يزخر تاريخ الولايات المتحدة الاميركية بالعديد من الحروب، التي صاحبها خسائر كبيرة على جميع المستويات سواء الاقتصادي منها او العسكري أوحتى البشري.من تلك الحروب ماأسماها الرئيس الاميركي الثالث والاربعون جورج دبليو بوش بـ"الحرب على الارهاب"، وذلك عقب هجمات الـ 11 من سبتمبر، التي استهدفت مركز التجارة العالمي والبنتاجون، وراح ضحيتها بحسب الاحصائيات الاميركية حوالي 3000 ضحية.جميعنا يعلم جيدا أن الحرب على الارهاب لم تكن حقيقية بل جاءت تنفيذا لأجندة السياسة الخارجية الاميركية التي ارتكزت منذ نشاتها على حماية المصالح الحيوية للولايات المتحدة.حرب واحدة ضد الارهاب لن تكفي للسيطرة كنوز أفغانستان وذهب العراق الاسود، حيث بدأت أميركا بإرسال قواتها الى الاولى عام 2001، تحت غطاء القضاء على طالبان والزعيم القاعدي أسامة بن لادن، ثم تلاها في العام 2003، الهجوم على العراق بإدعاء البحث عن أسلحة دمار شامل.في تلك الحروب تبرز فئة من البشر، باعت ضميرها بهدف تحقيق مكاسب خاصة، في الاغلب تكون مادية، واحيانا تكون لأجل خدمة قضية ما كـ"الصهيونية"، فاليهود يسعون وراء اشعال الفتن والثورات الحروب، تنفيذا لتعاليمهم التلمودية التي تحثهم على القضاء على غير اليهود وامتلاك العالم وحدهم.إذا ربطنا هذه الافكار بعضها ببعض يمكننا أن نستخلص الفكرة الاساسية لعمل اليوم وهي أن الحرب ماهي الا "بنية إقتصادية ضخمة" تدار بواسطة دول ومنظمات وتجار، كما عرفها الشريط في مشهده الافتتاحي .يقول الصحفي دونالد لامبرو الكاتب في صحيفة واشنطن تايمز حين تحدث عن حرب بلاده ضد أفغانستان :" الهدف الحقيقي وراء تلك الحرب المصلحة وليست القضاء على الإرهاب، أنها حرب ثروة لا حرب كرامة.كلاب الحرب (War Dogs) : فيلم كوميديا سوداء أميركي، مستندا إلى وقائع حقيقية كتبها الصحافي جي لاوسون في مقالة بعنوان "أسلحة ورجال" ونشرت في مجلة رولنج ستون عام 2005. من إخراج صاحب السلسلة الكوميدية " hangover" او تأثير الكحول، تود فيليبس الذي وضع السيناريو أيضا بالتعاون مع الكاتبين جيسون سميلوفيتش وستيفن شين.وبإحترافية تحسب له، يتمكن فيليبس وهو صانع افلام كوميدية مرحة، من أن يطور في اسلوبه لكي يتماشى مع حبكة عمله الجديد، فنحن نعلم جيدا أن أفلام الكوميديا السوداء لا ينجح في صنعها إلا القلة القليلة التي تمتلك رؤية استثنائية، فهي من من أصعب الاعمال التي يتم تقديمها عبر الشاشات الذهبية.يقوم فيليبس بقطع الشريط الى أجزاء، كل جزء معنون بعبارة تمهيدية لما سيتم عرضه من مشاهد، مضيفا توابله المرحه الخاصة على كل جزء، ليس هذا فقط بل يحافظ على الخط العام للسيناريو وتماسكه، حول تجارة الحرب السوداء، ومايدور بكواليسها، وعلاقتها بالسوق الرمادية ونوعية الصفقات التي تتم، لكي يستطيع المشاهد الحصول على معلومة وتفاصيل بجانب المتعة.