناول منها الشان العربي وقضاياه المستعصية والمشتركة بشكل عام.وفي الفترة الحالية ونحن أحوج ما يكون إلى الكوميديا ورسم الابتسامة لما تحمله القنوات الفضائية والأخبار من هموم ومآس واحتقان سياسي موجود على مستوى العالم، حيث يأتي هذا المهرجان بمبادرة ذكية تقدمها فرقة الرستاق المسرحية وتخرج من هذه الأرض الطيبة - سلطنة عمان - لزرع البسمة وبث السرور إلى قلوب الآخرين.ومنذ ايام اختتمتت فعاليات مهرجان الرستاق العربي الاول للمسرح الكوميدي الذي إحتل مكانه وسط المهرجانات العريقة، ورغم دورته الاولي وانخفاض التكاليف الانتاجية إلا أن هناك إختلافا على مستوى الكم والكيف يمثل نبضات لابد من رصدها لمساعدة القائمين على العمل الفنى ومعرفة وجهة نظر النقاد، وايضاً مساعدة الباحث الجاد والمهتم برصد حركة المسرح الكوميدي. فقد جاءت الدورة الاولى للمهرجان قوية ومعززة بمشاركة خليجية وعربية ملموسة من ناحية، ولآنها تخصصت في اسلوب التناول ذو الطابع النقدي والقادر على تناول مختلف القضايا والمشكلات التي تهم المواطن العربي بأسلوب كوميدي يمكنه من الوصول سريعا الى عقول وقلوب قطاعات واسعة من المشاهدين.فالمهرجان لم يتوجه فى المقام الأول للعاملين والمتخصصين والدارسين للمسرح فقط، بل أكتسب صفة الجماهيرية على مستوى العروض.من هذا المنطلق كان منهج وفلسفة مهرجان الرستاق العربي الاول للمسرح الكوميدي فى محاولة لمواجهة ضعف الأقبال ونتيجة لذلك النهج أحدث المهرجان حالة من الجدل ضمن الندوات النقدية الموازية للعروض، فالتجارب المعروضة كانت بمثابة المرآة الصادقة التى يرى فيها المبدع عمله وتحديد ما تحقق من رؤية وما أخفق فى تحقيقه.وعند طرح معايير اختيار عروض مهرجان الرستاق العربي الاول للمسرح الكوميدي علي طاولة النقد والتحليل، نلحظ انها صارت من العلامات المميزة للأنشطة الثقافية. وما من شك أن أشتراك عروض مسرحية بعينها قد اثرى المهرجان في دورته الاولي، واضفي على خشبة العرض التحاور والنقاش ضمن العديد من التجارب المتنوعة والأراء والإتجاهات المختلفة التى تعمل بدورها على تحريك أفق الخيال وزيادة المخزون الثقافى والمعرفى لدى المتلقى المتخصص وغير المتخصص. فقد ساعدت فلسفة المهرجان التى تقوم على بانوراما عامة لعروض عام كامل مضى على جميع المستويات ذات الطابع الرسمى وغير الرسمى، المحترف والهاو، المحلية والخارجية.وعند تحليل خصوصية المسرح الكوميدي بتجاوزه لكل ما هو مألوف وسائد ومتوارث بل وامكانية تجاوز الخطوط الحمراء البنيوية والشكلية من خلال ( جسد، فضاء، سينوغرافيا، أدوات ).. ومنها: تفكيك النص وإلغاء سلطته، أي إخضاع النص الأدبي للطرح الكوميدي، والتخلص من الفكرة ليقدم نفسه يحمل هم التجديد والتصدي لقضايا معاصرة موحدا النظرة إليها عبر رؤيا متقدمة، أو على الأقل رؤيا يمكننا من خلالها التعمق والنفاذ لبواطن الامور عبر صيغ جمالية وفنية وفلسفية، لكنها في جوهرها تمثل جزءا من مكاشفة يتصدى لها المسرح كفن أزلي باقٍ مادام الإنسان موجودا.مشاركات المهرجان علي المستوي الرسمي.مسرحية "زمانا خرابهي"من تأليف محمد الهنائي وإخراج أحمد العويني، وقدمتها فرقة السلطنة للثقافة والفن، من تمثيل زكريا البلوشي وعبدالله الشبلي وحسن المعمري وناصر الريسي ومحمد البادي وهزاع المسعودي ومحمد الرويشدي ومحمود الهنائي وسعيد الزيدي وأكرم اليعقوبي، وتحكي الواقع الاجتماعي الراهن في مشاكله وإشكالياته وتتنقل بين حقب زمنية كالعصر الجاهلي والإسلامي وعصرنا الحالي، وتتطرق لهموم الوطن والمواطن في قالب كوميدي كارتفاع الأسعار والضرائب وهموم الزواج والتربية والاختراعات العلمية والفلسفة والشعر واللغة العربية، والمستقبل القريب ودوره في طمس عادتنا العريقة واصالتنا الممتدة من والي جذور التاريخ الخالد، ولزاما علينا ان نروض فكرنا وانفسنا لابقاء مجتمعاتنا سليمة معافاة مهما كلفنا الامر والحلم