الإنسان فى حياته يتقلب بين الخير والشر، فيما ينفعه وما يضره، وما يسره وما يحزنه، وذلك بحكم تكوينه الطبيعى، وبما أراد الله له من الخلافة فى الأرض التى خلق منها، قال تعالى:(لقد خلقنا الإنسان فى كبد) (البلد ـ 4)، وقال تعالى:(يا أيها الإنسان إنك كادح إلى ربك كدحا فملاقيه) (الانشقاق ـ 6) أما الحياة الخالية من الآلام فهى حياة أهل الجنة، لا يمسهم فيها نصب ولا حزن ولا غل ولا لغو ولا تأثيم كما ورد فى القرآن الكريم، كما أن الله سبحانه هو خالق الكون كله ومالك أمره، يحبى ويميت ويعطى ويمنع، يفعل ما يشاء كما يشاء: (لا يُسأل عما يفعل) (الأنبياء ـ 23)، ومع ذلك فهو سبحانه فى كل أفعاله حكيم يضع الشىء فى موضعه المناسب، وقد وصف نفسه بالحكمة والخبرة والعلم والإرادة فى نصوص كثيرة، وهذه الحكمة موجودة فى أمره التكوينى وأمره التشريعى لمن يعيشون فى هذه الدنيا قال تعالى للملائكة فى حكمة خلق آدم :(إنى أعلم ما لا تعلمون) (البقرة ـ 30)، وقال أيضًا:(والله يعلم وأنتم لا تعلمون) (البقرة ـ 216)
وإذا كان الله سبحانه قد سخر لبنى آدم ما فى السموات وما فى الأرض، وأسبغ عليهم نعمه ظاهرة وباطنة، فإن فى بعض المسخرات من القوى والإمكانات ضررا عليهم فى ظاهر الأمر، كالزلازل والبراكين والعواصف والسيول والأوبئة المجتاحة، لكن لها حكمة قد تخفى على بعض الناس، ضرورة أن الله حكيم فى كل ما يصدر عنه ، منزَه عن العبث فى أى شىء، كما أن الهدى الإلهى الذى أرسل به الرسل هو لإرشاد الناس إلى الخير كفا قال سبحانه :(فإما يأتينكم منى هدى فمن اتبع هداى لا يضل ولا يشقى) (طه ـ 123 ) لكن فى بعض هذا الهدى ما فيه مشقة فى ظاهره، وهو فى حقيقة الأمر لخير الإنسان وسعادته فى دنياه وآخرته فلا يقنط ولا ييأس؛ ولذلك عد النبي (صلى الله عليه وسلم) من صفات المؤمن إن أصابته سراء شكر فكان خيرًا وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرًا له، فكل أمر المؤمن خير في السراء أم في الضراء.

يحيى بن أحمد بني عرابة