الأحد 08 سبتمبر 2024 م - 4 ربيع الأول 1446 هـ
أخبار عاجلة

«الإصلاح كيف تنجو الأمم وتزدهر فـي عالم يتداعى» «1ـ2»

«الإصلاح كيف تنجو الأمم وتزدهر فـي عالم يتداعى» «1ـ2»
السبت - 27 يوليو 2024 04:50 م

سعود بن علي الحارثي

20

«الإصلاح» هذا المصطلح ـ الوصفة السحريَّة المعتمدة، تنظيرًا وتسويفًا وترويجًا، أو تطبيقًا عمليًّا يمارسه المُصلِحون والأنظمة الرَّشيدة؛ لمعالجةِ الأزمات والمُشْكلات والتخلُّف والفقر ومعاناة الإنسان وتفكيك مافيا الفساد ولوبيات النُّفوذ السياسي الَّتي تهيمن على تلابيب الدوَل فتنهكها سياسيًّا واقتصاديًّا وأمنيًّا واجتماعيًّا... هل تستطيع أن تُحدثَ تحوُّلًا نهضويًّا ينقل بلدًا ما، إلى عالَم التقدُّم والنُّمو الاقتصادي والازدهار والرَّخاء المعيشي ويقضي على حُكم الانتقال والنِّظام المتسلِّط والحاكم الدكتاتوري ومافيا الفساد وفساد السياسة والأحزاب...؟ مُعْظم الدوَل الَّتي حدَثت في بنيتها السياسيَّة والاقتصاديَّة تحوُّلات نقلَتْها من عصر التخلُّف إلى عالَم التقدُّم الشَّامل والازدهار الاقتصادي... بدأت بإصلاح منظومتها السياسيَّة والتعليميَّة وقِطاعاتها الاقتصاديَّة آخذة مَسيرة التطوُّر والرُّقيِّ والنَّماء والتفوُّق والإسهام في الحضارة الإنسانيَّة، وفي القائمة عشرات الدوَل في آسيا وإفريقيا وأميركا اللاتينيَّة الَّتي تناولت تجاربها في عددٍ من المقالات الَّتي نُشرت خلال الأعوام الماضية، كالصين وكوريا وماليزيا وتركيا وسنغافورة ورواندا... والإصلاح لكَيْ يحقِّقَ أهدافه، لا بُدَّ له من قيادة وطنيَّة كفؤة رشيدة، تمتلك الإرادة والعزيمة والصَّلابة وحُب الوطن والشَّغف والرَّغبة في التغيير، الَّتي تُشكِّل اللَّبنات الأولى لانطلاقةِ نهضةٍ تنمويَّة واقتصاديَّة تُحدِث تبدُّلًا إلى الأفضل في هيكلة الدَّولة، وبناها التحتيَّة وازدهارها العمراني ورخائها المعيشي... كِتاب «الإصلاح كيف تنجو الأُمم وتزدهر في عالَم يتداعى»، لـ»جوناثان تيبيرمان» الصَّادر عن سلسلة «عالَم المعرفة»، بالكويت، يدعو إلى التفاؤل على ضوء «قصص النَّجاح»، الَّتي يَعرضها، مستمدَّة من تجربة وقراءات ومتابعة الكاتب نَفْسِه، هو كِتاب يعرِّفه كاتبه بأنَّه «يحمل أنباءً سارَّة، حيث يتناول مجموعة قصص النَّجاح الَّتي جمعت على مدار عدَّة سنوات قضاها مسافرًا حَوْلَ العالَم بحثًا عن حلولٍ للمُشْكلات الكبيرة في وقتنا الحالي، وعن القادة الَّذين أماطوا اللِّثام عَنْها. وسوف يَعرضها في الفصول العشرة» للكِتاب، كما سيأخذ القارئ في «جولة في مختبرات هؤلاء القادة، والَّتي كانت لبعض البُلدان الأكثر نجاحًا على هذا الكوكب... وقد قصد بهذا الكِتاب بأن يكُونَ شهادة على قدرة النَّاس على تحقيق النَّجاح...». تمهيدًا أو تهيئة لمحفِّزات التفاؤل الَّتي تُمثِّل المقصد الأبرز لمحتوى الدراسة النَّفيسة. عدَّد «جوناثان تيبيرمان» في البدء، عشرات المُشْكلات الَّتي يعاني مِنْها الإنسان، في مختلف بُلدان العالَم، مِثل الإرهاب الَّذي يذهب الأبرياء ضحيَّة له، والفقر وضعف الدخول وتلاشي المدَّخرات، وشُحِّ الوظائف والتسريح وارتفاع قِيمة الخدمات والسِّلع الأساسيَّة والفساد... ما يُعمِّق من مشاعر الإحباط والتشاؤم، ففي أميركا، على سبيل المثال، يعاني ما نسبته «47 في المئة» من العجز عن «تغطية نفقات الطوارئ البالغة (400) دولار فقط». فيما يعتقد «72 في المئة» بأنَّهم «في حالة ركود»، ويرى «رُبع الأميركيين فقط أنَّ بلادهم تَسير في الاتِّجاه الصَّحيح». توقَّف كِتاب «الإصلاح» في محطَّات تاريخيَّة تأرجح فيها العالَم، بَيْنَ تحقيق النُّمو والازدهار وتراجُع مُشْكلات الإنسان، ومستويات الفقر... ونُشوء واتِّساع الأزمات الماليَّة والجوائح والحروب وانتشار خطر المنظَّمات الإرهابيَّة وتفاقم مُشْكلات البَشَر من جديدٍ في دَوْرات تقلُّب طبيعيَّة يمرُّ بها العالَم، عارضًا عشرات الأمثلة الَّتي تسند هذه الحقائق. الخطوة الأولى لمعالجةِ المُشْكلات تتحقَّق فقط، عندما «نفهمها بتعمُّق»، فجميع «المُشْكلات يُمكِن حلُّها على عكس ما يقوله المتشائمون، وليس ذلك من النَّاحية النظريَّة فقط». أمام كُلِّ جهد إصلاحي وبرامج وخطط للنُّهوض وتحقيق التقدُّم والنُّمو والازدهار، تقف معيقات وتحدِّيات كثيرة، يسردها «جوناثان تيبيرمان» من واقع خبرته وتخصُّصه، في الآتي:

