يحتاجُ العالَمُ الآن وقَبْلَ أيِّ وقتٍ مضى تعريفًا شاملًا ومُحدَّدًا للإرهاب، ثمَّ وضْعَ قواعدَ وقوانينَ دوليَّة تُعاقب مرتكِب تلك الجريمة الشَّنعاء، دُونَ انتظارِ موقفٍ مُسيَّس من مجلس الأمن الدّولي، يحمي المُجرِم ويُساوي بَيْنَ الضحيَّة والجلَّاد، خصوصًا إنْ كانَ مُرتكِب جُرمِ الإرهاب الكيان الصهيوني المارق، المَحمِي من دوَلٍ قامتْ بغزوِ دوَلٍ بذريعةِ الإرهاب، لكنَّها تُبرِّر جرائم إرهابيَّة لا يختلفُ عَلَيْها عاقلان، إذا ارتكبَتْها دَولة الاحتلال الصهيوني. ألَيْسَ اغتيال إسماعيل هنيَّة رئيس المكتب السياسي لحركة «حماس» انتهاكًا لسيادةِ دَولةٍ عضوٍ في المنظومة الدوليَّة، وقتلُ أحَدِ ضيوفِها السياسيِّين إرهابًا؟ ألَمْ يكُنِ اغتيالُ الشَّهيد هنيَّة عملًا إرهابيًّا يحاولُ مرتكبُه بثَّ الرُّعبِ في نفوسِ المناضِلِين، يُضاف إلى جرائم الإرهاب والحرب والتَّطهير العِرقي الجارية فصولُها على أرض فلسطين بقِطاع غزَّة تحديدًا والَّتي أوقعَتْ أكثر من (٤٠) ألفَ شهيدٍ مُعْظمهم أطفال ونساء؟ إنَّ عمليَّة اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركةِ «حماس» القائد إسماعيل هنيَّة، تُعَدُّ جريمةً بشعةً وفعلًا جبانًا، لا يُمكِن السُّكوت عَلَيْه، ولا أنْ يمُرَّ دُونَ عقابٍ، حتَّى لا يتمادَى المُجرمُ أيًّا كان في جرائمه. فاغتيال هنيَّة في الأراضي الإيرانيَّة في هذا التَّوقيت يختلفُ عن أيِّ فعلٍ إجرامي، أو حماقةٍ ارتُكبتْ قَبْلَ ذلك، خصوصًا في ظلِّ الاختلالات الَّتي تشهدها المنطقة والعالَم.
إذا كان أعداء فلسطين والشَّعب الفلسطيني يعتقدون أنَّهم بهذه الجريمة البشعة قد نالوا منه ومن مقاومته، فَهُمْ مخطئون وواهمون، ذلك أنَّ سياسة الاغتيالات لم ولن تُجديَ الأعداء نفعًا لكسر إرادة الشَّعب الفلسطيني في طريق نَيْلِ حقوقه الوطنيَّة في الحُرِّيَّة والاستقلال، خصوصًا مع تجارب سابقة من سياسة الاغتيالات لقادةِ المقاومة مِثل الشَّهيد ياسر عرفات والشَّهيد أحمد ياسين، وعبد العزيز الرنتيسي، أبو جهاد، وغيرهم مَن سنعجز عن ذكرِهم، ولم تؤثِّرْ تلك الجرائم على قوَّة وعزيمة أبناء فلسطين في سعْيِهم نَحْوَ استعادة حقوقهم المشروعة. وعلى النَّقيضِ، فكُلَّما تمادَى كيان الإرهاب الصهيوني ومَن معه من أعداء الشَّعب الفلسطيني وقضيَّته العادلة في جرائمهم، زادَ الإصرار والعزم الفلسطيني، واستولدت تلك الجرائم أجيالًا أشدَّ قوَّة وصلابة في هدفهم النَّبيل، والشَّعب الفلسطيني كُلُّه إسماعيل هنيَّة والشقاقي وأحمد ياسين والقسَّام والقائمة طويلة من أسماء النِّضال الَّتي قدَّمت أرواحها فداءً للقدس والأقصى ولفلسطين.
ومن المؤكَّد أنَّ مَسيرةَ النِّضال هذه تحتاج في الأساس إلى الإصرار على التَّكاتف والتَّآزر والوحدة في هذه المرحلة، وتعزيز الصُّمود والتصدِّي للاحتلال، ورفض كافَّة المؤامرات التَّصفويَّة للقضيَّة الفلسطينيَّة النَّبيلة، والحفاظ على الوحدة السياسيَّة والجغرافيَّة بَيْنَ قِطاع غزَّة والضفَّة الغربيَّة، بما في ذلك القدس؛ باعتبارها وحدة سياسيَّة وكيانيَّة واحدة، ستُعزِّز النِّضال وتدعمه، وتؤرِّق كيانات الإرهاب، وهذا ما يجِبُ أنْ يؤمنَ به كُلُّ فلسطيني ويعمل به ومِن أجْلِه. فجريمة اغتيال إسماعيل هنيَّة لن تفتَّ في عضد الشَّعب الفلسطيني ومقاومته الباسلة، إنَّهم في رباط.