أسلوب القسم

من أساليب القرآن الكريم التي تعددت صورها، وتباينت جُمَلها، وأنماطها اللغوية أسلوبُ القسم ، حيث ورد القسم من الله تعالى ، ومن رسله ، ومن المؤمنين، ومن الدعاة أنبياءَ أو مصلحين، كما ورد على لسان إبليس ، وقد ورد كذلك على ألسنة الكفار، متوعِّدين مهدِّدين مخالفيهم، ونعرض أولا لهذا الأسلوب في لغة العرب، وثانيا لأركانه، ونختم باستعمالاته في القرآن الكريم، وفق التصور الآتي: أركان أسلوب القسم، جملة جواب القسم، وأنواعها وأنماط ورودها في اللغة، أحكام جملة جواب القسم، وكيفية التعرف على أجزائها، إعراب جملة أسلوب القسم بأجزائها الثلاثة: حرف القسم، والمقسم به، والمقسم عليه (جملة جواب القسم)، ومعروف في لغة العرب أن أسلوب القسم يتكون من ثلاثة أركان تدخل كلها تحت أساليب التأكيد، هي: (أ) حرف القسم (مثل الواو والباء والتاء)، و(ب) المقسم به، وهو الله تعالى، وكل مَنْ ، أو ما أقسم الله به في قرآنه الكريم أو أقسم به رسوله (صلى الله عليه وسلم) و(ج) جملة جواب القسم ، وتسمى المقسَم عليه، وتكون على صورتين: اسمية وفعلية.
ومن أمثلة مجيء جملة القسم اسمية قوله تعالى:(والله ربنا ما كنا مشركين)، وقوله سبحانه وتعالى:(والعصر إن الإنسان لفي خسر)، ونحو:(وتالله لأكيدن أصنامكم)، وكقولك: بالله لتأكلنَّ معي تلك الليلة، ونحو قولك: بالله لن نفرط في أي حق من حقوقنا، حيث تتكون الجملة من: حرف القسم، المقسم به، وجملة جواب القسم، أو المقسم عليه.
ولكن ما صور ورود جملة جواب القسم بشكل عام في اللغة؟:
تأتي وفق التصور الآتي، اسمية مثبتة، أو منفية، وفعلية : مثبتة أو منفية :(1) جملة اسمية (مثبتة أو منفية): فإن كانت اسمية مثبتة أكدت بإنَّ وحدها، أو اللام وحدها، أو بأن واللام معاً، ومن أمثلة ذلك:(لعمرك إنهم لفي سكرتهم يعمهون)، ونحو:(والعصر إن الإنسان لفي خسر)، ونحو:(والليل إذا يغشى)، (إن سعيكم لشتى)، ونحو: (يس والقرآن الحكيم إنك لمن المرسلين)، ونحو قوله (صلى الله عليه وسلم): (والذي نفس محمد بيده لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطع محمد يدها)، وكقولك: والله إنَّ الساكت عن الحق شيطان أخرس.، ومثل: وأيمُ الله لَلصلاةُ نور ولَلصدقةُ برهانٌ.
ولكن إن كانت جملة القسم منفية فإنها لا تؤكد، نحو: لعمرك ما في أي عمل شريف مهانة، ولعمْرو الحق لا نجاح إلا بالإخلاص والعزيمة والمثابرة، (2) وإن كانت جملة فعلية (مثبتة أو منفية) فإن كانت مثبتة، وفعلها ماضٍ أكدت بـ ("قد) وحدها، أو بقد واللام معا، ومن أمثلة ذلك:(قالوا تالله لقد آثرك الله علينا)، وكقولك: والله قد هان كلُّ شيء إلا الكرامة، وأما إذا كانت مثبتة، وفعلها ورد مضارعًا أكدت باللام، ونون التوكيد في آخر المضارع، نحو:(وتالله لأكيدنَّ أصنامكم ..)، ونحو:(تالله لتسألنَّ عما كنتم تعملون).
وإن كانت جملة القسم فعلية منفية، فنحن أمام أنماط منها: إذا كان فعلها ماضيا منفيا كان الأكثر ألا تؤكد، ومثاله:(والله ربنا ما كنا مشركين) وأما إذا كان فعلها مضارعا، مثبتا، مستقبلا متصلا بلام القسم من غير فاصل، أكدت بنون التوكيد الثقيلة أو الخفيفة وجوبا، ومن أمثلة ذلك:(ولئن لم يفعل ما آمره ليُسْجَنَنَّ وليكونًا (ليكونَنْ) من الصاغرين)، ونحو:(كلا لئن لم ينته لنسفعًا (لنسفعَنْ) بالناصية)، ونحو: (وتالله لأكيدنَّ أصنامكم)، وكقولك: تالله لأستسهلنَّ الصعب حتى أدرك المنى، وأما إذا كانت الجملة الفعلية منفية فإنها لا تؤكد، ومن أمثلة ذلك: والله لن يضيع حق وراءه مطالب، والله ما ضاع حق وراءه مطالب، تالله ما فعلت إلا بالحق ، والذي نفسي بيده ما قلت إلا الصدق، ولكن ثمة ملاحظات حول جملة جواب القسم، منها: جملة جواب القسم لا محل لها من الإعراب، مثال ذلك :والله إن الصبر يقهر الصعاب ، فجملة (إن الصبر يقهر الصعاب) لا محل لها من الإعراب، ونحو قول الشاعر:
لعمرك ما ضاقت بلاد بأهلها
ولكن أخلاق الرجال تضيق
فجملة: ما ضاقت بلاد بأهلها جملة جواب القسم، لا محل لها من الإعراب.
