في لغة العرب أسلوب يحمل أمرين اثنين، هما: النداء والتعجب، ويسمَّى النداءَ التعجبيَّ، حيث ينادي المرءُ من خلاله متعجبا، ولا يريد فيه طلب الإقبال بيا أو بإحدى أخواتها، كما هو المعهود من النداء المقصود ، حيث يكون النداء هو استدعاء شخص ليقبل، أو ليؤدي مهمة ما، وإنما النداء التعجبي هو نداء يحمل معنى التعجب، وفيه دلالة الانبهار، فما أركانه ؟، وكيف نتعرف عليه، وكيف نعربه؟
وأركان أسلوب النداء التعجبي، والفارق بينه وبين أسلوب التعجب تكمن في الآتي: أركان أسلوب النداء التعجبي، وفي الفارق بين النداء التعجبي، وأسلوب التعجب، وفي صور النداء التعجبي.
فمفهوم النداء التعجبي: يتلخص في أنه يستعمل عندما نتعجب من شيء ما، وننبهر به ، فنستخدم هذا الأسلوب، وكأننا نناديه ، فننسى أنه لا ينادى، لكن درجة الانبهار به تنسينا أننا نناديه، فالنداء هنا لا يقصد منه طلب الإقبال كما هو الحال في النداء الأصلي، فيخرج النداء عن معناه الأصلي إلى معنى التعجب، والدهشة والانبهار، ويتكون أسلوب النداء التعحبي من ثلاثة أركان:
الركن الأول: يا، وهي حرف نداء وتعجب، والركن الثاني: هو حرف الجر الذي يجر المنادى المتعجب منه، والركن الثالث: هو المنادى المتعجب منه، وشبه الجملة (حرف الجر ، والمتعجب منه) متعلق بالفعل المحذوف الذي نابت منابه ( يا)، التي تعني: أنادي متعجبا على كذا، وقد يحذف حرف الجر فينصب المنادى المتعجب منه.
وأمثلة ذلك: يا لَجمالِ الزهرِ في الربيع! ، يا لَسحرِ الطبيعةِ فيه! ، ويا لَرقةِ أنسامه! ، ويا لَجلالِ القرآنِ!، ويا لَجمالِ الإيمانِ!، يا لَروعةِ الملتزمين والملتزمات!.
ولعل تفصيل أركان أسلوب النداء التعجبي يمكن أن يبرز لنا طبيعة هذا التركيب وطبيعة استعماله: حيث يتكون هذا الأسلوب من ثلاثة أجزاء ـ كما سبق ـ وهي:
أ ـ (يا) التي تستعمل للنداء والتعجب، ولا يستخدم من حروف النداء في التعجب غيرها من أخواتها، فلا تستعمل الهمزة ، ولا (أيا)، ولا (أي)، ولا (وا)، ولا (هيا).
ب ـ المنادى المتعجب منه، ويكون مجرورا بـ (لام) مفتوحة على عكس الأسماء الأخرى التي تجر باللام المكسورة وذلك تفرقة بينها وبين اللام الداخلة على غير المتعجب منه، وقد تحذف هذه اللام، فإذا حذفت هذه اللام، فإن المتعجب منه يأخذ حكم المنادى العادي في الإعراب، فيُبْنَى في حالات البناء، ويُعْرَب في حالات الإعراب.
ومن التوجيه النحوي والإعراب لبعض أمثلة النداء التعجبي:
يا لجلال القرآن!، يا: حرف نداء وتعجب مبني على السكون لا محل له من الإعراب . لجلال: اللام حرف جر مبني على الفتح لا محل له من الإعراب، جلال: متعجب منه مجرور بلام مفتوحة وعلامة جره الكسرة الظاهرة وهو مضاف. القرآن: مضاف إليه.
ومثل: يا لجمال الإيمان‍‍! فيا : حرف نداء وتعجب مبني على السكون لا محل له من الإعراب. لجمال: اللام حرف جر مبني على الفتح لا محل له من الإعراب، وجمال: متعجب منه مجرور بلام مفتوحة وعلامة جره الكسرة الظاهرة، وهو مضاف. الإيمان : مضاف إليه.
ولكن ما إعراب هذا الأسلوب بعد حذف لام الجر؟، مثل قولك:
يا بهاءَ الملتزمين والملتزمات. يكون هكذا: يا: حرف نداء وتعجب مبني على السكون لا محل له من الإعراب. بهاءَ: منادى متعجب منه منصوب وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة وهو مضاف. الملتزمين : مضاف إليه .والملتزمات: معطوف على ما قبله مجرور مثله.
يا عظمةَ الإسلامِ! .عظمة : منادى متعجب منه حذفت لام جره فأعيد إلى باب النداء الأصلي مرة أخرى منصوب وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة، وهو مضاف.الإسلام: مضاف إليه.
ولعل في قوله تعالى:(يا بشرى هذا غلام) ما يدخله في هذا الأسلوب، وهو النداء التعجبي، في أحد التوجيهات الكثيرة المجودة للآية بقراءاتها وتفاسيرها المتعددة ، وقد صرح بذلك بعض المفسرين فقال: فالراحج أن بشرى في الآية دلالة على الفرح والسرور، وليست اسمَ شخص، وروي عن السدي أن بشرى اسم صاحبه. قال الألوسي في تفسير هذه الآية:(يا بشرى هذا غلام): نادى البشرى بشارة لنفسه، أو لقومه ورفقته، كأنه نزلها منزلة شخص ، فناداه فهو استعارة مكنية، وتخييلية، أي يا بشرى تعاليْ، فهذا أوان حضورك، وقيل: المنادى محذوف كما في ـ يا ليت ـ أي يا قومي، انظروا واسمعوا بشراي، وقيل: إن هذه الكلمة تستعمل للتبشير من غير قصد إلى النداء. وزعم بعضهم أن بشرى اسم صاحب له ناداه ليعينه على إخراجه، وروي هذا عن السدي، وليس بذاك.
فهذا أسلوب عربي أصيل، استعمله العرب، وجرى على ألسنتهم، وهذا مقامه، قام النداء بانبهار، ولعل ما نستعمله في اللغة الدارجة من نحو: يا لولد يا ولد منادين مستحسنين مبهورين يقرب من هذا الأسلوب اللغوي إلا أنه دارج لا يرقى إلى أن نعتبره نداء تعجبيا كما أسلفت في تناولي للحديث عن النداء التعجبي، والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، وصلى الله وسلم وبارك على سيبدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

د/ جمال عبد العزيز أحمد
كلية دار العلوم ـ جامعة القاهرة
جمهورية مصر العربية
[email protected]