الذي حلمناه جميعا هو واقعنا فبالمسرح تنصلح الامور وتستقيم الانفس المعوجة، وعلي الرغم ان نص المسرحية ضعيف البناء، ولايوجد اثر لصراع أو مضمون، من خلال التنازل عن عناصره التقليدية الا انه حقق المتعة البصرية والسمعية في محاولة طرح يحمل الحيوية والنشاط وحب الظهور،حيث انتهج مخرج المسرحية منهج مسرح ما بعد الدرامي الذي أسسه هانز – تيز ليمان في كتابه " مسرح ما بعد الدرامي "الذي نشره لأول مرة عام 1999 حيث تلخيص عدد من الخصائص والسمات الأسلوبية التي امتاز بها المسرح الطليعي منذ أواخر الستينيات من القرن الفائت - هذا المسرح الذي أطلق عليه ليمان المسرح مابعد الدرامي - لا يركز علي الدراما نفسها، لكنه يركز علي تطور الجماليات الأدائية التي تخلق علاقة خاصة بين النص الدرامي وموقف الأداء المادي وخشبة المسرح، وبالتالي يهدف المسرح مابعد الدرامي إلي خلق المسرح، وبالتالي خلق تأثير لدي المشاهدين أكثر من التزامه بالنص. بل إن هذا المسرح في أكثر أشكاله أو صوره الراديكالية تختفي فيه الحبكة تماما ويركز كلية علي التفاعل بين الممثلين والجمهوروهذا ما شاهدناه في مسرحية زمانا خرابهي فكان التصاعد الدرامي في الحدث فقط، وهذا فقط ما يحسب للنص، الذي دار في فلك محاولة إرضاء الجمهور، وتجاهل معالجة قضية مطروحة لها أبعادها في الصراع وكيفية حلها وكيف تكون نهايتها، ولم تشفع حيوية شباب الممثلين في تقديم عرض يجمع بين الفكر والجماهيرية.مسرحية الطيحةالنص من تصريف الكاتب الدكتور نصر الدين بن غنيسة وإخراج لطفي بن سبيع، وقدمته فرقة مسرح آفاق باتنيه بالجمهورية الجزائرية الاتحادية، المسرحية من تمثيل كل من عبدالقادر محامليه ومسعود بوبير ومحمد الطاهر زاوي وعبدالقادر خنصال وعلي سعدي.جدير بالذكر ان النص مقتبس من مسرحية بوجول الروسي وكتب في أواخر القرن الثامن عشر الميلادي وهي تحتوي على حوالي ٣٢ شخصية قلصت لـ ٥ شخصيات عند عرضها بالمهرجانوتناولت المسرحية قصة مسؤول مدينة ما يتلقى اتصالا هاتفيا من صديق بالعاصمة يخبره عن وصول مفتش متنكر، وتبدأ المسرحية بسرد أحداثها تباعا من بداية خوف المسؤول ومعاونيه وخادمه، وتنفيذ عمليات تحر ومراقبة لمعرفة شخصية المفتش، فيضطرب المسول ويستدعي مساعديه لتدبير طريقة اكتشاف المفتش، فيقوم الخادم بمهمة التعرف علي المفتش وبعد عمليات التحري والمراقبة يحضر شخص ويقدمه علي انه المفتش غير ان هذا الشخص يؤكد عكس ذلك، وتدور الاحداث حول مدي مصداقية الادعاء، ومدي نجاح المسولون في اقناعه بحسن تسييرهم.اما الإخراج فقد تناول الشكل الكاريكاتوري ونقل الكاريكاتير من الفن التشكيلي ليصبح فوق الخشبة، فعلي مستوي سينوغرافيا العرض، كان التضاد وتضخيم الخطوط والشخصيات والألوان والألبسة والصوت لابراز دور الإنسان وما يجب أن يكون المسؤول عليه في مكانه المناسب ومحل ثقة، كذلك كان استخدام السينوغرافيا والديكورا مناسبا كالكرسي الكبير باعتبار المركزية والكراسي الصغيرة للمسؤولين الصغار في المدن الذين يظهرون أقزاما عند المسؤولين الكبار وعمالقة عند من يرأسونهم في المدن.ويتأتى دور التعبير الجسدي في توصيل الحالة الفنية وكأن الحركة هي اللغة التي يضاف إليها الإشارات والأيحاءات والعلامات والأدوات المتاحة لمحاكاة المتفرج، فقد كانت اطروحات العرض أكثر منطقية عبر توظيف عناصر العرض وفق توليفة متكاملة للغة والحركة والإشارة والعلامة، كما استفاد العرض من التراث الشعبي، كما حاول العرض تناول القسرية في إقصاء الخاص لصالح العام ومدي تحقيق ذلك، الا ان لغة المسرح الكوميدي لازالت هي العائق الاكبر أمام انتشاره العالمي، لذا يبقى المسرح الجاد تجريب لضرورة من ضرورات الحياة بمجملها، وطرح أسئلة كثيرة وهذه إحدى مهامه الأساسية، كما يعكس إلى حد كبير الهواجس التي تعتري باطن الإنسان قبل ظاهره، ورغم الأسئلة المطروحة وجديتها، تعالج المسرحية أفكارا وفلسفة النص، وبالتالي خلق فضاء أوسع للأداء عبر صيغ جمالية مؤثرة ذات دلالة معبرة.. كما تم توظيف الإضاءة والحركة والموسيقى والرقص على حساب جدلية النص، الامر الذي ينسب للمخرج وهو محور العرض، والممثل وهو أداة في تشكيل العرض الحركي.