إعداد : بدرية بنت محمد البدريةالفنون الشعبية العمانية جزء من التراث العماني غير المادي، وتختلف هذه الفنون من منطقة لأخرى ومن ولاية إلى أخرى في ذات المنطقة، فكما أن هناك فنونا خاصة بالبدو نجد فنوناً أخرى خاصة بأهل البحر وأخرى بأهل المناطق الداخلية، بعض الفنون كنت تُؤدى في أوقات الحرب لاستنهاض الهمم مثل الرزحة والعازي، وبعضها يُؤدي في رحلات جلب الرزق مثل الفنون البحرية أو التنقل من مكان لآخر مثل التغرودة، وبعضها لمجرد الترويح مثل فن الرواح وبعضها للتداوي مثل المكوارة ... الخ. تتميز الفنون الشعبية العمانية أنها وكما كان للرجال نصيبٌ كبير منها فإن للنساء نصيبا وافرا أيضاً مثل فن التشح شح في الظاهرة وفن الحمبورة في الشرقية واللويلية التي تتشارك بها محافظة الظاهرة مع ولاية منح في المنطقة الداخلية التي تميزت فنونها باستئثار الرجال لها. وكما أن هناك فنونا عُمانية أصيلة هناك أيضاً فنون انتشرت وأصبحت جزءا من التاريخ العماني نتيجة للسفر الدائم للنواخذة والبحارة العمانيين إلى بلاد أفريقيا وزنجبار للتجارة مما أدى إلى تمازج الثقافات والتعايش مع الآخرين.من هنا سوف نمضي للتعرف على هذه الفنون، حيث سنتحدث في كل مرة عن أحد هذه الفنون الشعبية، مركزين بشكلٍ أساسي على الأشعار المنظومة لها، ليتسنى للأجيال القادمة التعاطي مع الفن وكتابته لضمان استمراريته.(2) فن الرزحةهو الفن الأشهر من الفنون الشعبية العمانية، يُمارس في جميع مناطق السلطنة ما عدا المنطقة الجنوبية التي يقابله بها فن الهبّوت. يشارك في هذا الفن عدد كبير من الرجال وذلك في شكل صفوف متساوية يتقدمهم رجال يتبارزون بالسيوف والتروس. وكلمات هذا الفن عبارة عن مطارحات شعرية في الفخر والشجاعة والمدح والهجاء.ورغم تشابه هذا الفن في جميع المناطق والولايات، إلا أن الباحث يرى أن هناك بعض الفروقات البسيطة بين كل منطقة وأخرى، وحتى بين الولايات في المنطقة ذاتها.فن الرزحة من الفنون الخاصة بالرجال ولا تشارك به النساء إلا إذا كانت المناسبة التي تمضي إليها المسيرة مناسبة اجتماعية يُسمح للنساء بالمشاركة، مثل التهنئة بمولد جديد، أو بختان أو عرس، وتسير به النساء ومعها الأطفال ــ صبية وبنات ــ بعد آخر صف من صفوف الرجال، في مؤخرة الهمبل أو المسيرة.*الأصل اللغوي لكلمة الرزحة:كلمة الرزحة مُشتقّة من الفعل رَزَحَ، يقال: رزح فلانُ بالرمحِ رزْحاً أي زجَّهَ به، قال خالد بن كلثوم: كانوا يستقبلون أَعداءهم إِذا أَرادوا الصلح بأَزجة الرماح؛ فإِذا أَجابوا إِلى الصلح، وإِلا قلبوا الأَسنة وقاتلوهم، والأزجّة هنا هي نصل السيف أو الرمح أو السهم وهي التي يُمسكُ منها.وزَجَّ بالشيء من يده يَزُجُّ زَجّاً: رمى به، والزَّجُّ: رميك بالشيء تَزُجُّ به عن نفسك، وهذا ما يحدث في فن الرزحة، إذ يتم رفع السيوف ورميها للأعلى، كما يتم التقاتل الصوري التمثيلي فيأخذ الرازح دور المهاجم تارة والمدافع تارة أخرى.ويمكن أيضاً أن تكون الرزحة سميت بهذا الاسم من الفعل رَزَحَ أي سقط من الإعياء والتعب، لأن الرجال المتبارزون بالسيف يرزحون تحت أثقال سيوفهم. لأن كل متبارز يتحمل ثقل سيفه ويقفز عاليا في الهواء ليهبط واقفا على قدميه.