الأحد 08 سبتمبر 2024 م - 4 ربيع الأول 1446 هـ
أخبار عاجلة

في العمق : هل ستنجح الوصفات الست لوزارة العمل بشأن تنظيم سوق العمل؟

في العمق : هل ستنجح الوصفات الست لوزارة العمل بشأن تنظيم سوق العمل؟
السبت - 27 يوليو 2024 04:53 م

د.رجب بن علي العويسي

80

أعلنت وزارة العمل بتاريخ (24/‏7/‏ 2024) في بيانٍ لها عن حزمةٍ من القرارات الَّتي تهدف إلى تنظيم سُوق العمل بما يُمكِّن العُمانيِّين من الالتحاق بالمِهَن والوظائف المناسبة، حيث تضمَّنت (6) قرارات يتمُّ العمل بها مع بداية شهر سبتمبر لعام 2024. ومع التقدير للجهود الوطنيَّة المبذولة في سبيل الحدِّ من تداعيات ملف التوظيف والتشغيل والتسريح على المشهد الوطني، فإنَّني أرجو أن يضيفَ هذا البيان مسارًا عمليًّا في المسألة، لا أن يكُونَ تكرارًا لسلسلة الإجراءات الَّتي أعلنتها الوزارة في فترات سابقة، ويُسهم في ضبطِ وتوجيهِ بوصلة سُوق العمل واحتواء ملف الباحثين عن عمل بشكلٍ خاصٍّ في ظلِّ الارتفاع الحاصل في أعداد الباحثين عن عمل الَّذي باتَ يُشكِّل تحدِّيًا أمام تحقيق مستهدفات رؤية عُمان 2040. لذلك سوف أتناول الموضوع من خلال الموجِّهات الآتية:

أوَّلًا: مع الاعتراف بأنَّ وجود هذه الإجراءات قد يُسهم بشكلٍ إيجابي؛ إن وجدت جديَّة الاهتمام بالعمل بها من جميع مؤسَّسات الجهاز الإداري للدَّولة المَدَنيَّة والأمنيَّة والعسكريَّة والشَّركات الحكوميَّة، ووجدت أدوات الرقابة الصَّارمة وموجِّهات المتابعة بالتنفيذ، وركَّزت عمليَّات التفتيش على الاستفادة من كُلِّ الثَّغرات السَّابقة في تنفيذ هذه التوجُّهات، وبالتَّالي تشخيص حقيقي للمُشْكلة يتجاوز الشكليَّات، مع تقييمٍ واقعي للتحدِّيات والأسباب والمُسبِّبات الَّتي تقف حجرَ عثرةٍ في تحقيق هذه الطموحات في ظلِّ مبادرات سابقة أعلنت فيها وزارة العمل عن قائمة من الأنشطة المحظورة على الاستثمار الأجنبي مزاولتها والَّتي تجاوزت ما يزيد على (207) أنشطة ليضيفَ إِلَيْها (30) من المِهن والوظائف الَّتي ستُعلن عَنْها الوزارة رقمًا جديدًا في أعداد هذه المِهن؛ ذلك أنَّ من شأن هذا التشخيص العملي والوقوف على المُبرِّرات والمُسبِّبات والتحدِّيات أن يوفِّرَ معالجات نوعيَّة وواقعيَّة ويقطعَ كُلَّ الحجج والتكهُّنات الَّتي يُبرِّر بها القِطاع الخاصُّ طريقة تعاطيهِ مع التعمين، لذلك ستظلُّ هذه المِهن شاغرةً ليس لعدمِ وجود الكفاءة العُمانيَّة أو الكادر الوطني الَّذي يقوم عَلَيْها؛ بل لكونها لا تُعبِّر عن اختيارٍ مِهني صائب، ولا تقدِّم للمخرجات الوطنيَّة الفرص المهنيَّة المحفِّزة، سواء من حيث الأجور أو الحوافز والممكنات. كما أنَّ مراجعة قرار رسوم تصاريح العمل بما يضْمَن تحفيز منشآت القِطاع الخاصِّ الملتزمة بِنِسَبِ التعمين ومضاعفة الرسوم على المنشآت غير الملتزمة، يُمكِن وصفُه بالسَّهل الممتنع، فالمسألة اليقينيَّة بأنَّ هذا البند سيُشكِّل العصا السحريَّة في منظومة سُوق العمل والقِطاع الخاصِّ، أمْرٌ لا يُمكِن الجزم به؛ والسَّبب ببساطة لأنَّ البنية الاقتصاديَّة لهذه الشَّركات الَّتي تتَّجه إِلَيْها قرارات التطبيق ستكُونُ من غير الشركات الأهليَّة المعروفة، بل للمؤسَّسات الصَّغيرة والمتوسِّطة وريادة الأعمال الَّتي لا تمتلك الممكنات الماليَّة والمحفِّزات الَّتي تحافظ على استقرار القوى العاملة الوطنيَّة، بل إنَّ توجُّهَ القوى العاملة الوطنيَّة إِلَيْها يكاد يكُونُ قليلًا؛ نظرًا لعدم امتلاكها مساحة القوَّة النَّاعمة في تحقيق مُحفِّزات المال والتدريب والتسويق للكفاءة الوطنيَّة العاملة بها، بل قد تكُونُ مُهدَّدة في أيِّ وقتٍ بالتسريح.