مسرحية درويشتأليف وإعداد جماعي وإخراج عبدالله البوسعيدي، قدمتها فرقة مسرح مزون، تمثيل مشعل العويسي وعبدالله السابقي ونجم الجرادي وعبدالله البوسعيدي وعيسى الصبحي وسعيد الشكيلي.وتدور الاحداث حول شاب مسكين تكالبت علية ظروف الحياة، يقع في قبضة عسكر الملك متهما بالسرقة ظلما.وقد برع المخرج في استغلال فضاء المسرح وتوزيع الحدث على أنحاء الخشبة، اضافة الي الدلاله الواقعية والرمزية ضمن الرؤية الإخراجية في تقديم شيئًا ما عن واقع الظلم، مع تبيان الفارق الشديد في الحياة الطبقية عن باقي أفراد الشعب الذين لمسنا واقعهم المرير.والممثل ضمن منهج مخرج العرض، يشكل عنصرا وظيفيا ضمن النسيج الكلي ضمن الكتلة، لتحقيق امتلاء العرض بحثا عن الكرنفالية الاحتفالية التي ترتكز على مبدإ الجماعية، واستغلال الصيغ التعبيرية السمعية، والبصرية، والحركية، وما توفره من دلالات الإيحاء، وقدرات الإبهار والإمتاع، والممثل وتعبيره الجسدي، وملامحه، وأدائه الصوتي والحركي.فمن الملاحظ أن المخرج بشكل عام يعمد إلى ملء الفضاء المسرحي بالأحجام العملاقة، فيركز على المجسم أكثر من تركيزه على المجرد، مع الاستعانة بمبدإ التشكيل قدر الإمكان تجنبا للواقعية المباشرة من جهة، وحرصا على تأكيد تقنية الامتلاء من جهة أخرى، لأن في امتلاء الركح امتلاء للحقل البصري، ومن ثم امتلاء في الفرجة المسرحية ذاتها.فاستمدت السينوغرافيا من الأشجار التي تنبت في البيئة المحلية، وخاصة ما رأيناه على أرضية المسرح التي تراقص عليها الممثلون والفرقة حفاة غير منتعلين، وهنا إشارة إلى الوضع المتدني للعبيد والملتصقين بجلدة الأرض كدلالة على الوضاعة والفقر والرفض.ويرجع السبب في ذلك الي ان المخرج المسرحى فى الثمانينات والتسعينيات نقل عددا هائلا من الأشكال المسرحية الأوروبية والتيارات التجريبية التى تأثر بها، غير أنه استخدمها كلها دفعة واحدة تقريبا رغم انتمائها إلى مجتمعات وفترات حضارية مختلفة، الأمر الذى أحدث نوعا من الخلط فى مسرحنا الخليجي، حيث تأكدت حالة الانفصام فى العلاقة بين الشكل والمضمون نتيجة التردد بين الاتجاهات الفنية المختلفة، وهو ما لا ينفى أنهم بطاقاتهم المتفجرة كانوا يحملون رغبة جادة فى تطوير مسرح الخليج وإذا كان لنا أن نسجل لهذا الجيل خطوات التجديد – بشكل عام – فى الحركة المسرحية الخليجية، فإننا يجب أن نسجل لهم أنهم بدأوا عصر التفسير الفكرى للنص، وهى خطوة لا نلمسها فى أعمال الجيل السابق.مسرحية في بيتنا حريجهتاليف يعقوب يوسف واخراج عبد الله ملك، ومن تمثيل عبد الله سوميد وحسن محمد وسامي رشدان وسارة البلوشي وخليل المطوع، تحكي قصة اثنين يختلفان علي ملكية البيت وكل منهما يدعي ان البيت بيته فيلجان للمراة العجوز بالحي كشاهد عيان ولكنهما يعجزان عن الوصول للحل فيطران اللجوء للمهندس الذي وضع تصاميم البيت والذي يقترح عليهما بدوره تقسيم البيت ليعيش كل منهما في النصف المخصص له. وهي مسرحية شعبية كوميدية تدور حول الرغبة الدفينة لدي الاجنبي في هدم حالة الاخاء والوئام بين الأحبه وبين الأهل وقد حاولت المسرحية تتابعا بشي أكبر لتصبح من الممكن أن يكون الأجنبي يحاول أن يفرق، ليس فقط بين الأخ وأخوه أو البيت والثاني أو القرية والقرية الآخرى حيث آنه قد يوصل الكراهية بين بلد لآخر، وقد ينجح بزرع الخوف فينا ويشككنا في بعضنا البعض ويزرع بداخلنا الشك وأن لا نؤمن لما يقوله الآخر،وفي نهاية العرض بقي المتنازعون على البيت كل واحد منهم في قلق وتوتر، كل منهم لا يؤمن في مصداقية الثاني وأن جاره قد يغزوه في أي لحظة.