وإن كانت جملة تبدأ بـالآتي:(والله لقد ، ولقد ، لقد ، والله) فإنها تُعد جملة قسم، لا محل لها من الإعراب ؛ لأنها جواب القسم، نحو:(ولقد آتيناك سبعا من المثاني ..) ، ونحو:(تالله لقد آثرك الله علينا)، ونحو:(لقد كنت في غفلة من هذا).
وتؤكد الجملة الاسمية بإنَّ وحدها، أو اللام وحدها، أو إن واللام معا، أي بهما معا، وأمثلة ذلك ـ كما سبق:(إن الله قوي عزيز)، ونحو:(إن الله على كل شَيْءٍ قدير)، ونحو:(ولأمة مؤمنة خير من مشركة ..)، (ولعبد مؤمن خير من مشرك ..).
ونحو:(لغدوة في سبيل الله أو روحة خير من الدنيا وما فيها)، ونحو:(إن الله لقوي عزيز)، ونحو:(إنك لأنت الحليم الرشيد)، ونحو:(إنه لكبيرهم الذي علمكم السحر)، كما تؤكد الجملة الفعلية بعدد من المؤكدات منها: قد: نحو: (قد أفلح المؤمنون)، ونحو: (قد كان لكم آية في فئتين التقتا)، أو تؤكد بـ (لقد): كما في نحو:(لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة)، ونحو:(لقد كنتم أنتم وآباؤكم في ضلال مبين)، ونحو:(لقد أنزلنا إليكم كتابا فيه ذكركم)، وتؤكد كذلك الجملة الفعلية باللام ونون التوكيد المباشرة أو غير المباشرة في آخر المضارع، نحو:(تالله لتسألُنَّ عما كنتم تعملون)، ونحو: (لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ الْيَقِينِ ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ)، ونحو: (وتالله لأكيدنَّ أصنامكم بعد أن تولوا مدبرين)، ونحو:(فَوَرَبِّكَ لَنَحْشُرَنَّهُمْ وَالشَّيَاطِينَ ثُمَّ لَنُحْضِرَنَّهُمْ حَوْلَ جَهَنَّمَ جِثِيًّا ثُمَّ لَنَنْزِعَنَّ مِنْ كُلِّ شِيعَةٍ أَيُّهُمْ أَشَدُّ عَلَى الرَّحْمَنِ عِتِيًّا ثُمَّ لَنَحْنُ أَعْلَمُ بِالَّذِينَ هُمْ أَوْلَى بِهَا صِلِيًّا)، وكذا بالمفعول المطلق بكل صوره، المؤكدة للفعل، والمبينة لنوعه، والمؤكدة لعدده،:(ثم لننسفنه في اليم نسفا)، ونحو:(لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا)، ونحو:(إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ تَنْزِيلًا)، وهكذا تأتي آي الذكر الحكيم تنسال انسيالا في باب القسم بكل صوره، ولعل من فوائد أسلوب (القَسَم) في القرآن الكريم هذا الغرض الأساس من (القَسَم)، وهو التأكيد على الأخبار التي وردت فيها الأقسام، ولكن قد يرد (القَسَمُ) في القرآن الكريم بقصد بيان عظمة المقسم به، كـ(القَسَم) بالله، و(القَسَم) بالنبي (صلى الله عليه وسلم)، وقد ذكر المفسرون في أثناء تفسيرهم لآي القرآن الكريم جملاً من فوائد (القَسَم)، تفيد ما ذكرناه من فائدة (القَسَم)؛ فهذا هو الإمام الرازي عند تفسيره لقوله تعالى:(وقال الذين كفروا لا تأتينا الساعة قل بلى وربي لتأتينكم)، يقول: يُعَلِّمُه ـ أي للنبي (صلى الله عليه وسلم) (القَسَم) تأكيدًا لما كان يخبر عن البعث، ويؤيد الزركشي هذه الفائدة من أسلوب (القَسَم)، فيقول: (القَسَم) إنما جيء به لتوكيد المقسم عليه، ويقرر الآلوسي فائدة أخرى من أسلوب (القَسَم)، وذلك أن (القَسَم) يتضمن الإخبار عن تعظيم المقسم به، وأن الإقسام بالشيء إعظام له، هذا وقد كتبت في القسم كتب كثيرة ، منها: (أسلوب القسم في القرآن الكريم ـ دراسة بلاغية) لعلي محمد عبد المحسن الحارثي، وأسْلوبُ القسَم الظاهر في القرآن الكريم بلاغته وأغراضه للدكتور سامي عطا حسن ـ جامعة آل البيت، وغيرها من المؤلفات كثير، منها ما أخلص لدراسة أسلوب القسم في سورة معينة، ومنها من درس أسلوب القسم في كل القرآن الكريم كله، ومنهم من درسه بلاغيا، أسأل الله تعال أن يفقهنا في أساليب القرآن الكريم، ويبصرنا بدلالاتها وجمال تراكيبها وجلال معانيها إنه ولي ذلك، والقادر عليه وكل عام وأنتم بخير، والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

د/ جمال عبد العزيز أحمد
كلية دار العلوم ـ جامعة القاهرة
جمهورية مصر العربية
[email protected]