وفيما يخص السيناريو، فقد احتوي على أحداث مختلقة، كتلك التي يزور فيها بطلا العمل العراق في إحدى صفقاتهما مع الجيش الاميركي، وعند استلامهما اموالهما، يدخلان غرفة ضخمة مليئة بمليارات الدولارات قيل انها أُغتنمت من خزائن الرئيس الراحل صدام حسين، الذين يطلقون عليه العراب "الاب الروحي" في إشارة الى فيلم "The God Father". وهي بالطبع زيارة تخيلية لم تذكر في القصة الاصلية، اختلقها صانعي العمل لإضافة مزيد من المشاهد الفكاهية وليبدو العراق حاضرا دائما في تلك الاعمال التي تخص الحروب الاميركية.يحاول المخرج أن يبرز نقطتين مهمتين، ليست بدخيلتين على السينما الاميركية، الاولى، قيادة الولايات المتحدة للعالم " شرطي الكون"، فهي تشتري بأموالها أو بأموال أمنتها من غيرها ـ العراق مثلا ـ أسلحة تدعم بها جيوش بلدان أخرى كصفقة أفغانستان، موضوع الشريط، وغالبا ما تكون تلك الدول التي تبيع أسلحتها، قد أعلنت إفلاسها وفي حاجة لتلك الاموال.الثانية تقول أن الاميركان أسياد الكون، ينجزون مايحلوا لهم عن طريق الاموال اوالاستخفاف والاستهانة بالغير، كالمرور بشحنة أسلحة ضخمة من الاردن الى العراق بكرتونتين من سجائر "المارلبورو" فقط، والعبور عبر بوابات المطار اولا، بإشهار جوازات السفر الاميركية.في النهاية يسلط فيليبس الضوء على أولئك الذين فقدوا قلوبهم وشاركوا في دعم الحروب والنزاعات عبر تجارة الاسلحة محققين الحلم الاميركي في أقصر وقت، يقول فيليبس:" من الواضح ان تجارة الاسلحة تجارة كبيرة جداً في العديد من الدول، هنالك العديد من الافلام التي تحدثت عن الحروب وعن الجنود وعن مدى الشعور الوطني لديهم، لكن لا توجد افلام كثير تضيء على هذا الكم من الاموال التي يجمعها عدد قليل من الناس".الفيلم من بطولة الكوميديان جونا هيل، التي كانت له بصمة مميزة في " the wolf of wall street "، ويقوم بدور تاجر السلاح اليهودي " إيفرام ديفارولي " وصديقه وشريكه لاحقا " ديفيد باكوز" الذي يجسد دوره مايلز تيلر، المتميز في اداءه عن باقي جيله فهو يحسن عملية اختيار ادواره، بينما تقوم بدور زوجته "إيز" الجميلة الكوبية آنا دو آرماس، دعنا لاننسى الممثل الكبير برادلي كوبر، الذي اسند له دور هام في الفيلم حيث يجسد تاجر أسلحة كبير جدا يدعى " هنري جيرارد".أحداث الشريط صورت في ميامي وفلوريدا ورومانيا والاردن والمغرب...........................احداثتبدأ الأحداث بإلقاء الضوء على ديفيد باكوز، وهو راوي الشريط، شاب يهودي في العقد الثالث من عمره، يعيش في مدينة ميامي الاميركية، يشعر بالضياع في حياته، بسبب فشله في دراسته وطرده من 6 وظائف مختلفة، اضف الى ذلك المشاكل مع والديه، مااضطره للعمل مدلكا للأثرياء مقابل 75 دولار بالساعة، ولزيادة دخله يقرر بيع المفارش الحريرية المصنوعة من القطن المصري الخالص لكبار السن، ليتمكن من إعالة زوجته إيز التي تفاجئه مؤخرا بحملها.في احدى مجالس العزاء، يلتقي باكوز بصديق طفولته إيفرام ديفارولي، وهو تاجر سلاح متمرس، تتلمذ على يد عمه لكنه تركه وعمل لحسابه الخاص عقب حدوث مشاكل بينهما. يذهب الصديقان بعدها في جولة لاستعادة الذكريات.