وعلي مستوي الرؤية الاخراجية استطاع المخرج رسم المواقف الكوميدية التي تضمنها العرض بحرفية عالية وأن يرسمها للممثلين من حيث الاشتغال والانفعال من خلال النماذج الشخصية الموزعة على حسب شخصية كل ممثل وتقمصه لذلك الدور، كذلك برع المخرج في استغلال جغرافية المسرح بشكل جميل ومتناسق، فانطلقت سينوغرافيا العرض من حدودية المكان لطائفتين كريمتين من خلال اللهجة وتنازع الشخصيات المسرحية توضح دلالة المكان، كما ان هناك دقة في تطبيق المعادل الموضوعي للعرض، حيث رسم المهندس صورة الطائرة المروحية لتقسيم البيت الذي ينطلق وينطبق علي ألامة العربية بشكل عام وعدد كبير من الدول مما يخطط لهم بصورة رمزية جميلة بثمة كوميدية رسمت بدقة على خطوط المسرح.مسرحية النوخذةمن تأليف عبدالله الحضري وإخراج خالد الشنفري ومن تمثيل عبدالله مرعي وهشام صالح ومازن الحميري ووليد شعبان ومرشد الرواحي.تحكي قصة المسرحية عن ربان السفينة صاحب القرار المسؤول عن حياة كل من يقودهم والمسرحية تقول إن بداخل كل شخص نوخذة، الابن، المراة، ورب الأسرة، فما علينا سوى إخراج هذا النوخذة من داخلنا، وعلي الرغم من جدية الفكرة، الا ان أحداثها تدور في قالب اجتماعي كوميدي.تعتبر المسرحية معادل موضوعى للتعبير عن التحولات الاجتماعية والاقتصادية التى حدثت بفعل القوى الكبرى فى العالم، وذلك ضمن اطار مركب يسيطر على مقدراتها النواخذه الذى يتصف بالديكتاتورية والرغبة فى التحكم بمصائر البشر، فهى شخصية تريد أن تسيطر على أهالى القرية بالقوة والجاه وتزرع الخوف فى نفوسهم، ولقد أفصحت تلك الشخصية عن واقعنا، فالنواخذة يمارس القهر والتعنت.يعكس نص النوخذه جواً معاصراً مخالفا للبيئة البحرية، فقد نقلها من حدودها التاريخية فنحن نكتشف فى النص المسرحى أن هناك قطبين مختلفين: احدهما يمثل قيم الخير المطلق والعطاء والسعي لخدمة الناس، والنواخذه بما يمثله من قيم الشر المطلق والانانية وحب السلطة والذى يسخر الناس لخدمتة.أبرزالعرض شخصية النوخذه على انها نتاج فترة زمنية محدده أى أنها عكست واقعا تاريخيا معينا، فلقد تم معالجة الموضوع على خلفية الظروف الاجتماعية والاقتصادية التى كانت وقتذاك.فالعوامل الاقتصادية هى التى جعلت من المعاملات الاجتماعية مجرد سوق مقياس الحكمة فيها المكسب والخسارة هى التى تشكل مصائر البشر وهى التى حددت الاوضاع الاجتماعية لهم بين مجموعة من اتباع النوخذة مع سلطة المدينة وهم يملكون فى ايديهم سلطة احتكار العامل الاقتصادي الذى يفرضون به الجوع على الجميع.أن النص اعتمد على جوانب تراثية، ولكنها ترتبط بطبيعة الموضوع الذى يطرحه من خلال المسرحية، وهو ما يتعلق بشخصية الاب الصياد تلك الشخصية التى تحمل ابعاد وملامح ثورية مما يجعل منها شخصية ذات ابعاد درامية.فمسرحية النوخذة هى طرح لمهمة المثقف ودوره ازاء مجتمعه ومواقفه تجاهه وكانت قضية الحرية، هى أحد الدوافع لتناول قضية السيطرة والخضوع وأحد البواعث الاساسية وراء توجه العرض لضرورة التغيير.من هذا المنطق جاء الطرح يعلن نفسه صراحة دون مواربه وهى أحدى خصوصيات الملحمية التى تمسك بها خالد الشنفري فى رؤيتة.. ترى هل الجوع يصنع الثورة أم الاحساس بها هو الذى يصنعها ويشكلها، جميع هذه التداخلات وجميع هذه الاستفسارات كانت تشكل بؤر الطروحات الفكرية فى مفهوم المخرج.يبدا العرض بداية قوية تهيا المشاهد لعرض تجريبى الطابع من خلال تآزر الحركة والفعل والاداء الاستعراضى.. ففى المشهد الافتتاحى للمسرحية قام المخرج بتقسيم الخشبة إلى قسمين،اراد به المخرج ابراز الفوارق الطبقية وصراع المجتمع، ويميل المخرج نحو الاسلوب الواقعى، لكن واقعيته ليست بالواقعية الحرفية التى تميل الى تصوير المكان ومكوناته بل يميل إلى تبسيط الخطوط.لقد اكتفى المخرج بالاقل القليل فى توظيفه للديكور ولم يضع فى اعتباره توظيـف الاشكال والطراز والتى تتفق وطبيعة النص.