الفيلم الذي أهدى بطله ومخرجه الأوسكار
كتب – إيهاب حمدي:
يمثل فيلم "The Revenant" او العائد" ملحمة إنسانية تصور صراع الانسان والطبيعة من جهة، وصراع الانسان ضد الانسان من اجل البقاء من جهة أخرى.
فالفيلم الذى انتظره عشاق ليوناردو دي كابريو، والذي كثر حوله الحديث في الاعلام قبل اطلاقه للشاشات بسبب الشائعات يأخذنا الى عالم غريب نوعا ما عن شاشات العرض السينمائية الى منطقة جغرافية وفترة زمينة مختلفة عما تدور حوله اغلب الأفلام المعروضة في هذا التوقيت من العام.
فالفيلم الذي أهدي بطله ومخرجه الأوسكار، مقتبس من رواية بنفس الاسم لمايكل بنك، مستوحاة من حياة الصياد ساكن الحدود هيو جلاس، وما أدراك ما حياة الصياد على حدود فهناك في تلك الحياة تعرف المعني الحقيقي للحياة وكيف من الممكن ان يتصارع الانسان مع الوحوش ليحافظ على حياته، تلك الوحوش ليست بالضرورة حيوانات فتاكة.
العديد من المشاهد التي ستؤثر في أي شخص قد يشاهد هذه الملحمة مشاهد لن تسناها العين، من جمال الطبيعة الى مصارعة الدببة، ومن ابشع طرق للقتل الى الثلوج التي تكسو كل أحداث الفيلم، ومن لوعة أب يفقد ابنه أمام عينيه وهو غير قادر على ان يحرك بنت شفة الى عذاب سيدة هندية تُغتصب دون ان تستطيع حتى ان تبكي، مشاهد حقيقية مؤثرة وخلابة استطاع المخرج مع فريقه ببراعة إخراجها لنا.
بشاعة القتل هيو جلاس الذي يجسده ليوناردو دي كابريو هو صائد بري قبل أن ينهي رحلةً لصيد الفراء في الغابات، يتعرض مع رجاله لهجوم من قبل مقاتلي قبيلة اريكارا، إحدى قبائل السكان الأميركيين الأصليين.
في هذا الهجوم نرى ابشع أنواع القتل من الرمي بالسهم في العين والرأس الى قطع الرقاب، ومن الضرب على الظهر وكسر العظام الى غرس الخنجر في القلب في مشاهد تصور قسوة الهنود في قتل اعدائهم.
لكن ورغم تلك المذبحة العظيمة يتمكن 10 رجال من الفرار بحياتهم، من بينهم الكابتن هنري، وجلاس وابنه هوك (فورست جودلاك)، والصيادون جون فيتزجيرالد (توم هاردي) وجيم بريدجر (ويل بولتر). في طريق العودة أثناء سير الرجال عبر الغابات، يعثر جلاس على اثنين من صغار الدببة وأمّهم الغاضبة التي تتصارع مع هيو وتفتك به في مشهد من أفضل مشاهد الفيلم حيث نرى الدبة وهي تحاول قتله والتأكد من موته بالقفز صعوداً وهبوطاً على ظهره وتستطيع الدبة أن تمزق حنجرة جلاس؛ فيطعنها الأخير في الرقبة فيقعا معا من اعلى تلة حيث تسقط عليه بعد ان فعلت به الأفاعيل و تموت عليه.
يعثر الرجال على جلاس في حالةٍ يُرثى لها، فيدفع الكابتن هنري لفيتزجيرالد وبريدجر وهوك ليبقوا إلى جانب جلاس حتى يحين وقت دفنه المحتوم لأنه كان من افضل رجاله من ناحية، وتأكيداً لمعنى بقاء القيادة والإدارة بجانب موظفيها وتابعيها الى آخر لحظة.