*أنواع الرزحة:1. الهمبل:هو المسيرة الغنائية التي ينتقل بها الرجال ذاهبين إلى مكان انعقاد الرزحة أو منصرفين منها. وهي إيقاع ثنائي سريع، يتقدم الهمبل الرجال من حملة السيوف والبنادق، ويتصدر الهمبل طبالان: أحدهما يضرب الطبل الكاسر، والآخر الرحماني، وقد يكون معهما نافخ في البرغام( وهو من الآت النفخ الموسيقية التقليدية تشبه البوق) يطلق صيحات متقطعة تنبَه أهل القبيلة أو العشيرة وتدعوهم للانضمام إلى الهمبل، ويسير الطبّالان ووجهاهما متجهان إلى الأمام مثل بقية أفراد المسيرة وقد يلتفان ليواجها صفوف الهمبل فتكون مشيتهما إلى الخلف. ويكون المشاركون في الهمبل صفوفاً مستعرضة متراصة تتكون من عدد صغير من الأفراد في كل منها، وتتوالى هذه الصفوف بأن يحمل كل فرد منهم بندقيته أو سيفه مشرعاً في الهواء في وضع مائل إلى الأمام، ويتقدم الهمبل في خطى سريعة ثابتة تتوافق وسرعة الإيقاع، وتنم عن الشجاعة والإقدام.ومن أمثلة شعر الهمبل هذه الشلة في الفخر وهي على البحر البسيط:حنا بروج المخايـــــل ~~ والرعـــــود الجويـــــةتشـهـد لنــا القبايـــــــل ~~ يـــوم حــل اللجيـــــــة2. القصافي:تؤدى القصافية في صفين متقابلين، يقوم ضاربوا آلات الإيقاع بالحركة بين الصفين، ويتبادل الصفان الغناء بشلة شعر واحدة يرددها الصفان على التوالي. الأصل في القصافية أن يكون لها طبلان، الكاسر والرحماني، غير أن ذلك لا ينطبق على كل المناطق ففي ولايات المنطقة الداخلية يشترك فيها أكثر من طبلين، تصل في بعض الولايات إلى أربعة طبول، وقد تكون هذه الطبول جميعها من نوع الرحماني فقط.القصافية رزحة سريعة الإيقاع، يبدأ بها لقاء الرزحة، الشعر فيها قصير البحر والتفعيلة، وأغراضه عادة ما تكون في الفخر والمدح، والشجاعة والإقدام، وقد تكون في النصح والإرشاد.ومن أمثلة شعر القصافي، هذه الشلة وهي من تابعة لبحر البسيط أيضاً ببعض الجوازات:أول سلامي على الديره ~~ وانتو عليكـــم سلام اللهالحصن نــاشل بناديره ~~ خسران لي يخون عهد اللهاللال العود:هي رزحة الكبار من الزافنين(الرازحين/المتبارزين) بالسيف، وهي كذلك رزحة كبار الشعراء يتطارحون بها الشعر في المدح والفخر والأحاجي والألغاز.الإيقاع في رزحة اللال العود ثلاثي وئيد يتميز بالوقار لينسجم وحركة المشاركين فيها. يُدقّ طبل الرزحة فيجتمع الرجال. يُلقِّن الشاعر أحد الصفين المتقابلين نص الشلة شعراً ونغماً بعد تنغيم كلمة (( لال )). ومن الأمثلة عليه هذا البيت على بحر الحِدا(الرجز):انتوا صراي الديره وكعام العدا ... وبْشوفكم يفرح فوادي وْخاطريعموماً فإن كل أنواع الرزحة تبدأ بترديد جماعي للمقطع التالي:يي لالي يي لالي يي لالييي لالي يي لالي يي لاليي لالي يي لالي يي لالييي لالي يي لالي يي لالوالمقطع ذاته يردد بين كل فقرة وفقرة من القصيدة التي يؤديها الشاعر.*نهج القصيدة في فن الرزحة:الأبيات في هذا الفن في الشعر الفصيح تكتب على "البحر البسيط" مستفعلن فاعلن مستفعلن فعْلنْ.هناك بعض القصائد المكتوبة على بحر الرجز/الحِدا (مستفعلن مستفعلن )كما أن البعض يكتبها على البحر المديد (فاعلاتن فاعلن فاعلاتن)***وفي محاولة مني لكتابة هذا الفن أو الأدب الشعبي العماني القديم جاءت هذه الأبيات:سمّيت بسْم الله وْمشيت ~~ أبغي الرخا بعْد السلامتسبقني الخطوه وْنصيت ~~ أرضٍ بها ناسٍ كِرامبعد العنا ضعني رخيت ~~ بربوعها طاب المقاميا باغي الحقّ انْ بغيت ~~ اسمع ترى مسك الختام***لو يوم بعْمان انْتخيت ~~ هبّ الصّبي مثل السهامبرجالها عزمٍ لقيت ~~ كلْ عوجْ بيديها اسْتقامأفعالها ما هي بـ(ليت) ~~ لا هي من اتْباع الكلاممن صدْقها المعنى خذيت ~~ من جودها غار الغمام***قابوس بالنعمى هنيت ~~ والعزّ لك والمجْد داملعْمان أيامك هديت ~~ واهْديتها فعْل العِظاممن بعْد ما قلت وْمضيت ~~ تبني الوطن بالاهتمامخير الجِزا عنا جزيت ~~ يا قايد الحبْ والسّلام** المراجع:1. موقع منتديات جعلان بني بو حسن.2. موقع الباحث العربي / معجم عربي.3. منتديات ستار تايمز.4. منتديات المدارس العمانية.5. سبلة العرب.6. المنتدى التربوي.7. قاموس معاجم اللغة/ معجم اللغة العربية.