• «اللامساواة»، وينظر إِلَيْها الكاتب كـ»ناتج ثانوي لا مفرَّ مِنْه للرأسماليَّة»، بالرّغم من أنَّها هي الَّتي «تُعزِّز الفساد، وتُديم الفقر، وتُثير الاضطرابات الشَّعبيَّة، وتَزيد من كراهيَّة الأجانب، وتُعمِّق حالة اليأس، وتُقوِّض ثقة النَّاس بالديمقراطيَّة والأسواق الحُرَّة...»، وهذا ما تُظهره المؤشِّرات والملامح في كُلِّ بقعة من بقاع العالَم، «ففي الولايات المُتَّحدة يحصل أغنى (20) في المئة من السكَّان الآن على نصف إجمالي الدَّخل السَّنوي، ويمتلك الـ(10) في المئة الأكثر ثراء أكثر من ثلاثة أرباع ثروة البلاد. وبعبارة أخرى أقل تجريديَّة، يكسب الآن (25) من كبار مديري صناديق التحوُّط في الولايات المُتَّحدة أكثر ممَّا يحصل عَلَيْه (158) ألفَ معلِّم رياض أطفال في البلاد مُجتمعين، وتضاعف عدد الأميركيِّين الَّذين يعيشون في فقرٍ مُدقع «أي على دولاريْنِ أو أقلَّ في اليوم» في العَقْدَيْنِ الماضيَيْنِ».

