مسقط ـ العمانيةلا يمكن للباحثين في تاريخ طباعة الكتاب العماني أن يضربوا صفحا عن جهود الشيخ يحيى بن خلفان بن أبي نبهان الخروصي (1227-1322هـ/ 1812-1905م). كما أن الحديث عن الحركة الثقافية العمانية لا بد له من إفراد صفحات كثيرة عن هذا العالم البارز والشاعر البليغ الذي كان إسهامه بارزا في اثراء الساحة العلمية والحضارية ليس في القطر العماني فقط، بل كان له دور مهم في حفظ التراث العربي الإسلامي في الشرق الأفريقي.يأخذنا الباحث العماني خالد بن عبدالله بن سيف الخروصي في سفر علمي ومعرفي لفهم جوانب شخصية العلامة يحيى الخروصي وذلك عبر كتابه "الشيخ العلامة يحيى بن خلفان بن أبي نبهان الخروصي وإسهاماته للمكتبة العمانية" (1227- 1322هـ) (1812-1904م).الكتاب مكون من مقدمة وأربعة فصول وخاتمة وثلاثة ملاحق، يقع في 290 صفحة، وقد صدر عن مؤسسة بيت الغشام للصحافة والنشر والترجمة والإعلان سنة 2015م.تناول الفصل الأول من الكتاب عصر الشيخ يحيى من النواحي السياسية والاقتصادية التي صاحبت ظهور الشيخ ونشأته وتأثره بها.أما الفصل الثاني فيسرد سيرة الشيخ وما يتعلق باسمه ونسبه، بينما تطرق الفصل الثالث إلى السيرة العلمية وتعليمه ومشايخه وأقرانه وتلاميذه.كما تم تخصيص الفصل الرابع والأخير من الكتاب لعرض تراث الشيخ مع شيء من التفصيل لتراثه النظمي والنثري وجهوده في حركة طباعة الكتاب العماني في زنجبار. كما ضم الملحق رقم 1 مختارات من قصائد الشيخ يحيى، بينما ضم الملحق رقم 2 مختارات من أسئلة الشيخ محمد بن يحيى الخروصي لبعض علماء عصره، والملحق الثالث والاخير خصصه الباحث لمختارات وصور من تراث الشيخ يحيى في المخطوطات والجهود المكتبية والحضارية والشعرية.ولد الشيخ يحيى بن بن خلفان بن جاعد بن خميس الخروصي في بلدة الهجار من وادي بني خروص في عام 1227هـ الموافق ل 1812م أي تقريبًا في بداية عصر السيد سعيد بن سلطان البوسعيدي، هذا العهد الذي لفه الكثير من الاضطراب والهجمات الخارجية على عمان إلى أن تمت السيطرة عليها في عام 1235هـ /1819م.أما عن الحالة الثقافية في فترة مولد الشيخ يحيى فهي لا تنفصل عن الحالة السياسية والاقتصادية والاجتماعية ولكن علماء تلك الفترة لم يستكينوا لتلك الأوضاع بل كان لهم دور في الإصلاح الاجتماعي، والمثابرة في العلم والتحصيل.نشأ الشيخ يحيى في حجر والده خلفان بن جاعد الخروصي الذي تلقى عنه مبادئ العلوم الأولية من القراءة والكتابة، وواصل طلب العلم في الهجار على يد مشايخ عصره الذين كان يزخر بهم وادي بني خروص في تلك الفترة.في سنة 1240هـ يستشهد الشيخ خلفان بن جاعد مما دفع بالشيخ يحيى إلى الانتقال إلى ستال وفي 1260هـ ينتقل الشيخ إلى بلدة الوليجاء من العوابي.في 1262هـ يتوفى في زنجبار عم الشيخ يحيى وأستاذه الشيخ ناصر بن جاعد الخروصي.واصل العلامة يحيى الخروصي طلب العلم ومصاحبة المشايخ ونسخ الكتب حتى قامت دولة الإمام عزان بن قيس عام 1285هـ وكان عمر الشيخ يحيى يومها 58 سنة وكان له إسهام في تلك الإمامة سواء أكان حضوره للبيعة أو تولي القضاء أو تنظيم بيت المال وإدارة الأوقاف.وعند استشهاد الإمام عزان بن قيس في 1288هـ عقد الشيخ يحيى على الهجرة إلى زنجبار برفقة عدد من علماء عمان.عُني الشيخ يحيى في فترة وجوده عمان بنسخ واقتناء الكثير من الكتب، بل إنه يعد واحدا من ألم النساخ العمانيين في زمانه، فهذا الجهد العلمي الحثيث تفتح اكثر في بيئة زنجبار التي كانت مثالية للشيخ يحيى حيث كان السيد برغش من السلاطين الذين أولوا عنايتهم بالعلم والعلماء وقد قرب إليه الشيخ يحيى وعندما تأسست المطبعة السلطانية في 1297هـ على يد السيد برغش كان الشيخ يحيى من كبار المؤسسين لها، وفي المكتبة السلطانية عني الشيخ يحيى بطباعة عدد كبير من الكتب، منها كتاب قاموس الشريعة الذي بدأت طباعته في 1299هـ، كما أشرف على طباعة كتاب التفسير الشهير للعلامة بن يوسف أطفيش الذي بدأت طباعته في المكتبة السلطانية مطلع القرن الرابع عشر الهجري، وكتاب حاشية الترتيب للشيخ أبي يعقوب الوارجلاني، وكتاب تمهيد قواعد الإيمان للشيخ سعيد بن خلفان الخليلي، وكتاب الدعائم، وغير ذلك من المراسلات العلمية وتعليقاته على الكثير من الكتب التي نسخها في زنجبار، فلم يكن مجرد ناسخ بل يمارس معرفته مصححا ومعلقا على ما ينقله.في عام 1314هـ يعود الشيخ إلى وطنه وعمره سبعة وثمانون عاما إلى بيته في الوليجاء من العوابي واستمر في نسخ الكتب بل يكلف ويوظف النساخ لزيادة مقتنيات مكتبته التي ترك فيها نفائس الكتب المخطوطة والمطبوعة ويقدر الباحثون مقتنيات تلكم المكتبة بأربعة آلاف كتاب أوقفها لطلبة العلم.وقد ترك الشيخ ثروة علمية تمثلت في فتاويه ومراسلاته العديدة مع علماء عصره في عمان وخارجها، بجانب ثروته الأدبية من درر الشعر والنثر التي تحتاج إلى دراسات نقدية متخصصة لإظهار مكنوناتها وخفاياها. بجانب مشاركاته الاجتماعية والاصلاحية في مجتمعه سواء في عمان أو أثناء إقامته في زنجبار.في يوم الأربعاء 25 من ذي الحجة عام 1322هـ الموافق 29 فبراير 1905م وبعد صلاة المغرب انتقل الشيخ إلى جوار ربه عن خمسة وتسعين عاما أي بعد ثماني سنين من رجوعه من زنجبار ومازالت آثار الشيخ في النسخ والتأليف او تقريظه وعنايته بمطبوعات المطبعة السلطانية في زنجبار باقية إلى الآن موزعة على عدد من خزائن المطبوعات والمكتبات العمانية العامة والخاصة.