عن أم سلمة ـ رضي الله عنها ـ قالت:(كانت عامة وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم الصلاة الصلاة وما ملكت أيمانكم) حتى جعل يجلجلها في صدره وما يفيض بها لسانه وجاء في مشكل الآثار للطحاوي هذا التأويل وكان ما في هذا الحديث من ضم رسول الله (صلى الله عليه وسلم) في وصيته ما ملكت الأيمان إلى الصلاة وتوكيد الأمر في ذلك على الناس ما قد دل على وجوبها الوجوب الذي لا يسع التقصير عنه ولا يكمل الإيمان إلا به وكن هل الصلاة حركات وأفعال وأقوال ليس فيها خشوع؟ سنعلم ذلك من الآيات القرآنية الكريمة ومن تفسير المفسرين وتأويل العلماء قال الله تعالى:(سيماهم في وجوههم) (الفتح ـ 29)، قال مجاهد: الخشوع في الصلاة وكان العلماء إذا قام أحدهم إلى الصلاة هاب الرحمن عز وجل أن يشذ نظره أو يلتفت أو يقلب الحصى أو يعبث بشيء أو يحدث نفسه بشيء من الدنيا إلا ناسياً مادام في الصلاة فأول ما يحاسب العبد يوم القيامة عن الصلاة فالصلاة إحدى دعائم الفلاح وفي ذلك ورد قول الله تبارك وتعالى في سورة الأعلى (قد أفلح من تزكى، وذكر اسم ربه فصلى). وقال علماء اللغة: إن قد إذا دخلت على الفعل الماضي تفيد التحقيق وإذا دخلت على الفعل المضارع تفيد التقليل مثل قد ينجح المهمل والمعني قد ينجح وقد لا ينجح وهنا دخلت على الفعل الماضي (قد أفلح المؤمنون، الذين هم في صلاتهم خاشعون)، (الذين هم في صلاتهم خاشعون) اختلف الصحابة والتابعين في معنى الخشوع فقد ذكر في تفسير البغوي أن ابن عباس قال خاشعون: أي مخبتون أذلاء وقال الحسن خائفون وقال مقاتل متواضعون، وقال مجاهد: هو غض البصر وخفض الصوت والخشوع قريب من الخضوع إلا أن الخضوع في البدن والخشوع في القلب والبدن والبصر والصوت قال الله عز وجل:(وخشعت الأصوات للرحمن) (طه ـ 108)، وقال الإمام علي ـ كرم الله وجهه: هو أن لا يلتفت يميناً ولا شمالاً، وقال سعيد بن جبير هو أن لا يعرف من على يمينه ولا من على يساره ولا يلتفت وعن السيدة عائشة أم المؤمنين ـ رضي الله عنها ـ قالت: سألت رسول الله (صلى الله عليه وسلم) عن الالتفات في الصلاة فقال:(هو اختلاس يختلسه الشيطان من صلاة العبد) ـ أخرجه البخاري، وعن أبي ذر عن النبي (صلى الله عليه وسلم) قال:(لا يزال الله مقبلا على العبد ما كان في صلاته ما لم يلتفت فإذا التفت اعرض عنه) ـ أخرجه أبو داود.وقال عمرو بن دينار الخشوع هو السكون وحسن الهيئة، وقال غيره: هو أن لا ترفع بصرك عن موضع سجودك وقيل كان أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يرفعون أبصارهم إلى السماء في الصلاة فلما نزل:(الذين هم في صلاتهم خاشعون) رموا بأبصارهم إلى مواضع السجود، وقال النبي (صلى الله عليه وسلم):(ما بال أقوام يرفعون أبصارهم إلى السماء في صلاتهم فاشتد قوله في ذلك حتى قال لينتهن عن ذلك أو لتخطفن أبصارهم) ـ أخرجه البخاري، وقال عطاء: الخشوع هو أن لا تعبث بشيء من جسدك في الصلاة، وروي أن النبي (صلى الله عليه وسلم) أبصر رجلاً يعبث بلحيته في الصلاة فقال:(لو خشع قلب هذا لخشعت جوارحه) ـ أخرجه الترمذي، وقيل: الخشوع في الصلاة هو جمع الهمة والإعراض عما سواها والتدبر فيما يجري على لسانه من القراءة والذكر.والصلاة ذات الخشوع عاصم من الانحراف واقتراف المعاصي وفي ذلك يقول الله تبارك وتعالى:(إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر) (العنكبوت ـ 45)، ويقول (صلى الله عليه وسلم):(من لم تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر لم تزده من الله إلا بعداً) ـ رواية ابن مسعود، وفي رواية أخرى:(ولم يزدد بها من الله إلا مقتاً)، والصلاة مناجاة فكيف تكون المناجاة مع الغفلة والصلاة أكبر عون للمصلي على تحمل الصعاب والانتصار على جميع المواقف الحرجة وفي ذلك ورد قول الله تعالى:(يا أيها الذين آمنوا استعينوا بالصبر والصلاة إن الله مع الصابرين) (البقرة ـ 153). ولما كانت الصلاة بهذه الأهمية وفي هذه المنزلة العظمى نرى القرآن الكريم يأمر بإقامتها والمحافظة عليها في كثير من النصوص مثل قوله تعالى:(فأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة واعتصموا بالله هو مولاكم فنعم المولى ونعم النصير) (الحج ـ 78)، والمقصود من الأمر بإقامة الصلاة هو أداؤها كاملة بما لها من شروط وأركان وسنن في خشوع وثبات والنبي (صلى الله تعالى عليه وسلم) كان يأمر أصحابه بالاقتداء به في الصلاة فيقول:(صلوا كما رأيتموني أصلي)، فالمصلي إذا لم يكن خاشعاً وخاضعاً لله تعالى في صلاته فإنه لم يحسن صلاته ولم يؤدها على الوجه الأكمل والصلاة ذات الخشوع تكون سبباً في مغفرة الذنوب، يقول النبي (صلى الله عليه وسلم):(من صلى ركعتين لم يحدث نفسه فيهما بشيء من الدنيا غفر له ما تقدم من ذنبه) ـ رواه الشيخان.من هذا كله علمنا أنه لا بد من الخشوع والخضوع والذل بين يدي الله تعالى حتى يتقبلها الله تعالى منا، وقد روي عن الله سبحانه وتعالى في الكتب السالفة أنه قال :(ليس كل مصل أتقبل صلاته إنما أتقبل صلاة من تواضع لعظمتي ولم يتكبر على عبادي وأطعم الفقير والجائع لوجهي) فإذا لم يكن في قلبك لله الذي هو المقصود والمبتغى عظمة وهيبة فما قيمة ذكرك؟.هذا والله تعالى أعلى وأعلم.أنس فرج محمد فرج