وفى محاولة لاستخدام الموروث العربى وتوظيفه فى العرض المسرحى، قام المخرج باستخدام بعض الموتيفات والاشكال الهندسية العربية والاسلامية، وبعض الزخارف بغية التأكيد على الوحدة بين الحدث المسرحى وجغرافية هذا الحدث أى بين المضمون المسرحى العربى وهذا الشكل المسرحى أو المحتوى العام الذى يحتوى هذه المضامين.لقد كانت العناصر التراثية فى المنظر المسرحى تلخيصا للافعال المعنية بالجوانب التراثية فقد تضمن المنظر الكثير من العلامات والدلالات المسرحية.لم يسع المخرج لمحاولة الايهام بواقعية المنظر المسرحى الحرفية.. كما هو متبع فى العروض المسرحية الواقعية التاريخية.. وكذلك لم يحاول كسر الايهام المسرحى مثلما هو فى المسرح الملحمى الذى يقوم بتلخيص وتكثيف المنظر المسرحى الى أقل المستلزمات الضرورية لكنه فى نفس الوقت اراد الجمع بين المنهجين بالقدر الذي يضع مسافة مكانية بين خشبة المسرح وصالة العرض متفقا ومضمون النص المسرحى الذى نهج المؤلف فى كتابته وانطلاقا من ذلك قام المخرج بالغاء الحاجز الرابع تمشيا مع روح النص.. لقد اراد المخرج بهذا الا يندمج المتفرج فيما هو مطروح أمامه.. وأن يدرك منذ البداية أنه أمام لعبة مسرحية لابد أن يتخذ موقفا إما عليها أو معها.ويصبح المخرج هو صانع الرؤية ومكملها.. الا أنه احيانا قد يصطدم بتقليدية المكان فلكل شعب وبلد مقومات أصيله نابعة من تراثه يتعامل بها من خلال الحيز الذى تعارف عليه منذ القدم وتوارثه عن اجداده.. فان الامكنة المعمارية للمسرح تدخل ضمن إشكاليات كثيرة، أن معظم دور العرض فى المنطقة العربية تقوم على المعمار التقليدى " العلبة الايطالية " وهو معمار غير متجدد يحد كثيرا من التماس مع مسرحة الموروث...لذا تبدو هنا قدرة مصمم الديكور للحد من تاثير تلك العقبة. لقد جاء المنظر المسرحى هنا ليكون لغة تشكيلية تتفاعل مع مفردات العرض المسرحي لتقديم مضامين فكرية معينة.وكان الديكور كله بلون " بيج " هادى مع لمسة رمادية كتلك المركب الرئيسية التى تدور احيانا لنرى فى الخلفية بانوراما البحر.فقد كان عنصر الديكور متسقا مع الروح الكلاسيكية التى يعبر عنها النص والعرض فى نفس الوقت الذى حقق فيه نوعا من الحفاظ على الحد الادنى من الأصالة التاريخية والحد الاقصى من المعاصرة، وقد تأكد ذلك من خلال استخدامه للألوان الرمزية المباشرة وخاصة فى الوان وطرز الملابس التى كانت معاصرة جداً فى نفس الوقت الذى حافظت على قدر من الدلاله التاريخية على العصر.كما قدم المخرج فى اخراجه لمسرحية النوخذة التوليفة التى صب فيها المؤلف وجمع بين فنون التمثيل التلقائية والتقليدية كالجوقة الشعبية وهى فنون تمثيلية تراثية قدمها وأكدها فى انسجام ولكنه انسجام ناقص.. بدأ ذلك فى اصراره على أن يخرج المشاهد الدرامية عن اطارها التقليدى المكتوبة به واصراره على أن يخرج الممثل أدائه التقليدى الذى يتوهم فيه وجود حائط رابع بينه وبين المتفرج وكسر هذا الحائط ومحاولة الممثل أن يشرك المتفرج معه فى القضية التى يناقشها. وإن كان مقبولا فى مشاهد خيال الظل والجوقة الشعبية التى تروى الاحداث وتعتمد على السرد، فإنه غير مقبول فى المشاهد الدرامية التى كتبت بتقليدية ليندمج فيها الممثل، ومع ذلك كان المخرج يصر على كسر الحائط الرابع وهو ماشتت الممثل بين أكثر من مدرسة اخراجية وعاق توصيل أفكار المؤلف إلى المتفرج فى سهولة ويسر. لذا يعد الاسلوب الرمزى والتعبيرى خير وسيلة لتجسيد هذه الافكار، حيث أن الرمزية تحمل دلالتين هما: المعنى السطحى، والمعنى المخزون باللاوعى، ولا يسمح باطلاق هذا المخزون إلا عندما يغيب العقل الواعى وبالتالى يحقق المخرج فى تفسيره اقترابا واقعيا من الموروث الشعبى، حيث كان النوخذه يعيش فى دائرة الصراع بين طموحاته وبين الواقع الذى يفرضه على الصيادين. فقد فجر المخرج فى رؤيته الاخراجية عدة قضايا معاصرة داخل العرض ربما لا تتضح فى النص الذى يعج بالقيم الانسانية والقضايا الفلسفية اذ يعكس العرض مجموعة من التساولات تجعلك فى حالة من التفكير والتساولات بعد انتهاء العرضس1 – هل يجابة العنف بالعنف ؟ س2- هل احيانا يصبح هناك دور خير للشر ؟ كما لجاء المخرج الى اسلوب تهميش الممثلين بعد نهاية كل موقف درامى دون اللجوء إلى الستارة أو الاختفاء عبر كواليس المسرح، مما جعل المشاهد يستمتع بمشاهدة العرض دون وجود الوقفات التى يمكن أن تفصله عن متابعه الحدث العام.. ولكنه اخفق فى حشد عدد كبير من الممثلين افقده السيطره على ادارة المجاميع وأحدث نوعاً من الفوضى على خشبة المسرح ولم يتحقق الهدف من وراء ذلك وهو تصعيد الحالة النفسية لشخوص المسرحية.مسرحية شريشة الهناتأليف الكاتب بدر الحمداني وإخراج ماهر الحراصي، وتمثيل عمار الجابري وشاهر الحراصي وقحطان الحسني ومحمد الشماخي. قدمتها فرقة مسرح أوال بمملكة البحرين.وهي مسرحية كوميدية باللهجة الدارجة تدور أحداثها حول رحلة بحث سعيد الفرحان شخص منحوس جدا يؤمن بالمعتقدات القديمة في يوم وفاة امه وصته أن يبحث عن أسراره المدفون تحت شجرة الشريشة وان الحظ راح يقوم معاه لما يحصل سراره المدفون تحت الشريشة، فالعرض يوحي بتعلق بمكان معين ممثل العرض في عبارة عمانية (مدفون سرك بهذا المكان) خرجت لنا هذه المسرحية والشجرة هي الأرض ومكان ولادة كل شخص، تتلوها ولادة الأحلام والطموحات وتحقيق المستحيل تجعل من كل شخص يجري وراء تلك الأحلام ليقتطفها ويحولها إلى واقع جميل ملموس ولكن احياناً تتفاجأ بأن تلك الأحلام ترسم لنا من قبل الأشخاص الأشداء ويرسمون لنا حياتنا. والاحداث الكوميدية الى تحدث لسعيد الفرحان في رحلة البحث جاءت من خلال بناء مواقف متقنة مضحكة برع المخرج في تجسيدها عبر نص مسرحي يتصف بالطابع الرمزي كاشفنا فيه بؤسنا وانهزاميتنا.فقد كانت الشخصية الرئيسية - سعيد بن فرحان - بمسرحية شريشة الهنا، هي الصورة لهذه الأحداث المترادفة بعد ما سكن بائساً في منتصف المسرح ليوضح لنا المخرج في خلاصة العرض بأن هذا الإنسان ترسم له تفاصيل حياته بكل لحظاتها وأحداثها.وقد اتسم العرض من حيث المدرسة التي خاضها بالجمع بين التمثيل الصامت وهو أسلوب شارلي شابلن ومستربين، ومن حيث ما يتطلب من المخرج في مثل هذا العمل بعض التفاصل الإخراجية حتى تصل الرسالة إلى الجمهور.المسرحية بما فيها من بساطة لكنها ذات مغزى ومعنى عميق، حيث تمثل الشجرة بيت ووطن وأحلام ذلك الإنسان واستقراره، أما الرجلان الصامتان اللذان عبرا بالحركات وتميزا بالعضلات المفتولة، هما انعكاس لصورة الهيمنة وفرض الأوامر دون الأخذ بوجهات نظر أخرى.فالمسرحية تطرح تساولا: لو أحلامنا تحققت هل تدوم؟ واقنعتنا أننا وأحلامنا وإرادتنا التي نأمل أن تدر علينا خيرا هي منهم.ورغم أن المسرحية بها الرمزية إلا أنها تحتاج لكسر الرتابة لطرد السرد الممل، كما أن وجود الرواي يتناقض مع رمزية الحدث المسرحي، فكان يجب ان يستعيض المخرج عنه بصوت الممثل سعيد الفرحان كأنما هذا الصوت يمثل ضميره الداخلي وهواجسه، ويستعرض أحلامه ورغباته أو يعبر عن يأسه مما يضفي بعدا اضافيا علي أدائه المونودرامي يجعلنا نتعايش معه كمشخص لشخصيته الادائية.وقد اجاد المخرج تكرار مشهد سعيد فرحان الذي جلس في منتصف الخشبة ذليلا بخنوع ويأس لشخصية أخرى تستجيب لكل ما يطلبون، ولكن كان من الاجدي في طرحه عدم تشابه الشخصيتين في اللباس المحلي مما يعطنا دلالة أن هذا حدث في بلد واحد.. و كأن ألم أمتنا المستشري انحصر في شعب عربي واحد ولذا لم يذلل في المشهد الأخير الامتداد لشعوب أمتنا، فاقتصرت الرؤية علي محلية وخصوصية الاثر ولم يحلق به في افاق العمومية.مسرحية غرام في الانستجراممن تأليف هشام الحراصي وإخراج غريب الهطالي، وتمثيل ابراهيم القاسمي، هشام الحراصي، جواهر البلوشي، حبيبة السلطي، سعيد الحبسي، لينا خالد عبد الرحمن، خلود السويدي.