التنافس بين شركات الهند الشرقية الأوروبية في الخليج (1)تعتبر شركة الهند الشرقية الانجليزية أول شركة تجارية أوروبية يتم تأسيسها لخدمة المصالح الاستعمارية الانجليزية في الهند ومنطقة الخليج وذلك في عام 1600م، وبعد عامين تم تأسيس شركة الهند الشرقية الهولندية، أي في عام 1602، وبمرور الوقت حصلت هاتان الشركتان على امتيازات ملكية، فكانت الحكومات تتنازل لهما عن حق اعلان الحرب، وعقد المعاهدات مع الدول الآسيوية والأفريقية التي تقع في مناطق احتكارها، وبينما تركزت جهود شركة الهند الهولندية في جزر الهند الشرقية، انصرفت الشركة البريطانية إلى شبه القارة الهندية ذاتها، ولكن ذلك لم يمنع الشركتين من أن توسعا أعمالهما في جميع السواحل الواقعة على الطريق إلى مناطق امتيازاتهما.بينما تأسست شركة الهند الشرقية الفرنسية تأسست عام 1664م، وتعتبر آخر الشركات الأوروبية التي دخلت ميدان التنافس التجاري في بحار الشرق، وقد نجحت في تأسيس وكالات تجارية في سورات وبوندشيري في الهند، بالإضافة إلى جزيرتي موريشيوس وبوربون في المحيط الهندي، ودخلت في صراع مع شركة الهند الشرقية الإنجليزية، وواجهت الاندحار خلال حرب السنوات السبع ( 1756 – 1763) مما أدى إلى انهيارها بعد ذلك بسنوات قليلة، أي في عام 1769م، وكان من أسباب انهيارها افتقارها لأسطول بحري قادر على مقارعة الإنجليز، اضافة إلى انشغال فرنسا بحروبها المنتعددة في الجبهات الأوروبية.وق اعتمدت السياسة البرتغالية في منطقة الخليج على جمع الضرائب، في حين كان الهولنديون والبريطانيون يعتمدون في سياستهم الاقتصادية لشركاتهم التجارية في البداية على تهريب البضائع، وكان الفارق الأساسي الذي أدخله البرتغاليون على تجارة المنطقة، هو أن التجار العرب أصبحوا يتعاملون مع ممثلي أو وكلاء دولة عسكرية استعمارية تفرض هيمنتها بالقوة، وأن الأسعار محددة بالاتفاقيات الرسمية بين الدول، كما أن التجارة أصبحت مقننة بواسطة الحكومة البرتغالية دون أن تغير من واقع العلاقات الاقتصادية السياسية على المستوى المحلي.وإذا ما اعتبرنا سقوط هرمز ومسقط والبحرين تعبيراً عن الأزمة البنائية للاقتصاد التقليدي، وتجارة المضاربة التي مارسها العرب، فأن شركتي الهند الشرقية الهولندية والبريطانية كانتا وسيلتين أدخلت الخليج العربي في النظام الاقتصادي الرأسمالي الناشىء.وتثار التساؤلات عن أسباب تفوق شركتا الهند الشرقية الهولندية والبريطانية على بقية النشاط التجاري البرتغالي وكذلك الفرنسي، ومن ورائها نظامها العسكري الاستعماري بأسطولها البحري.ويشير المؤرخون أن ذلك قد يرجع إلى عدة أسباب: منها التنسيق بين نشاطات الدول الأوروبية الغربية، عن طريق هيمنة شركاتها التجارية والرأسمالية. بعدما ازدادت في التوسع الصناعي واحتياجاتها للمواد الأولية، حيث كان هناك ارتباط وعلاقة قوية ووثيقة بين شركات الهند الشرقية وحكوماتها الهولندية والبريطانية عن طريق التجار والوكلاء الذين كانوا بمثابة الرواد الأوائل للتجارة الرأسمالية، التي بدأت تتغلغل في بداياتها الأولى عن طريق الموانئ والمدن التجارية الساحلية، وهذا ما كان يفتقر إليه البرتغاليون، إضافة إلى عدم وجود نظام دقيق أو إنضباط في البحرية البرتغالية، وتكرر حوادث التمرد والخلافات بين الضباط والبحارة.