ثانيًا: ما يتعلَّق بسُوق العمل ذاته في ظلِّ حالة الركود الاقتصادي الَّذي تعيشه البلاد، وغياب المُحفِّزات الاقتصاديَّة للمواطن الَّتي توفِّر له فرصًا أكبر لتحريكِ السُّوق وتنشيطه ـ ومِنْها الجمعيَّات التعاونيَّة ـ وضمان قدرة السُّوق على الانطلاقة في توجيه توجُّهاته ومبادراته، وفي الوقت نَفْسِه وفي ظلِّ الاهتمام والتركيز على الاستثمارات الأجنبيَّة والَّتي نتوقع بوجود جملةٍ من الشُّروط والضَّوابط الَّتي تُحدِّد دَوْر الشركاء، خصوصًا فيما يتعلق باستيعاب القوى العاملة الوطنيَّة، وما يظهر لنَا من أنَّ التوجُّهَ نَحْوَ الاستثمار الخارجي والأجنبي باتَ يُقلِّل من فرص استيعاب القوى العاملة الوطنيَّة؛ لكونه يعطي الحقَّ للشركات والمستثمرين في استقدم القوى العاملة غير العُمانيَّة في إطار التشجيع للاستثمار الأجنبي، فالقِطاع الخاصُّ عَلَيْه أن ينتجَ الوظائف المستدامة الَّتي تستوعب المخرجات، والمشهد الحالي في عدم قدرته على تحقيق هذه الوظيفة بأنَّه باتَ أحَد الأسباب الَّتي أدَّت إلى تراجع استيعاب القِطاع الخاصِّ للقوى العاملة العُمانيَّة، وفي الوقت نَفْسه أسهمَ في رفع أعداد القوى العاملة غير العُمانيَّة، وما يظهر من ارتفاع أعداد المُسرَّحين العُمانيِّين من القِطاع الخاصِّ، في ظلِّ سيطرة الوافدين على المِهن الأساسيَّة والهندسيَّة والعُليا ومنظومات التشغيل والإنتاج في القِطاع الخاصِّ والأهلي، كُلُّ ذلك وغيره باتَ يؤثِّر سلبًا في كفاءة تحقيق هذه التوَجُّهات في ظلِّ غياب التشريعات الواضحة الَّتي تلزم القِطاع الخاصَّ والشركات بتحقيقِ نِسَبِ التعمين أو إلزام الشركات ومؤسَّسات القِطاع الخاصِّ بذلك.

