قال (صلى الله تعالى عليه وسلم):(أشد الناس بلاء الأنبياء، ثم العلماء، ثم الأمثل فالأمثل) ـ أخرجه الحاكم وزاد غيره ثم الصالحون بعد العلماء والرجال هم الذين يتحملون البلاء ومن يستطيع تحمل البلاء مثل الأنبياء، إذا فالأنبياء هم الرجال حقاً ولذلك أراد الله سبحانه وتعالى أن تتلبس شرائط الرجولة ومقوماتها بالأنبياء وهم أعظم النماذج الإنسانية قال تعالى:(وما أرسلنا من قبلك إلا رجالاً نوحي إليهم فسألوا أهل الذكر إن كنم لا تعلمون) (النحل ـ 43)، وليس عجباً أن يتركز مناط القدوة في هؤلاء الصفوة فقال تعالى:(أولئك الذين هداهم الله فبهداهم اقتده) (الأنعام ـ 90) وحين امتثل (صلى الله تعالى عليه وسلم) أمر ربه واقتفى أثر الرجولة الكاملة لم يكن عجباً أيضاً أن يكون أنموذج النماذج قال تعالى:(أكان للناس عجبا أن أوحينا إلى رجل منهم أن أنذر الناس وبشر الذين آمنوا أن لهم قدم صدق عند ربهم ..) (يونس ـ 2)، وحتى تتحقق الرجولة فينا أُمرنا بأن ننهل كأمة من رسول الله (صلى الله تعالى عليه وسلم):(لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجوا الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرا) (الأحزاب ـ 21)، وانظر إلى أم المؤمنين عائشة لما نهلت من نبع الرجولة في بيتها قيل عنها كانت عائشة رجُلة الرأي فعين الرجولة ليست حكراً على الذكور بل ربما تصيب بعض النساء منه أكثر من بعض الرجال.
الرجولة كلمة عظيمة لها إيحاءات كريمة تختلف بلا شك عن إيحاءات كلمة الذكورة فإن الذكورة لبيان النوع والجنس (وأنه خلق الزوجين الذكر والأنثى) (النجم ـ 45) والرجولة لبيان الحقيقة والكيف (من المؤمنين رجال ..) (الأحزاب ـ 23).
والرجولة عند بعض اللغويين مرحلة عمرية يمر بها كل إنسان فهم يقولون لا يسمى الإنسان رجلا إلا إذا احتلم وشب والبعض الأخر يقول أن السن لا علاقة له بالرجولة فربما كان الطفل بصفاته رجلاً وكان الرجل بصفاته طفلاً وكم نرى من أناس تخطوا بأعمارهم مرحلة الرجولة التي حددها اللغويون فإنما المرء بأصغريه قلبه ولسانه وإذا أردت أن تُكون في مخيلتك صورة متكاملة عن الرجال فعليك أن تقرأ ما جاء في القرآن الكريم الذي جاء منهج هداية للعالمين.
1 ـ الطهارة بشقيها المادي والمعنوي (لمسجد أسس على التقوى من أول يوم أحق أن تقوم فيه فيه رجال يحبون أن يتطهروا والله يحب المطهرين) (التوبة ـ 107).
2 ـ الصدق مع الله (من المؤمنين رجال صدقوا) (الأحزاب ـ 23).
3 ـ إيثار الآخرة على الدنيا (رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة) (النور ـ 37).
4 ـ القوامة وحسن التوجيه لبيوتهم وذويهم (الرجال قوامون على النسا) (النساء ـ 34).
وعليك أن تقرأ ما جاء في السنة النبوية المطهرة أيضاً.
أولاً: القيام بالفرائض، فعن أبى هريرة ـ رضي الله عنه ـ قال: أن أعرابياً أتى النبي (صلى الله تعالى عليه وسلم) فقال: دلني على عمل إذا عملته دخلت الجنة قال:(تعبد الله لا تشرك به شيئاً وتقيم الصلاة المكتوبة وتؤدى الزكاة المفروضة وتصوم رمضان وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلاً) قال النبي (صلى الله تعالى عليه وسلم):(من سره أن ينظر إلى رجل من أهل الجنة فلينظر إلى هذا الرجل) ـ صحيح البخاري وغيره.
ثانياًـ الصلاح، عن ابن عمر (رضي الله تعالى عنهما) قال: رأيت في المنام كأن في يدي قطعة إستبرق وليس مكان أريد من الجنة إلا طرت إليه قال فقصصته على حفصة فقصته على النبي (صلى الله عليه وسلم) فقال:(أرى عبد الله رجلاً صالحاً) ـ صحيح مسلم.
ثالثاًـ قيام الليل، عن سالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه أن النبي (صلى الله تعالى عليه وسلم) قال:(نعم الرجل عبد الله لو كان يصلي من الليل)، قال سالم فكان عبدالله بعد ذلك لا ينام من الليل إلا قليلا) ـ رواه البخاري.
رابعاًـ ترك الحرام وخصوصا التشبه بالنساء، فقد جاء في الحديث الصحيح عن لبس الذهب والحرير (هذان حرام على رجال أمتي حلال على نسائها) ـ الطبراني، فالرجال ليسوا من أهل الترف والليونة والميعة، وفي الحديث عن ابن عباس، عن النبي (صلى الله عليه وسلم)، قال:(لعن الله المتشبهين من الرجال بالنساء ولعن المتشبهات من النساء بالرجال) ـ مسند أحمد والمقصود بالمترجلات من تسعى إلى التشبه بالرجال في المظهر والهيئة أما من تتشبه بالرجال في تحمل الأعباء والقيام بالواجبات فهي في الشرع مندوحة وليست مذمومة.
والهمة العالية هي السر الخفي وراء وصول مرتبة بعض الناس دون غيرهم إلى مرتبة الرجولة، فالرجال لا تحملهم الأقدام وإنما تحملهم الهمم العالية ومن أراد ذلك فعليه بقول ابن عيينة: لا تتم الرئاسة للرجال إلا بأربع: علم جامع، وورع تام، وحلم كامل، وحسن التدبير، فإن لم تكن هذه الأربع فمائدة منصوبة، وكف مبسوطة، وبذل مبذول، وحسن المعاشرة مع الناس، فإن لم تكن هذه الأربع فبضرب السيف، وطعن الرمح، وشجاعة القلب، وتدبير العساكر، فإن لم يكن فيه شيء من هذه الخصال فلا ينبغي له أن يطلب الرئاسة .. هذا والله تعالى أعلى وأعلم.


أنس فرج محمد فرج