من وصايا القرآن العظيم, والتي أوصى بها لقمان الحكيم ابنه قول الله تعالى: (واصبر على ما أصابك إن ذلك من عزم الأمور)، فمن عزائم الأمور الصبر على البلاء، والصبر أن تترك الشكوى، والصبر هو أن لا تفرق بين حال النعمة, وحال المحنة، والصبر هو من أفضل الصفات التي تتحلى بها النفوس الزكية فيقوم أمرها ويصلح شأنها.
ومن رحمة الله تعالى بعباده: أن أنزل الصبر في قلوب عباده المؤمنين, ولولاها لهلك ابن آدم, وإلا فماذا يفعل الإنسان إذا أصابه مكروه إلا أن يصبر؟ إذا وقع للإنسان أي مكروه وكان فوق طاقته أو كان خارجاً عن إرادته فهل هناك حلية أفضل من الصبر, ورباطة الجأش؟ هل هناك مسلك أرشد من الاعتراف بالواقع, والرضا بالمقسوم حلوه ومره؟.
نعم أخي المسلم: إن الصبر هو حلية الأولياء وفضيلة الأتقياء, ووسام الشرفاء وصفة الأنبياء، فلقد تحلًى به جميع الأنبياء والرسل, وخاصة النبي محمد (صلى الله عليه وسلم)، ولقد أخبرنا بذلك في حديث نبوي شريف فقال:(إن أشد الناس بلاء الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل)، وسيدنا أيوب ـ عليه السلام ـ قد كان مثالاً أعلى في الصبر على البلاء وقصته في القرآن الكريم مشهورة لكل مسلم ومسلمة، فلقد قال الله تعالى عنه:(إنا وجدناه صابراً نعم العبد إنه أواب) (ص ـ 44).
وعلى المسلم إذا أصابه أي مكروه, فعليه أن يتذكر سيدنا أيوب ـ عليه السلام ـ وفي نفس الوقت أن يبتهل إلى الله ويتضرع بأن يكشف عنه البلاء، وإذا خشع العبد في صلاته وفي دعائه سوف يزول الكرب والهم من عنده إن شاء الله رب العالمين وسيدنا رسول الله (صلى الله عليه وسلم), وهو قدوتنا، وقد صبر على من قال عنه إنه يدًعي النبوة, ويكذب بل تمادوا في سفههم فرموه بالجنون وقالوا:(وقالوا يا أيها الذي ُنزًل عليه الذكر إنك لمجنون) (الحجر ـ 6)، ولقد صبر رسول الله (صلى الله عليه وسلم) عندما مات ولده إبراهيم: وكان العرب يعيرونه بفقد ولده (فلقد كان العاص بن وائل السهمي إذا ذكر رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قال:(دعوه فإنما هو رجل أبتر لا عقب له, لو هلك انقطع ذكره واسترحتم منه فأنزل الله تعالى:(إنا أعطيناك الكوثر, فصلً لربك وانحر, إن شانئك هو الأبتر) لكن الله تعالى خيًب ظنهم, وصار سيد الخلق يُذكر آناء الليل, وآناء النهار, بل يُذكر اسمه مع رب العالمين ـ جلّ وعلا, فما يقول المؤذن أشهد أن لا إله إلا الله إلا يقول: أشهد أن محمداً رسول الله, وكان من دعاء الرسول (صلى الله عليه وسلم) عند وفاة ابنه إبراهيم: إن العين لتدمع, والقلب يحزن, ولا نقول إلا ما يرضي ربنا, وإنا لفراقك يا إبراهيم لمحزونون, ولقد تعلًم الصحابة الكرام ـ رضوان الله تعالى عليهم ـ من رسول الله الصبر على البلاء وفي كل الأحوال, ومن هذه الأمثلة لو رجعنا إلى ما لاقاه الصحابة الكرام من تعذيب من كفار مكة, وصبرهم على الحر الشديد في صحراء مكة, فهذا ضرب لنا أروع الأمثلة في الصبر على كل بلاء ابتغاء وجه الله تعالى وكان كل هذا بسبب الرضا والطمأنينة التي كانت في قلوب المؤمنين.
ومن أجمل ما قيل عن الصبر, ما قاله الإمام ابن القيم حين يقول: الصبر إذا قام به العبد كما ينبغي, انقلبت المحنة إلى منحة, وتحولت البلية إلى عطية, وصار المكروه محبوباً, فإن الله تعالى لم يبتليه ليهلكه, وإنما ابتلاه ليمتحن صبره, وعبوديته, ومن الصحابة الكرام من صبر على المرض, واحتسب أجره على الله رب العالمين, من هؤلاء: عبد الله بن عباس ـ رضي الله عنهما ـ فلقد استسلم لأمر الله وقضائه عندما فقد بصره, لما وقع الماء في عينه, فقال له الطبيب: ننزع من عينك الماء على أن لا تُصلِ سبعة أيام إلا على عود (مستقيماً) فقال ابن عباس ـ رضي الله عنهما: لا والله ولا ركعة واحدة, إنه من ترك صلاة واحدة متعمداً, لقي الله تعالى وهو عليه غضبان, وفي هذا المقام نذكر عن أنس ـ رضي الله عنه ـ قال: سمعت رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يقول: إن الله تعالى يقول:(إذا ابتليت عبدي بحبيبتيه فصبر عوضته منهما بالجنة), وهناك صبر على فقد الأزواج، فعن أم سلمة ـ رضي الله عنها قالت: سمعت رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يقول:(ما من مسلم تصيبه مصيبة فيقول ما أمره الله به: إنا لله وإنا إليه راجعون, اللهم أجرني في مصيبتي واخلف لي خيراً منها إلا أخلف الله له خيراً منها) قالت أم سلمة: فلما مات أبو سلمة قلت: أي المسلمين خير من أبي سلمة؟ أول بيت هاجر إلى رسول الله ثم إني قلتها, فأخلف الله لي خيراً منه رسول الله (صلى الله عليه وسلم) إذاً: نوصي بعضنا البعض بالصبر على كل ما يصيبنا من مصائب الدهر, والله تعالى يقول:(إنما يوفّى الصابرون أجرهم بغير حساب).
وفي الختام ندعو الله أن يلهمنا الصبر وأن يوفقنا لما يحبه ويرضاه اللهم آمين والحمد لله رب العالمين.

إبراهيم السيد العربي
إمام وخطيب جامع الشريشة/ سوق مطرح