قراءة أولية في "هزائم صغيرة" لنادية الأزميتقدم نادية الأزمي في مجموعتها القصصية (هزائم صغيرة) صورة عن الواقع المهزوز الذي تحس فيه بالهزيمة والانتكاس القسري. وقد أكدت الكاتبة مواقف عدة مسؤولية الواقع الحالي في تذمر ذاتي جعلها تستنفر ذاتها للتخلص من هواجسها والعودة لذكريات الماضي وأحلامه.الحلم وجدلية الزمننقصد بهذه النقطة المحورية جدلية الحلم في مراودة الزمن بمراحله الثلاث: الماضي والحاضر والمستقبل، لذلك تستأثر قراءة المجموعة القصصية بأهمية التحقيب الذي تقدمه الكاتبة للتعبير عن استمرار الأزمة الذاتية والموضوعية.السؤال الأول الذي يمكن أن نقدمه هنا:ما الدافع للتخلص من الواقع المنهزم والمهزوم؟تستحضر نادية الأزمي في المجموعة القصصية الواقع المهزوم الذي تعبر عنه بأشكال مختلفة. لذلك تنتقل مباشرة من الضمير الغائب إلى الضمير المتكلم في أول نص قصصي في المجموعة.ونطالع كذلك في القصة الأولى الانتقال المفاجئ بين الضميرين، فالمبدعة تكشف عن واقع الحياة التي تعيشها البطلة: "طأْطَأَتْ رأسَها في ضمت مطبق؛..."2 لتحول الحديث إلى الشخصية البطلة الحقيقية: "ها هو المستقبل ينمو أمامي"3.. وهو دليل على أن التمويه المتعمد في البداية، ما هو إلا تعبير عن سلطة خفية تستجوب الذات في انتظار الإفصاح عن هويتها الحقيقية. لتحول أيضا النظر إلى الواقع العام باقتباس حالة الهجرة للضفة الأخرى في غياب شروط الحياة الكريمة: "لفظهم البحر وكأنه بهذه الطريقة يثور على هؤلاء..."4فهو الغائب المتكلم، والغائب الآخر الذي يعبر عن صورة المفرد في حالة الجمع؛ أو التعبير عن الصورة الجمعية بضمير المتكلم. وهو أيضا إقرار بطبيعة الواقع الذي تصفه المبدعة في هذه المجموعة القصصية.1- الحلم/ الماضي:نمط واقعي يعيشه الإنسان بصفة عامة، والمبدع بصفة أكثر خصوصية. وفي الغالب لا يتوق إلا إلى تنبيه الآخر بأمل يعيشه في وجدانه وشعوره اللاواعي.والحلم المرتبط بالماضي، أمل لاسترجاع الحقائق قبل فوات الأوان، وقد تعمدت الكاتبة نادية الأزمي التعامل مع الماضي من وجهة نظر استفزازية، باعتباره أولا صادما، ثم غير مرغوب فيه. لذلك تجعله أحيانا كوابيس وأحلاما مزعجة.تقول في هذا الصدد مثلا: "هذه الليلة تشبه أيضا باقي الليالي التي قاست فيها هجرانه.. طار النوم من عينيها وأتعب ذاكرتها المشحونة بآهات لا تنتهي."5وتقول في نموذج ثان: "يحصل ألا نتذكر من الفرح غير حزنه القاتم."6وفي المقارنة بين الحلم/ الماضي التعيس والواقع الأليم، تخوض تجربة نادية الأزمي حرقة الألم بكثير من التوجس والخيفة، وهي بذلك توزع باقات الأمل في مقابل الأم. تقول: "ذاكرتها الثكلى لم تعد تسعفها، فبدا الواقع يضج بما فيه من قلق وحسرة."7ويبدو أن النهج السردي الذي اختارته الكاتبة أسعفها كثيرا في تكثيف هذه الثنائية؛ والقصد من وراء حكمنا هذا التأكيد أن السرد الطاغي على المجموعة هو السرد المقارن في الماضي والحاضر واستشراف المستقبل. لذلك تؤكد في كثير من الأحيان على هذه الثنائية.