في اليوم الثاني، يستضيف إيفرام باكوز بمكتبه، ويطلعه على حقيقة عمله وأنه يبيع السلاح لوزارة الدفاع الاميركية عن طريق الدخول على موقع عام تابع للحكومة والبنتاجون شبيه بـ "إيباي" وفيه تُطرح مناقصات عن أنواع الاسلحة والكميات المطلوبة. وفي النهاية يطلب منه أن يعمل معه كشريك بنسبة 70 الى 30 %، فيوافق الأخير بسبب ظروفه القاسية، وذلك برغم خلافه مع الحرب، وهو مايؤيده فيه إيفرام الذي يقنعه أن المسألة تتعلق بالمال فقط.هنا بالتحديد نلتقي بالشريك الثالث السري، رالف سلاسكي، وهو يهودي أيضا وصاحب سلسلة مغاسل للملابس، والذي يقوم بتبييض أموال إيفرام ودعمه بالمال مقابل حصة قدرها 25 % من المكاسب، لكن المسألة بالنسبة له ليس في سبيل المال وإنما حبا لدولة الاحتلال الاسرائيلي ودعما لها ضد اعداءها ـ كما أوضحت في البداية ـ...........................العراقباكوز يتمكن من الحصول على صفقة كبيرة صافي أرباحها بحسب إيفرام 600 ألف دولار، وهي عبارة عن بيع مسدسات بيريتا الايطالية للجيش الاميركي بالعراق، وبسبب حظر الايطاليين بيع الاسلحة لهناك، يشحن الثنائي السلاح الى الاردن ويعبران به الى العراق بمساعدة مهرب مشهور يدعى "مارلبورو".وعقب عودتهما الى أميركا، يعمل الثنائي اليهودي على توسيع نشاط الشركة وتعيين موظفين جدد بها للحصول على صفقات أكثر وأكثر...........................إنها الفطيرة كلها.. "صفقة الافغان "منذ حوالي 3 شهور، بالتحديد حين كان إيفرام يحادث باكوز حول عمله، فإنه يصف مزادات البنتاجون بالفطيرة، الجميع يتنافس على أن يمتلك جزءا منها، لكنه كان يفضل العيش على مايصفها بالفتات لكي لا ينافسه أحد ـ في إشارة الى الصفقات الصغيرة ـ، لكن عقب نجاح صفقة العراق يتسلل الطمع داخل قلوبهما، وينافسان على صفقة لتأسيس الجيش الأفغاني لدعمه في الحرب ضد ارهابيي طالبان، وهي مايصفها إيفرام بالفطيرة كلها. الامر كارثي ، فمن ضمن المطلوب 100 مليون طلقة كلاشينكوف !!، من يستطيع توفير مثل تلك الكمية الضخمة؟الحظ يطرق الباب على أبواب صديقينا، والذي سنكتشف لاحقا أنه ليس بحظ او صدفة وإنما عن قصد، فهناك من يستطيع تأمين تلك الكمية من مستودع كبير للأسلحة بألبانيا، هنري جيرارد وهو تاجر سلاح من العيار الثقيل، مدرج على لائحة المراقبة الارهابية للولايات المتحدة لذا فهو يعمل في الخفاء.عقب إتمام الامر، يكتشف باكوز وإيفرام أن الطلقات صينية، يحظر البنتاجون التعامل مع أسلحة وذخائر الصين، لذا يتحايل إيفرام على القانون ويقوم بإعادة تغليفها وهي فكرة توفر لهم الكثير من اموال الشحن.المشاكل تتسلل بين الشريكين، ويطيح إفرام بباكوز الذي يفضل الصمت بسبب تورطه في الامر كله، لكن كبير العمال في ألبانيا الذي لم يدفع له إيفرام أي من مستحقات تغليف وتحميل شحنة السلاح، يقوم بالوشاية عنهما الى وزراة الخارجية التي تخطر البنتاجون للتحقيق في الامر ، ويتم القبض على الاثنان بالاضافة الى شريكهما الصامت.كلاب الحرب .. كوميديا سوداء عالجت بذكاء واحترافية بفضل مخرج وطاقم مجتهد، موضوع تجارة السلاح وكواليسها، وكيف فتحت الولايات المتحدة في عهد رئيسها جورج بوش الابن، الباب أمام الجميع للمشاركة بصفقات التسليح حتى الضخم منها، فجعلت تجار صغار لم يتخطوا الثلاثين، اثرياء بطريقة خرافية. رؤية : طارق علي سرحان [email protected]