أما السبب الذي أنهى التفوق البرتغالي فيرجع إلى ظهور قوتين بحريتين قويتين منافستين للبرتغالين في المحيط الهندي في أوائل القرن السابع عشر، وهما الأسطولان اللذان يتبعان شركتي الهند الشرقية الهولندية والبريطانية اللتين أجهزتا على النظام البرتغالي، إضافة إلى قوة الأسطول اليعربي العماني الذي لم يكتف بطرد البرتغالين من عمان والخليج العربي، وإنما استمر في ملاحقته في مستعمراته وأسطوله في شرق أفريقيا، وتوجيه ضربات قوية في القواعد البرتغالية الرئيسية في جوا نفسها في الهند، ولذا لم يحاول الهولنديون والبريطانيون الاصطدام بالأسطول اليعربي العماني، وهما في بداية دخولهما المنطقة.تميزت المنافسة الاستعمارية الهولندية والبريطانية بأنهما كانا أكثر إدراكاً للمصالح التجارية، وقد استطاعا أن يحظيا بمكانة أفضل عند دول المنطقة، ويلاحظ ذلك من خلال تنافس شركتي الهند الشرقية الهولندية والبريطانية في الخليج العربي، وخاصة في فارس.هناك سبب آخر، هو أن سياسة الشركات الهند الأوروبية مثل الهولندية والبريطانية والفرنسية في الفترة التي تلت انهيار السيطرة البرتغالية، لم تكن قائمة على سياسة الاحتكار التجاري العسكري كما كانت عليها سياسة البرتغاليين، وإنما طورت نفسها، واتبعت مختلف الأساليب للتنافس التجاري العسكري، كما كانت عليها سياسة البرتغاليين، وإنما طورت نفسها واتبعت مختلف الأساليب للتنافس التجاري، وانصرفت تلك الشركات الأوروبية إلى تأسيس مراكز تجارية لشركاتها، وإقامة قواعد عسكرية ساعدتها فيما بعد إلى استعمار أشد فتكاً من البرتغاليين.ومن المعروف تاريخيا أن شركات الهند الشرقية الأوروبية، انتهجت سياسة تهدف إلى الحصول على الربح بكفاءة عالية في توظيف رأس المالي والموارد الاقتصادية، ولم تكن هذه الظاهرة حكراً على أوروبا بعد القرن الخامس عشر، كما أن هذه الظاهرة عالمية قديمة لا ترتبط بالرأسمالية أو تختص بها، إذ أن تجارة المضاربة التي ازدهرت، بل كانت عماد الثروة التجارية الإسلامية العربية الأولى بين القرنين الثامن والحادي عشر، وخاصة تجارة "الحضارمة" في المحيط الهندي بين شرق أفريقيا وجنوب شرق آسيا والبحر الأحمر قامت على أسس رأسمالية واضحة.استطاعت بريطانيا أن تحسم الصراع الأوروبي الاقتصادي لصالحها، بعد أن هيمنت عليها الأرستقراطية التقليدية، ولم يشكل التجار أي ثقل أو البيروقراطية العسكرية التي كانت تتولى اتخاذ القرارات، ولكن المزأوجة الرأسمالية في الظروف التاريخية للقرن السابع عشر كان لها أثر بالغ في استيعابها للعالمين القديم والجديد.ولهذا فإن الأساطيل التجارية لشركتي الهند الشرقية الهولندية والبريطانية كانت تتم تحت حماية كاملة من الأساطيل الحربية التي كانت تمولها، والتي حققت نجاحاً بهزيمة البرتغاليين على الطرق التجارية البحرية في المنطقة، وكانت من نتيجتها سقوط هرمز وملقا، وأتبعت شركتي الهند الشرقية الهولندية والبريطانية في البداية نفس السياسة التجارية التقليدية، أي تجارة المضاربة من الوكلاء التابعين لهما، وكانتا قادرتين على أن تستدخلا تكاليف الحماية بسعر الكلفة بتمويل الأساطيل الحربية عن طريق طرف ثالث كسلطان أو شيخ أو ملك، كما كان يفعل البرتغاليون أيضاً في الوقت، الذي كان فيه تاجر المضاربة مضطراً إلى أن يدفع تكاليف الحماية في شكل ضرائب في كل ميناء ومحطة حسب تقلبات الأوضاع وجشع الحكام، ولم يكن البرتغاليون يقومون بالتجارة بأنفسهم، وإنما كانوا يكتفون بشحن البضائع إلى لشبونه على السفن عن طريق شركات حكومية وتحصيل الضرائب والرسوم من الموانىء التجارية. د. محمد بن حمد الشعيليباحث في التاريخ العماني [email protected]