الإيمان هو الأصل وهو الأساس الذي يخرج منه التطبيق العملي من عبادة ومعاملة وآداب وتقوى وأخلاق، وكذا يكون الأساس الذي يرتكز عليه الحكيم في تفرع شجرة حكمته، فإن كان الإيمان صحيحًا سليمًا كانت الثمار مفيدة تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها، وإن كان الإيمان مشوّشًا كانت الثمار فاسدة اجتث عرقها من تحت الأرض مالها من قرار، ويعني ذلك أن الإيمان هو ما تيرع منه الحكمة والخير والقيم والتقوى والهداية.
وكلمة الإيمان مأخوذة من المصدر (أَمِنَ)، ولهذا المصدر ثلاثة معانٍ: الأمان: وهو نقيض الخوف، والفزع، ومكمنه الاطمئنان النفسي. والأمانة: هي نقيض الخيانة ومكمنها الاطمئنان السلوكي. والتصديق: وهو نقيض التكذيب، ومكمنه الاطمئنان القلبي.
والإيمان يشمل هذه المعاني الثلاثة، فالتصديق القلبي بوجود الله ينتج عنه الأمان النفسي الذي يبثه الله عز وجل في قلب المؤمن فيصيره مهتديًا، قال الله تبارك وتعالى:(الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ) (الأنعام ـ 82)، ولكي يحصل المسلم الحكيم على الأمن عليه أن يكون إيمانه عادلًا لم يلبسه بظلم، بلا (شرك أو كفر أو فسق)، ولكي يكون إيمانه عادلًا عليه أن يؤدي الأمانة سلوكيًا، وتلك الأمانة هي التي أمّنه الله تعالى عليها من قوله:(إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا) (الأحزاب ـ 72)، والأمانة في الآية بمعنى إقامة الدين الإسلامي بكل شعائره من توحيد الله في عبادته وفي أسمائه وصفاته، وتحقيق أداء الصلاة والزكاة وتطبيق الحكمة والأخلاق والآداب.. وغيرها من الطاعات والفضائل والبعد عما ينقض ذلك من الغفلة والجهل والجحود والكفر ناهيك عما ينتج عنها من فواحش ورذائل.
إذن الإيمان هو التصديق بالقلب وأداء الأمانة في السلوك وانعكاس الأمان على النفس وهذا هو الحكمة المرادة. ولكي أؤمن إيمانًا صحيحًا وأمنح نفسي منزلة الطمأنينة عليّ أن أتطهّر من كل ما يخالف معاني الإيمان الثلاثة:(التصديق بوجود الله وأداء الأمانة وما ينتج عنهما وهو الأمن) كما ذكرنا، فإن نقصت واحدة من هذه، يؤدي نقصها إلى اختلال الإيمان وبالتالي إلى زوال الطمأنينة، فيكون الناقض إما ملحدًا أو عاصيًا أو منافقًا، فالملحد: الذي لا يصدق بوجود الله ولم يؤدي الأمانة، وزالت عن نفسه الطمأنينة، والعاصي: الذي يصدق بوجود الله ولم يؤدي الأمانة، وزالت عن نفسه الطمأنينة، والمنافق: الذي لا يصدق بوجود الله وأدى الأمانة، وزالت عن نفسه الطمأنينة.
سامي السيابي
كاتب عماني