ونقدم هنا بعض النماذج:- تقول في قصة (فلذة): "وحده كان الحياةَ؛ لكن الحاضر وأد الأمنيات، وأرخى سدول الخوف خيوطا، تنسج نهايات لم تتوقعها، وخسائر لم تصل لدائرة تفكيرها المغلقة على كل الاحتمالات، عدا ما يصوره خيالها العاشق."8فنشير هنا إلى معطيات أساسية:أولا: استحضار لفظ (الخسائر) أو الهزائم كما جاء في عنوان المجموعة، وهي خسائر لم تصل إلى دائرة تفكيرها، بمعنى محدوديتها أو صغر حجمها (هزائم صغيرة).ثانيا: ثنائية الحلم والواقع؛ حلم بشخص شَكَّل الحياةَ كاملة، لكن الواقع عكس الحلم والأمنية.ثالثا: وصف الخيال بكونه عاشقا؛ أي عشق الحلم أو الحلم العاشق الذي يتصوَّر أملا لدى الشخصية الرئيسة في النص.- النموذج الثاني نأخذه من قصة (صمت الكمال): "نظرتْ إليه بعيون فزعة، طوقته بذراعيها، واعتذرت له عن كابوس داهمها وهي في طريقها عائدة من نزهة في نهر الحلم."9وهي أيضا رؤية تؤكد سلطة الواقع في مقابل الحلم المفروض أو الحلم المفترض كونه أملا منتظرا في مقابل الواقع أو الكابوس الذي داهم الشخصية الرئيسة وهي مقبلة على حلم/ واقع سعيد.2- الحلم/ الحاضربعد أن قدمنا بعض نماذج الحلم الماضي في علاقته بالواقع؛ نصل إلى الواقع ذاته باعتباره حلما مفترضا كما أسلفنا الذكر. وقد استرعى انتباهنا في كثير من اللحظات السردية في النصوص أن الكاتبة نادية الأزمي تعيش في صورة بطلتها الأزمة الواقعية والواقع المتأزم.تقول في قصة (إلى متى؟): "هيا يا أملي أزهر، ويا فرحتي أشعي... هيا يا خلاصة الروح والنفس انفتحي."10 فالرؤية الظاهرة تشي بأن البطلة تستحضر الواقع/ الحاضر وتأمل من خلاله انفراج الأزمة وتفتح أوراق الربيع المشعة بالفرحة. وذلك في مقابل واقع لا يذكر إلا بالفواجع في انتظار فرح مؤجل: "خيروني بين الألم وطيف طفلتي، فاخترت طفلتي. قلت: أتحمل الألم الشديد لأجل فرح أشد، تحديت ذلك الموجع الدامي لأجلها."11فالتحدي صورة طبيعية لواقع أكثر شدة من الفرح ذاته، والبطلة متمسكة بالأمل الموجع. وقد اختارت الكاتبة أن تجعل الطفلة/ الأمل في الحياة/ وحياة الأمل المتبقية؛ صورة أيضا متطابقة والواقع المتأزم، الذي تعيشه بحرمان وتشظٍ غير مكشوف.3- الحلم/ المستقبل:يقابل الحلم/ المستبقل في ذاكرتنا الأمل واستشراف المقبِل بكثير من الأمل مقابل الألم الذي يعيشه الإنسان في واقعه الحاضر. وقد عبرت المبدعة نادية الأزمي عن هذه الثنائية الأخيرة بقليل من الصور على خلاف المرجعين السابقين.