الأحد 08 سبتمبر 2024 م - 4 ربيع الأول 1446 هـ
أخبار عاجلة

سحابة «درونز»

سحابة «درونز»
الأربعاء - 24 يوليو 2024 05:21 م

جودة مرسي

20

منذُ ما يقارب الخمس سنوات وتحديدًا في التاسع عشر من أغسطس العام 2019 كتبتُ في هذه الزَّاوية مقالًا عن طائرات «الدرونز» وعنونتُ المقال «سحابة درونز»، وكان في حينها التَّأثير المُدمِّر لهذه الطَّائرات في بعض المناطق من الشَّرق الأوسط محلَّ تساؤلٍ وبحثٍ عن إمكانيَّة صناعتها في بعض الدوَل لتكلفتِها الزَّهيدة مقابل أدوات القتال الحربيَّة الأخرى الَّتي تدرَّبت عَلَيْها الجيوش، خصوصًا وأنَّ هذه الطَّائرة البُدونِ طيَّار لهَا من المميِّزات ما لا يتوافر في الأسلحة الشَّبيهة لهَا والَّتي مِنْها الطيران بارتفاعات منخفضة، والهروب من القبَّة الحديديَّة أو رصد الرَّادارات، بالإضافة لاستغنائها عن قيادة شخصٍ تُصرَف على تدريبه الملايين، وقد ارتبطت صناعة هذه الطَّائرات بعدد من الدوَل، خصوصًا إيران وتركيا والصين وبريطانيا وروسيا وأميركا وأجادت في صناعة العديد من الأنواع مِنْها: MQ-9 Reaper الأميركيَّة، «بيرقدار أقنجي التركيَّة، سلسلة طائرات أبابيل الإيرانيَّة (أبابيل2) و(أبابيل3) وغيرها من الأنواع الأخرى.

خلال الأسبوع المنقضي اهتمَّت وسائل الإعلام العالَميَّة ـ وخصوصًا العربيَّة ـ بحركة السَّماء فوق فلسطين المُحتلَّة، وتحديدًا في عاصمة دَولة الاحتلال العنصري الغاشم المُسمَّاة «تل أبيب»، وكان الاهتمام لا يرتبط بالمظاهرات الحاشدة المطالِبة بعزْلِ أو استقالة حكومة «النتنياهو»، أو بحالةِ الطَّقس والسُّحب والرِّياح والمرتفعات والمنخفضات الجويَّة، لكنَّ الاهتمام يرتبط بسحابة متحرِّكة تُمثِّلها طائرة تجاوزت القبَّة الحديديَّة للكيان المحتلِّ و»ضحكت واستغفلت» راداراته، خصوصًا وأنَّه لم يكُنْ هناك استعداد أميركي أو بريطاني أو حتَّى من الأصدقاء في المنطقة للمسارعة في إنقاذ الكيان المحتلِّ وإسقاط هذه الطائرة، في الوقت نَفْسِه الَّذي تمترَسَتْ فيه قوَّات الدِّفاع الجوِّي للعدوِّ الصهيوني عاجزةً عن إفشال الهدف في مسعاه، فتحقَّق المُراد وشاهدنا انفجارًا في «تل أبيب» ومقتل وإصابة بعض الأشخاص، وهذا ما لم يحدُثْ منذُ زمنٍ أن نرى عاصمة الكيان المحتلِّ تحت القصفِ والقتل والإصابات. هذا ما فعلَتْه الدرونز اليمنيَّة ردًّا على انتهاكات ومجازر العدوِّ الصهيوني ضدَّ أبناء غزَّة العزَّة، عُزَّل السِّلاح والأكل والماء والدواء وحتَّى الالتحاف بهدوء ما قَبل الموت والاستشهاد. ولم تهتم القيادة في اليمن الَّتي أمَرت هذه الدرونز بعواقب الانتقام الصهيوني على أرضها، هي تعْلَمُ جيِّدًا أنَّه سيردُّ وأنَّ لدَيْه من الإمكانات الحربيَّة ما تساعده في ردٍّ قاسٍ لإنقاذ حمرة وجْهِه للمُصيبة الَّتي حلَّت به بعد قذف «تل أبيب» خصوصًا وأنَّها أشدُّ الخطوط الحمراء لدى الكيان؛ لِمَا لهَا من أهميَّة إعلاميَّة وسياسيَّة واقتصاديَّة وهَيْبة زالت وسيزول ما بقي مِنْها بإذن الله.

إنَّ سحابة الدرونز الَّتي أحدثت فوق «تل أبيب» تذكِّرنا بسحابة درونز الَّتي أطلقتها إيران على الكيان المحتلِّ منذُ شهور قليلة، ممَّا يعني أنَّ المجال الجوِّي للكيان أصبحَ متاحًا بفضلِ «الدرونز»، وهذا له دلالات خطيرة على المنطقة لِمَن يريد إشعال المواقف في المنطقة والَّتي حتمًا ستؤدِّي في النِّهاية إلى صراع إقليمي تغذِّيه حروب للعديد من الأطراف، خصوصًا وأنَّ الكيان المحتلَّ دائمًا ما يُشير بأصابع الاتِّهام صوب أطرافٍ تساعد المقاومة الباسلة، ويحمِّلها مسؤوليَّة إطلاق هذه الطَّائرات، بَيْنَما تختبئ هي تحت كومة من الأعمال الإجراميَّة ضدَّ أهالي غزَّة. إنَّه من المؤكَّد أنَّ «سحابة الدرونز» انتشرت وأخذت في الانتشار في المنطقة، وخصوصًا في السَّماء العربيَّة. وبالمتابعة والتنظير، نؤكِّد أنَّ سكوت العالَم على جرائم حرب الإبادة الَّتي تتمُّ في غزَّة مع الشَّعب الفلسطيني، ستدفع المنطقة وهذه الطَّائرات المُسيَّرة «الدرونز» لتطلق دُونَ معرفة مصدرها، فقط ستدمِّر ما تسقط فوق رأسه، ومع ربط الحقائق بالتوقُّعات والاستنتاجات، والبحث والتقصِّي عن أصحاب المصلحة في دخول المنطقة في دوَّامة من «الدرونز» وأنَّ صاحب المصلحة الحقيقي سيتوارى خلف عدوٍّ مصطنع، بعد أن يكُونَ قتل ويقتل ويبيد أبناء غزَّة، وسوف يستغل حالات الانشقاق والخلافات الموجودة بَيْنَ دوَل المنطقة لإشعال فتيل الأزمات بَيْنَها. وتقوم هي بدكِّ المنازل والأحياء السكنيَّة جهارًا نهارًا تحت الوصاية الدوليَّة.

جودة مرسي

من أسرة تحرير «الوطن »