قسوة الموت من اقسى مشاهد الفيلم حينما يحاول فيتزجيرالد أن يُعجِّل بقتل هيو جلاس؛ لكن هوك ابنه يحاول منعه، فيقتله فيتزجيرالد بدلاً من أبيه وسط عجز هيو عن فعل أي شيء لابنه الذي يُقتل أمامه بدم بارد بل ان فيتزجيرالد يقنع مرافقه بأنه لا فائدة من اصطحاب هيو معهم بعد ان أوهمه ان الهنود قادمون ويقرر دفنه حيا لكن رفيقه يرفض ذلك ويترك هيو حيا في حفرة و يترك معه زجاجة ماء ليشرب منها ان استطاع ذلك.
لكن الامل في انقاذ ابنه او الانتقام لموته هو ما جعل هيو يستطيع البقاء حيا بعد ان تركه الرفيقان ويستطيع ان يذهب الى مكان ولده المقتول لنرى تأثره على ابنه وعدم تمكنه حتى من دفنه لعجزه عن ذلك من ناحية ولاقتراب قدوم الهنود من ناحية أخرى فيزحف بعيداً على الثلوج تاركا خلفه فلذة كبده مقتولاً.

الأمل والانتقام
يبدأ هيو رحلة العودة او بالأحرى رحلة ملاحقة فريقه لأخذ ثأر ابنه من ناحية وصراعه لان يحيا في جو البرد القارص والثلوج من ناحية أخرى وعدم وجود ماء ومأكل فضلا عن عجزه من ناحية ثالثة.
يسير الرجل زاحفا الى ان يستطيع المشي لمسافة عشرات الكيلومترات يقابل فيها أناسا ويطارده أناس ويساعد امرأة هندية على الهروب ممن يغتصبونها بعد خطفها.
يشق بطن حصانه ويخرج احشاءه لينام داخل الحصان لمواجهة الصقيع والثلوج المتساقطة مرة ويكوى جرحه في رقبته بالبارود حتى يلتئم مرة أخرى.
يأكل اسماكا حية مرة وبقايا حيوان برى نافق مرة أخرى وكبد حيوان اخر مرة ثالثة، رحلة من المعاناة والألم استطاع دي كابريو ان يجسدها ورغم كل هذا لا ينسى ثأره من قاتل ابنه فهو يسعى باتجاه معسكر زملائه في الوقت الذى وصل فيه رفيقاه الى هناك وكذبا على القائد بشأنه وابنه.
الثأر يستطيع هيو ان يقترب من معسكر رفاقه ويستطيع رفاقه ان يجدوه حيا بعد ان اعتقدوا أنه أو أبنه مازال حيا حينما قبضوا على رجل يحمل قنينة ماء تخصه وأبنه، ليأخذوه ويعالجوه وتتكشف حقيقية تركه حيا وقتل ابنه على يد فيتزجيرالد الذي يهرب بمجرد ان يعلم بقدومه لكن هيو لا ينسى ثأره فقبل ان يتعافى جيدا يذهب ليتتبع فيتزجيرالد عبر الغابات ويستطيع الفتك به لكنه في النهاية يتركه لقلبية هندية كان قد أنقذ ابنتهم من الاغتصاب قبل ذلك وهو الامر الذي تحفظه له المرأة فتمنع أهلها من قتل هيو.
الفيلم هو بحق ملحمة من العذاب البشري من ناحية وملحمة بصرية لإبداع الطبيعة وجمالها من ناحية أخرى.
الا ان القسوة الشديدة سواء في القتل أو فيما يتعرض له البطل أو الاخرون هي السمة الغالبة على احداث الفيلم فالقسوة هنا تمتد من شظف العيش وعدم الشعور بالأمان الى ظروف البيئة الوعرة التي تصعب من عملية الحصول على قوت يوم.
إن المرء لا يسعه بعد ان يشاهد الفيلم الا أن يحمد الله انه ولد وعاش في ظل المدنية التي تحفظ الحقوق وتنفذ القانون بحيث تردع المخطئ المتجاوز وتعين المجتهد المصيب على حياة كريمة هادئة.
فيلم "The Revenant" او العائد" من اخراج أليخاندرو جونزاليز إيناريتو، وكتب السيناريو له مارك سميث، والفيلم ينتمي لنوعية أفلام المغامرة والدراما والغرب الأميركي، مدته (156) دقيقة، وقد حصل على تقييم (8.2) وفقاً لموقع imdb.com.