وتدور احداث المسرحية - ضمن اطار كوميدي - حول برامج التواصل الاجتماعي وعن غرام أفراد المجتمع بهذه البرامج، حيث إننا نلاحظ الكثير من الناس يستخدم هذه البرامج حسب رغباته، فهناك من يستخدمها لترويج بضاعة وهناك من يستخدمها في ترويج إشاعة وهناك من يستخدمها في الحب والغرام، وقد اختار المؤلف أن تطرح هذه الأحداث في بيئة عائلية يكون كل فرد من أفراد المجتمع له عالمه الخاص في موقع التواصل الاجتماعي، ويطرح النص العديد من القضايا التي يعاني منها المجتمع وكيفية التعامل معها ومع سلبياتها وإيجابياتها، كاستغلال مواقع التواصل الاجتماعي للتعارف والحب والفراغ.مسرحية الزبالتضمن حفل الختام عرضا موازيا قدمته فرقة جعلان المسرحية بعرض "الزبال" كفعالية مصاحبة للمهرجان خارج المسابقة الرسمية، من تأليف الكاتب عبدالعزيز بن صالح الدرعي، وإخراج علي بن صالح العلوي، وتمثيل محمد المشايخي، وطاهر المطاعني، وسعيد المطاعني.وطرحت المسرحية رسالة اجتماعية، عن النظرة الدونية التي تلاحق العامل في وظيفة الزبال، وبث رسالة للمجتمع من خلال إعطاء القيمة للإنسان، والتركيز على الجوانب الإنسانية لأي عامل في مهنته، وأوضح العرض الجانب الأخلاقي من خلال تقديم العمل الذي يقوم الزبال به، وهو يكون في كل عائلة فرد منها وأن وظيفة الزبال كانت في فترة من الزمن قد مرت بالكثير من التعقيدات، وهذا ليس مقتصر على النطاق الجغرافي المحلي فحسب وإنما أيضا أصبحت ظاهرة عالمية، فالجميع ينظر إليها بنوع من الاستخفاف والاحتقار إن صح القول، فصاحبها منتقص وغير مقدّر ولا قيمة له، لكن في الوقت ذاته هذا الإنسان هو عامل أساسي وبانٍ متقدم من أسس التقدم في أي مكان أو زمان.وعلي الرغم من تعدد وتباين المدارس الفنية التي تنتمي اليها العروض المشاركة بمهرجان الرستاق الاول للكوميديا، الا ان جميع العروض قد اتفقت - دون ان تتفق - علي تقديممسرح ظاهره الفرجة وباطنه التحريض، فقد اتسمت جميع العروض بطابع الكوميديا السوداء...وهو نوع من الكوميديا والهجاء يمتاز بأنه يدور حول مواضيع تعتبر عموماً تابوهات أو أمور "محرم الخوض فيها"، بحيث يتم التعامل مع تلك المواضيع بشكل فكاهي أو ساخر مع الاحتفاظ بجانب الجدية في الموضوع.وتمثل تجسيد لمرارة الشعوب وتكون النكتة السياسية ابسط مثال علي هذه الكوميديا, وربما تعد الشعوب العربية من اكثر الشعوب التي جعلت مشاكلها وما تعانيه مادة للسخرية, فالعربي يضحك عما يقاسيه بدلا من ان يبكي...وتحمل الكوميديا السوداء الي جانب التهكم و السخرية المريرة، أيضا القدرية.على سبيل المثال فى مسرحية "فى انتظار جودو" لصمويل بيكيت، يخلع رجل حزامه ليلفه حول عنقه ليشنق نفسه فيسقط سرواله أرضا، فتصدر الضحكات المريرة.فكانت التنظيرات الاولي للكوميديا السوداء- وفقا لكاتب السيناريو جون تروبى- عندما يتم استعمال الكوميديا السوداء كأساس لفكرة و مسار القصة، فإنها تدور حول مجتمع يعانى من حالة غير صحية ( يعانى من علل و أمراض ) وتريد الشخصية الرئيسية المحورية شيئا ما لسبب أو لآخر ليس فى صالحه ولا فائدة لنفسه ولا المجتمع. يكون المشاهدون قادرين على رؤية وإدراك ذلك بأنفسهم، وعادة ما تكون هناك شخصية مساعدة وداعمة فى القصة ترى وتدرك جنونية الموقف. ومن النادر للشخصية الرئيسية - إن لم يكن أبدا- أن تتعلم درسا أو يقع لها أى تغيير ملموس من خلال العذابات والابتلاءات التى تعانى منها، ولكن أحيانا يُـعرَض عليهم طريق ومسار عقلانى للفعل.اما علي مستوي العالم العربي اصبحت الكوميديا السوداء من النظريات المسرحية التي عرفها المسرح العربي منذ السبعينيات من القرن العشرين الميلادي، والتي كانت أداة لتأسيس الخطاب المسرحي، ووسيلة ناجحة لتفعيله حركيا، وآلية فنية وجمالية قادرة على تأصيله ذهنيا وعمليا وتقنيا، وعند استعراض نظرية الكوميديا السوداء، والتي يمكن اعتبارها في نفس الوقت نظرية مسرحية وأداة درامية في الكتابة والإخراج.