تطرقنا في الحلقة الماضية عن الحديث حول ضوابط ومميزات القرآن المكي وهنا نذكرها لكن للقرآن المدني بالإضافة إلى بعض الصلات بكلا المكي والمدني, فإليك يا عزيزي القاريء البيان نرجو من الله أن يكون واضحاً لديك.ضوابط القرآن المدني: كل سورة ذُكِر فيها حدٌ أو ميراث، وكل سورة ذُكِر فيها الجهاد وما يشتمله من احكام، وكل سورة ذُكِر فيها المنافقين إلا العنكبوت, وقيل أن آيات العنكبوت التي تحكي عن المنافقين هي مدنية، وكل سورة فيها مجادلة أهل الكتاب، وكل سورة افتتحت بالتسبيح هي مدنية ما عدا سورة الإسراء وهي: الجمعة والصف والحديد والحشر والأعلى والتغابن.مميزات الموضوعية للقرآن المدني: موضوعه الشريعة ببيان وتفصيل أحكام العبادات والمعاملات والحدود والتركات والجهاد والحقوق بما فيها من أحكام الدماء والفروج والأموال والعقول,وكان اسلوب هاديء ماتع بديع , لأنه يخاطب مجتمعا اسلامياً متكاملاً ذا سيادة وهيبة وقوة, لذا نرى أن فواصل الآيات فيها رخية سهلة مسترسلة منبسطة وتحمل معنى البشرى و المسامحة. مجادلة أهل الكتاب بالتي هي أحسن وبيان تحريفهم للعقائد الصحيحة وبطلان عقائدهم الحالية, ودعوتهم إلى دين الله القويم, وجاءت سيرة اليهود لأنهم كانوا جيران المسلمين في المدينة كما إن اتصال المسلمين بغيرهم من البلدان وتجلى ذلك عند بعث النبي (صلى الله عليه وسلم) وفوده إلى كسرى وقيصر والموقس بمصر وإلى ابني الجلندى ابن المستكبر بعُمان ونحو ذلك, وكانوا إما مشركين أو مجوساً أو أهل كتاب ولم تكن عند المجوس والمشركين الحجة كما عند أهل الكتاب لذلك كان من الحكمة مخاطبة أهل الكتاب على الوجه الأخص واستمالتهم إلى الإسلام الحنيف الذي هو دين كل نبي ورسول, ومن ذلك نرى أيضاً وضع أسس تعامل المسلمين مع غيرهم سواء على مستوى الأفراد أو على مستوى الدولة.فضح المنافقين وكشف خباياهم الحاقدة على النبي صلى الله عليه وسلم وعلى الإسلام والمسلمين فهم إذ يشكلون خطراً جسيما على المسلمين وما يزيد ذلك إنهم مخالطون لهم غير منكشفين, ومن المعلوم تشكَّل المنافقون في المجتمع المدني فكان من الضروري الحدَ من مكرهم.طول السور والمقاطع والآيات المتحدثة عن الأحكام الشرعية والاطناب في ذلك لأن أهل المدينة لم يكونوا بتلك الفصاحة العالية والبلاغة السامية والفطنة القوية التي كان عليها أهل مكة, لذا كان البيان في القرآن المدني والإجمال في القرآن المكي وهذا هي البقلاغة وهو مراعاة حال المخاطَب في الخطاب, لذا لا يقال أن القرآن المكي أبلغ من القرآن المدني أو أن القرآن المدني أكثر حضارة وتطوراً من القرآن المكي فالمصدر واحد والحال مختلف والحكمة في التدرج لا في التزام الإسلوب الواحد والقرآن كله متشابه. اقتصار الافتتاح بالتسبيح على بعض السور المدنية دون المكية ما عدا الاسراء ولعل السر في إشارة على أن الله وهو مشرع الأحكام منزه عن النقصان في تشريعه بل تشريعاته كاملة لا يداخلها عيب أو قصور وإلى إن التشريع يتطلب تسبيح الله عن كل تقص وخلل.مباحث ذات صلة بالقرآن المكي والمدني: ما نزل في مكة من القرآن المدني: كقوله سبحانه:(الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا)(المائدة:3), وقوله سبحانه:(يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (13)(الحجرات), وقد نزلا في يوم الفتح العظيم, ولا يوجد قرآن مكي نزل بالمدينة المشرفة لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يذهب إلى المدينة قبل الهجرة.ما يشبه القرآن المدني من القرآن المكي: مثاله قوله سبحانه:(الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ الْمَغْفِرَةِ هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ) (النجم) فسورة النجم مكية لكن قوله سبحانه (الفواحش) هي كل معصية عليها حدّ كما فسره كثير من المفسرين, والمعلوم إن الحدود لم تُشرَع إلا في المدنية فمن هذا الوجه شابه القرآن المكيُّ القرآنَ المدنيَّ.ما يشبه القرآن المكيَّ من المدني: نحو قوله سبحانه:(وَإِذْ قَالُوا اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ)(الأنفال ـ 32) فهذا آية مدنية فيها استعجال العذاب من الكافرين وهو ديدن مشركي مكة فمن هذا الوجه شابهت القرآن المكي.ومنه كذلك سورة العاديات المدنية حيث تشابه المكي من ناحية الاسلوب.علي بن سالم الرواحي