أنس فرج محمد فرج:

النية: لغة: القصد والإرادة وقد جاءت النية في كتاب الله بلفظ الإرادة والابتغاء قال الله تعالى:(وما ينفقون إلا ابتغاء وجه الله) أي: وفي إنفاقهم نيتهم وجه الله تعالى، وقال الله تعالى:(يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه) أي: وفي نيتهم بالدعوة وجه الله تعالى وحديث الأعمال بالنيات (إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى) أصل عظيم في إسلامنا صدر له البخاري كتابه (الجامع الصحيح) إشارة إلى أن كل عمل لا يراد به وجه الله فهو مردود على صاحبه، ومن هنا يأتينا سؤال وهو كيف نخلص النية ونجاهد الرياء؟.
علينا أن نستعن بالله فالأمر جلل فمن دعاء النبي (صلى الله عليه وسلم):(اللهم إني أعوذ بك من أن أشرك بك شيئاً أعلمه وأستغفرك لما أعلمه) ونحاول أن تكون أعمالنا خالصة لوجه الله تعالى ونتهم دائما أنفسنا عند عمل الخير بالتقصير حتى لا نغتر فيضع العمل وتكون أعمالنا الصالحة في السر حتى لا يمدحنا الناس فيدخلنا العجب عندئذ نجد ثمار الإخلاص ألا فلتعلم أخي القاري الكريم أن ثمار الإخلاص الراحة النفسية وأنك ستأخذ الأجر وإن لم تتم العمل قال الله تعالى:(.. ومن يخرج من بيته مهاجرا إلى الله ورسوله ثم يدركه الموت فقد وقع أجره على الله وكان الله غفورا رحيما) (النساء ـ 100).
إن لكل مخلوق جسداً وروحاً ولا قيمة للجسد بدون الروح لذا يدفن في التراب وإذا كان هذا في المخلوقات فإن الأعمال أيضا جسد وروح فالحركات والسكنات تمثل بنيان العمل الصالح، أما روحه التي لا ينبغي أن تنفك عنه أبدا فهي إخلاصه لله وحده وتخليصه من كل شائبة ورياء ولذا قيل إن الإخلاص عند أهل اللغة من خلص إذا كان قد نشب ثم نجا وسلم وكأنها معركة عند كل عمل على النية فالشيطان والنفس والهوى يتنازعون العمل حتى يشوبه الرياء فإن استطاع المسلم النجاة بالعمل من هؤلاء الأعداء وقدمه لله خالصا قُبل وإلا رد عليه، والرياء أن يظهر العبد عبادته للناس لينال عرضاً من الدنيا يظهر العبادة حتى يراه الناس كمن يقاتل في سبيل الله ليقول الناس عنه شجاع أو يتصدق ليقال عنه كريم أو يحسن قراءته أمام الناس ليقولوا فلان قارئ هذا هو الرياء يقصد بالعبادة الدنيا ولكن الله سبحانه لا يقبل من العبادة إلا ما قصد به وجهه سبحانه وقد أمرنا بذلك فقال تعالى :(وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء) (البينة ـ 5)، فالإخلاص في العبادة هو ركنها العظيم ولا يقبل الله من العباد العمل إلا إذا كان خالصاً لوجهه سبحانه.

والإخلاص يأتي من التوحيد الخالص لله تعالى، حيث يبتغى المسلم بعمله الله وحده (إياك نعبد وإياك نستعين)، أما الآخرون الذين يبتغون بعملهم غير الله تعالى لا يعرفون من يرضون فإن رضي هذا سخط ذاك وبالعكس (ضرب الله مثلا رجلا فيه شركاء متشاكسون ورجلاً سلماً لرجل هل يستويان مثلا الحمد لله بل أكثرهم لا يعلمون) (الزمر ـ 29),
هذا وإنه لابد لكل عمل من نية ومن عمل صالحا ولم يستحضر فيه نية صار عادة لا أجر له عند الله اللهم إلا في الدنيا لذا قيل إن العادات تتحول إلى عبادات بالنية الخالصة لله تعالى (فمن كان يرجوا لقاء ربه فليعمل عملا صالحا ولا يشرك بعبادة ربه أحدا) (الكهف ـ 110)، والنية موطن نظر الخالق جل وعلا (إن الله لا ينظر إلى صوركم وأجسامكم ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم) وهى باب خطير إذا تمكن منه الشيطان أفسد العمل كله، والله تعالى من رحمته أنه يغفر للمسيء أن لم تكن له نية الإساءة حتى وإن قتل كالقتل الخطأ لأن الله تعالى رفع عن أمة النبي (صلى الله عليه وسلم) الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه وحدث في غزوة أحد أصر سيدنا (اليمان) أبو سيدنا حذيفة على الذهاب إلى المعركة فأجلسه النبي (صلى الله عليه وسلم) وبعض الشيوخ على جبل بعيد عن الحرب لكبر سنهم ثم ظن اليمان والد أبو حذيفة بأن المعركة قد انتهت فنزل فتناولته سيوف المسلمين يحسبونه مشركا فأقبل ولده حذيفة يصرخ أبى، أبى يغفر الله لكم ولم يزد ولم يقتص النبي (صلى الله تعالى عليه وسلم) من أحد، والرجل الذي قال من فرط سعادته (اللهم أنت عبدي وأنا ربك) ما قصد فالمعول عليه النية، وآدم حين نسى وأكل من الشجرة قال عنه ربنا:(فنسى ولم نجد له عزما) (طه ـ 115) وعمار بن ياسر حين سب النبي (صلى الله تعالى عليه وسلم) في حالة تعذيبه قال له النبي (صلى الله تعالى عليه وسلم):(إن عادوا فعد) وخالد بن الوليد حين عاد بالجيش من غزوة مؤته حفاظا على أرواح المسلمين وقيل له يا فرار قال النبي بل هو الكرار كل هذه المواقف تبرز أثر النية في العمل.

وأحياناً يخلط الإنسان العمل الصالح بأن يتمني أن يتحدث الناس عنه وعن عمله هنا خالط عمله الرياء وخرج عمله عن الأجر كما جاء في حديث أبى أمامة قال رجل يا رسول الله : الرجل يغزو يلتمس الأجر والذكر هل له شيء قال:(لا شيء له) ثم قال:(إن الله لا يقبل من العمل إلا ما كان خالصا وابتغى به وجهه) وفى الحديث القدسي:(أنا أغنى الشركاء عن الشرك من عمل عملا أشرك فيه غيري فأنا منه برئ وهو للذي أشرك)، وفى حديث الرجل يقاتل حمية ويقاتل شجاعة قال:(من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله).

وقد جاءت الآيات والأحاديث لتحذر من فساد النية وابتغاء وجوه الناس قال الله تعالى:(ولا تكونوا كالذين خرجوا من ديارهم بطرا ورئاء الناس ويصدون عن سبيل الله والله بما يعملون محيط) (الأنفال ـ 47)، وقال تعالى في سورة (النساء آية 48):(إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ومن يشرك بالله فقد افترى إثماً عظيماً) وقال تعالى في شأن المنافقين:(إن المنافقين يخادعون الله وهو خادعهم وإذا قاموا إلى الصلاة قاموا كسالى يراءون الناس ولا يذكرون الله إلا قليلاً) (النساء ـ 142).
.. هذا والله تعالى أعلى وأعلم.