يجمع هذا النوع من المسرح بين الطابعين: التراجيدي والكوميدي، ويهدف إلى تعرية المجتمع القائم، ورصد نمط الوعي لدى الجمهور الحاضر إن كان وعيا كائنا أو وعيا مغلوطا زائفا أو وعيا ممكنا يستشرف المستقبل. ويسعى هذا المسرح جادا عبر آلياته الفنية والجمالية إلى نقد الواقع المرصود والمشخص والمعروض، وذلك عن طريق السخرية والهزل والهجاء، وإثارة الضحك كالبكاء.لذا تعتمد الكوميديا السوداء أو ما يسمى بالكوميك الصادم على انتقاد الواقع بكل مستوياته السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وتعريته فكاهيا وكاريكاتوريا، ومسخه جروتيسكيا، وتشويهه فنيا وجماليا، وكشف نواقصه الظاهرة، وتشخيص عيوبه المضمرة، وذلك باستعمال السخرية والهزل والكوميديا لرصد الواقع القائم، واستشراف لحظات المستقبل الممكنة، ومن ابرز الامثلة مسرحية في بيتنا حريجة.كما تتوسل الكوميديا السوداء بالملحمية البريختية، واستخدام المسرح التسجيلي والتوثيقي والسياسي، وتوظيف النقد الجدلي، والتسلح بالأسلوب الساخر المفارق، والارتباط بالواقع فهما وتفسيرا، والاستعانة بكل المقومات المسرحية سواء أكانت كتلا بشرية أم أشكالا سينوغرافية، وذلك باعتبارها علامات سيميائية وأيقونية ومثال ذلك مسرحية غرام في انستجرام.وترتكز هذه الكوميديا السوداء على الواقعية الانتقادية، والمادية الجدلية، والسخرية الباختينية، والتهجين اللغوي والتعبيري والخطابي والأجناسي، واستعمال التعريض والكناية والتلويح والأسلبة، واللجوء إلى الفكاهة الكاريكاتورية، وفن الهجاء وكتابة التعيير، والاعتماد على المفارقات والمتناقضات، والتأرجح بين المختلف والمتشابه، والمزاوجة بين المتعة والفائدة، والجمع بين الجد والهزل، والميل إلى التجريب والتجاوز والمغايرة والاختلاف وخرق المألوف، والابتعاد عن الأشكال السائدة.ومن هنا فالكوميديا السوداء هي واقعية جدلية نقدية تجمع بين الجد والهزل، وذلك من أجل تغيير الواقع، وتحرير الإنسان على مستوى الوعي والذهن والشعور.قائمة على كوميديا الحوار، وكوميديا الشخصية، وكوميديا الموقف، وكوميديا الرؤيا. وغالبا ما تنطلق هذه الكوميديا الصادمة من المثل الشعبي: " هم يضحك".واجمالا فقد تحقق للمهرجان ما اراد القائمين عليه تحقيقه، الا اننا في الختام نطرحتوصيات من شانها ان تسهم في تحقيق درجة كبيرة من اكتمال الهدف والرؤية، ومنها:1- وضع وتحديد الية اختيار العروض المشاركة من خلال لجنة مشاهدة تطبق مهايير وشروط الاشتراك بالمهرجان.2- استبعاد الفرق التي لم تلتزم بما قدمته للاشتراك بالمهرجان اثناء المسابقة الرسمية.3- استحداث جائزة لاحسن اعداد او دراماتورج ان وجد بالمهرجان، تشجيعا لهم.4- استحداث جائزة تمنح لأفضل ممثل صاعد أو ممثله صاعده5- تحديد المدة الزمنية للعروض المشاركة، علي الا تزيد عن 75 دقيقة، تفاديا للتفاوت الكبير بين زمن المسرحيات.6- الالتزام بطابع وسمة المهرجان وتخصصه في الكوميديا، علي مستوي النص والتمثيل والاخراج، حتي لايفقد المهرجان هويته.7- تحديد خصوصية المهرجان والالتزام بها وعدم فتح باب التجريب، نظرا لوجود مهرجان قائم بذاته علي التجريب، مهرجان القاهرة للمسرح التجريبي.8- تخصيص نسبة مشاركة للشباب والوجوه الجديدة مع ضرورة دعمها بعناصر الخبرة.9- استحداث ندوات نقدية ذات محاور عامة اثناء المهرجان مما يحقق تلاق بين اعضاء الوفود للتبادل الفكري ونقل الخبرات، تكون بمثابة جلسات عصف ذهني بين الفنانيين العرب، اضافة الي ندوات نقدية عن كل عرض مشارك ضمن المسابقة الرسمية تكون عقب العرض ويشارك فيها جميع لمشاركين في العرض لطرح الرؤية الفنية والاجابة علي تساؤلات الجمهور والنقاد.10- استحداث نشاط الورش النوعية المصاحبة لفعليات المهرجان علي مستوي التاليف والتمثيل والاخراج الكوميدي.11- تحديد لوائح وضوابط من شانها التفرقة بين الكوميديا الهادفة والاسفاف وخدش الحياء لتحقيق الاضحاك.