ومن صور هذا الاستحضار نذكر ما يلي:- الإهداء الذي خصته للأمل ذاته المنتظر مستقبلا، تقول:إلى أملٍ منتظرٍ بعيديطير بين حنايا القلبوشظايا الروح 12فالأمل المنتظر قائم الذات بين القلب والروح؛ القلب بحناياه ووشائجه والروح بشظاياه وحممه. وقد أكدت هذه الصورة في بعض نصوصها القصصية.نذكر مثلا:- "ذهبتُ بفكري بعيدا، جُبتُ كل ما يمكن أن يطرأ على طفلة كهذه في بساطتها وعفيتها، ما الطارئ السحر الذي قد يسكن حياتها لتنقلب رأسا على عقب؛ ويودي ببشاشتها التي كانت تملأ المكان حبورا وسرورا:"13فالذهاب بالفكر بعيدا قد يعني الرجوع للماضي، كما يؤدي فكرة التبحر في المستقبل؛ غير أن الأزمي عبرت عنه بالصيغة الثانية والدليل كونها تبحث عما يمكن أن يطرأ على الطفلة من تغيير في المستقبل، لتحل البشاشة والفرح والحبور الواقع المعيش.- "كان (يزن) يمثل أمان الحياة بالنسبة لنورا، لا تطل من نافذته إلا على محيطات من أحلام وردية، حديقة الأمنيات تلك لا تعرف إلا الاخضرار؛ مساحة تسجلها عين المحب وفكره، تسطرها نواميس العشاق عالما من خيال، لا ينفتح على الواقع إلا بمقدار ما يتيح لهما الاستمرار في الحلم."14فمن خلال هذا المقطع من قصة (فلذة) نشير إلى كون المبدعة نادية الأزمي تجمع بين الواقع والحلم من خلال حلم: الماضي والحاضر والمستقبل. ورؤيتنا تؤكد فرضية الواقع المتأزم في مقابل الأمل:- يزن يمثل الأمل بالنسبة لنورا.- حضور المعجم الموحي بالأمل: الأحلام الوردية ـ الأمنيات ـ الاخضرار ـ الحب ـ العشق ـ الحلم...تركيبتعتبر المجموعة القصصية (هزائم صغيرة) نموذج التحدي سواء من حيث البناء والتركيب أم المحتوى. فالتركيب موحٍ بالأساس الموجع المبني على الواقع الأليم، والبناء أيضا صورة للألم الذي تعيشه البطلة في نسيج القصص والأحداث والمتواليات السردية.أما من حيث المحتوى فقد أشرنا في كثير من النماذج على سلطة الذات المهزومة، وإن كانت صغيرة؛ فهي إشارة إلى حلم طفولي تتوخاه البطلة السردية والبطلة الحقيقية عبر خيوط حكائية للواقع في مقابل الحلم المستقبلي. فالحلم وإن كانت مقتضياته تحث على استحضار الماضي في منام الإنسان؛ غير أن نادية الأزمي جعلته مرتبطا بالأزمنة الثلاثة دليلا على قوته وسلطته على الذات والروح والأفق المفتوح على القراءات والتأويلات.وهي صورة أكثر اتساعا تقبل التوسع في كثير من المواقف والمخاطبات التي تجلي واقع الكاتبة، وتؤكد أيضا فرضية تحول الحلم إلى واقع، والواقع إلى حلم...المصادر والمراجع- العيون سيدي ملوك الخميس 21 يوليو 2016- نادية الأزمي، هزائم صغيرة، قصص، مطبعة النجاح الجديدة، الدار البيضاء، 2016.1- المصدر نفسه، ص. 14.2- نفسه.3- نفسه، ص. 17.4- هزائم صغيرة، ص. 23. 5- المصدر نفسه، ص. 18.6- المصدر نفسه،ص. 23.7- نفسه، ص. 56.8- هزائم صغيرة، ص. 78.9- المصدر نفسه، ص. 15.10- نفسه، ص. 22.11- هزائم صغيرة، ص.3.12- المصدر نفسه، ص. 51.13- نفسه، ص.56.14د. محمد دخيسي أبو أسامة