• «الهجرة»، وهي حالة إنسانيَّة طبيعيَّة وقديمة، ولكنَّها تضاعفت ونمَتْ بشكلٍ كببر في الحاضر؛ بسببِ الفقرِ والبؤس والعنف والحروب والتهجير القسري، «ففي صَيْف 2015، أصبح التدفُّق المزري للاجئين الفارِّين من الفقر والفوضى في الشرق الأوسط وإفريقيا كما الطوفان، ممَّا يُعَدُّ أكبر هجرة جماعيَّة من هذا القبيل منذ الحرب العالَميَّة الثانية. واتَّجه مُعْظم المهاجرين إلى أوروبا...». فعمَّقت اللامساواة والتعصُّب وأحدَثت خلخلة في بنية المُجتمعات الثقافيَّة والفكريَّة والاجتماعيَّة والاقتصاديَّة... وستكُونُ لها انعكاسات خطيرة في المستقبل.

• «التطرُّف الإسلامي»، وهو مُشْكل يضعُه القارئ الفَطِن، أمام علامات استفهام، حَوْلَ غاية ونيَّة الكاتب، في ربطِه الإسلام بالتطرُّف، الَّذي يُمارس اليوم بأشكالٍ وصيَغ مُتعدِّدة، ومن قِبل جماعات وأفراد ينتمون إلى مذاهب وعقائد وأعراق ودوَل كثيرة، ولا ينحصر على المنتمين إلى الإسلام فقط.

• «الحروب الأهليَّة» والَّتي يتجلَّى مشهدها وتتبدَّى انعكاساتها الكارثيَّة وعُنفها المُفرط ـ على سبيل المثال ـ في منطقتنا العربيَّة خلال هذه الفترة الزمنيَّة الحرجة.

• «الفساد»، الَّذي يَعدُّه الكاتب سلاحًا ذا حدين، فهو «سبب ونتيجة لكثير من المُشْكلات، وهو نتاج اليأس، والحكَّام منعدمي الضَّمير، والتعليم البدائي، والافتقار إلى القِيَم المشتركة، ويقوِّض الفساد أركان الحُكم، ويهدم ثقة المواطنين بقادتهم...».

• «لعنة الموارد»، ففي البلدان الفقيرة الَّتي تُكتشف فيها الموارد والثروات الطبيعيَّة فجأةً، ويتدفق المال، ينتُج عَنْها الفِتن وظهور مافيات الفساد وهيمنة فئة المصالح الصغيرة على الموارد، في حين تعاني أغلبيَّة المواطنين من الفقر، «ففي زامبيا ونيجيريا المُصدِّرتيْنِ الرئيستَيْنِ للموارد، ارتفع الفقر بشكلٍ كبير في كلا البلدَيْنِ، والأحوال كانت أسوأ في غينيا الاستوائيَّة الغنيَّة بالنفط...».

• «الطاقة»، حيث تقف «هيمنة شركات الطَّاقة المملوكة للدوَل، والمُشْكلات البنيويَّة المختلفة، والسياسات المُضلِّلة، والأنظمة القانونيَّة غير الودودة، وغياب أسواق رأس المال الصحيحة... عقبة في طريق» الاستفادة القصوى من عوائد الطَّاقة.

• «فخُّ الدَّخل المتوسِّط»، عندما يصبح من الصَّعب «استدامة النُّمو على فترات طويلة»، حيث تعثَّرَ الكثير من الدوَل عن المحافظة على قوَّة اقتصادها «فيما يُسمِّيه الاقتصاديون بفخِّ الدَّخل المتوسِّط».

• آخر تلك المعيقات، «العراقيل السياسيَّة»، وذلك «عندما تتشوش الحكومات عن طريق التحزُّب والمنافسات الشخصيَّة والمصالح الخاصَّة وتتوقَّف عن أداء مسؤوليَّاتها الحقيقيَّة...» «يتبع».

سعود بن علي الحارثي