والسؤال الَّذي يطرح نَفْسَه: كيف يُمكِن تحقيق هذه الطموحات على أرض الواقع؟

إنَّ تحقيق هذه القرارات واقعًا ملموسًا يستدعي اليوم تبنِّي سياسات وطنيَّة ناضجة في إعادة هيكلة سُوق العمل وتنظيمه وضبطه وتحريكه بالشَّكل الَّذي يحتفظ بدرجة عاليَّة من المرونة والكفاءة في استيعاب القوى العاملة الوطنيَّة من مخرجات الدبلوم العام والتعليم الجامعي، وإنَّ من بَيْنِ الموجِّهات الَّتي نؤكِّد على أهمِّيتها في تحقيق انطلاقة متوازنة مستدامة لسُوق العمل الوطني؛ إعادة إنتاج النموذج الاقتصادي القائم على توطين الصِّناعات والتوسُّع في بنية المصانع من خلال تعظيم المهارات، وتنشيط حركة المعرفة والمحتوى المِهني والتِّقني في بيئات التعلُّم ومناهج التعليم ورفع مستوى إدماج المفاهيم الاقتصاديَّة والخبرات والتجارب العمليَّة في سبيل بناء مواطن قادر على التكيُّف مع مستجدَّات الواقع الاقتصادي ويترك بصمة حضور له في انتعاش الاقتصاد الوطني ليصبحَ اقتصاد المصانع الطريق الأمثل لصناعةِ القوَّة الاقتصاديَّة ونُمو الوظائف في القِطاع الخاصِّ، والَّذي يتَّجه نَحْوَ توطين الصِّناعة التحويليَّة من خلال إعادة تدوير المواد الخام داخليًّا والتقليل من سلاسل التوريد، الأمْرُ الَّذي سيُسهم بِدَوْره في تشغيل المواطنين واستيعاب أكبر قدرٍ ممكن من مخرجات التعليم من القوى العاملة الوطنيَّة الماهرة وشِبه الماهرة والَّتي تُشكِّل النِّسبة الأكبر من حاجة المصانع إِلَيْها؛ أمَّا الموَجِّه الأساسي الآخر في حلحلة المُشْكلة فهو بالاتِّجاه نَحْوَ الإحلال ـ أي إحلال القوى العاملة الوطنيَّة محلَّ القوى العاملة الوافدة بشكلٍ تدريجي ـ خصوصًا في المِهن الهندسيَّة والإنتاجيَّة والتشغيليَّة الأصيلة ذات العائد المادِّي والمالي الوفير؛ باعتباره الطريق الأنسبَ لاستيعاب القوى العاملة الوطنيَّة، ذلك أنَّ سُوق العمل في ظلِّ المعطيات الاقتصاديَّة الحاليَّة غير قادر على توليد فرص عمل بما يتناسب مع أعداد الباحثين عن عمل الَّذي يتزايد بصورةٍ مستمرَّة؛ بسبب تزايد المخرجات السنويَّة للتعليم، ويبقى دَوْر الحكومة في ضبط هذا المسار وإعادة هيكلة منظومة الإحلال وفرضها في واقع العمل الوطني بقوَّة القانون مع توجيه الاهتمام بإلزام الشركات والمستثمرين بتدريب أعداد كبيرة من العُمانيِّين في قِطاعاتهم. أخيرًا، فإنَّ سياسة فرض العُماني على الشركات من أجْلِ الحدِّ من ارتفاع أعداد الباحثين عن عمل لا يتمُّ بقرارات تختزل واقع سُوق العمل، في ظلِّ مرحلة باتتْ تتَّجه للمنْعِ والتقنين غير المدروس ولا تُقدِّم خيارات واسعة وبدائل واضحة لحلِّ المُشْكلة أو تمنح المواطن فرصًا أوسع لإنتاج الحلول، وتوسيع خيارات العمل الحُر والرِّيادة. فالقِطاع الخاصُّ يعاني اليوم من ضمور وتدنٍّ في الفرص المُتحقِّقة، وتحقيق هذا الأمر يجِبُ أن يكُونَ وفق ممكنات الإحلال التدريجي والمستدام الَّذي يجِبُ أن تشتركَ فيها كُلُّ الجهات المعنيَّة بالمدخلات والمخرجات، لذلك فإنَّ هذه الإجراءات والحلول المقتضبة قد لا تحمل جديدًا، وقد لا تُحقِّق التوقُّعات، أو قد تكُونُ الاستجابة فيها غير واعدة، كما أنَّ التزام مؤسَّسات الجهاز الإداري للدَّولة بحاجةٍ إلى صدقِ نيَّة وثقة وإرادة تستشعر المسؤوليَّة الوطنيَّة في تحقيق ذلك، مع وضوح المسار التشريعي وأدوات الرقابة والضبطيَّة والإجراءات القَبْليَّة والبَعديَّة المُتَّخذة من قِبل الجهات الرقابيَّة بهذا الشَّأن ومدى جاهزيَّة سُلطة وزارة العمل على هذه الشركات، كُلُّ ذلك وغيره سيكُونُ التحدِّي القادم الَّذي يجِبُ أن يجدَ معالجة جادَّة للوصولِ إلى تحقيق متوازن في المسار، وعندها يُمكِن أن تصبحَ الوصفات السِّت، مساحة أمان ونافذة أمل واعدة، يُمكِن أن يقرأَ فيها المواطن انفراجًا للموضوع وآفاقًا أوسع لاحتواء الشَّباب الباحث عن عمل والمُسرَّح من عمله.

د.رجب بن علي العويسي