الأحد 08 سبتمبر 2024 م - 4 ربيع الأول 1446 هـ
أخبار عاجلة

من يحرك جماعات الإرهاب؟

الأربعاء - 24 يوليو 2024 05:20 م

د.أحمد مصطفى أحمد

50

منذُ أعلن التَّحالف الدّولي ضدَّ «داعش» القضاء على التنظيم الإرهابي في 2019 لم يعلن إلَّا عن بعض هجمات إرهابيَّة متفرِّقة للتنظيم، أغْلَبُها في دوَل أو ضدَّ مصالح قوى لا ترضَى عَنْها الولايات المُتَّحدة والغرب بما فيه الاحتلال الصهيوني في فلسطين. ولعلَّ الهجوم على جمهور حفلٍ موسيقي خارج موسكو قَبل شهرَيْنِ الَّذي قُتل فيه حوالي مئة وخمسين شخصًا كان أعنف ما نُسب إلى التنظيم الإرهابي منذُ ذلك الحين. ونالت روسيا منذُ بداية حرب أوكرانيا نصيبًا مُهمًّا من الهجمات الإرهابيَّة القليلة الَّتي نُسبت إلى «داعش»، بالإضافة طبعًا إلى سوريا والعراق ولبنان وبعض الدوَل الإفريقيَّة. ورغم الإنشاء الخِطابي ولَغو الحديث المتكرِّر من التنظيم، وأمثاله من الجماعات الإرهابيَّة الَّتي خرجت في أغلبِها من عباءة تنظيم إسلامي مِثل القاعدة وغيرها، ضدَّ الولايات المُتَّحدة والغرب، إلَّا أنَّنا لم نشهدْ استهدافًا من تلك الجماعات الإرهابيَّة لمصالح أميركيَّة أو غربيَّة. بل إنَّه بمراجعة هجمات تلك التنظيمات الإرهابيَّة، خصوصًا داعش، نجد أنَّ ضحاياهم من المُسلِمين أكثر من ضحاياهم من غيرهم.

لستُ من أنصار نظريَّات المؤامرة دائمًا؛ باعتبارها الحلَّ السَّهل المُريح لِمَن لا يُريد أن يتعبَ نَفْسَه في فَهْمِ مُجريات الأمور والبحثِ عن المعلومات وتدقيقها والاجتهاد في استخلاص النَّتائج. لكن ذلك لا يعني أنَّ ما يوصف من قِبل البعض بأنَّه «نظريَّة مؤامرة» لا يحمل في بعض الأحيان ظلالًا للحقيقة والواقع. فلننظر ببساطة إلى بعض الحقائق الَّتي يصعب ألَّا تكُونَ مرتبطة ببعضها ويُمكِن أن تؤديَ إلى استنتاجات قد لا تبتعد عمَّا هو منطقي فعلًا. كُلُّ الجماعات الإرهابيَّة الَّتي تتسربل بشعارات الإسلام ظلمًا وزورًا لا تتوقف عن حديث العداء لأميركا و»إسرائيل». لكن منذُ اندلعت الحرب الإجراميَّة على الفلسطينيِّين في غزَّة والضفَّة قَبل نَحْوَ عشرة أشْهُر لم نسمعْ عن أيِّ عملٍ من جانب تلك الجماعات دعمًا للفلسطينيِّين. بل على العكس، كانت عمليَّاتهم في الأغلب ـ عمدًا أو بتقاطع المصالح ـ دعمًا لعدوِّهم وللأميركيِّين والغرب الَّذي يمدُّ الاحتلال بالسِّلاح والمساعدات ليرتكبَ مجازره في غزَّة وغيرها. ليس ذلك من قبيل المصادفة بالتَّأكيد، خصوصًا وأنَّ الإرهابيِّين لم يتوقفوا عن هجماتهم هُنَا وهناك خصوصًا تنظيم «داعش».

لا ضررَ أيضًا من العودة بضع سنوات إلى منتصف العقدِ الماضي حين كان تنظيم «داعش» الإرهابي يسيطر على أجزاء من العراق وسوريا. مَن كان يسوِّق له النفط والعراقي والسوري الَّذي ينهبُه من حقول في المناطق الَّتي احتلَّها؟ ألَمْ تكُنْ شركات غربيَّة؟ وقد حوكمت شركة فرنسيَّة كبرى، هي شركة «لافارج» وأدينت بتمويل التنظيم من خلال دفع الملايين له وإن برَّرت ذلك بأنَّه لحماية أعمالها في المنطقة. وربَّما يجد مَن يستطيع أن يبحثَ في تفاصيل عمليَّات مشبوهة وسريَّة كيف كان التنظيم الإرهابي يحصل على المال والسِّلاح وغيره، أحيانًا من الأميركيين في المنطقة الَّذين يسقطون ما وصف بمساعدات جويَّة على مناطق ظاهرها مساعدة المَدَنيِّين الخاضعين لحُكم الإرهابيِّين، ثمَّ ينتهي بها المطاف في أيدي الميليشيَّات الإرهابيَّة ويُعلن الأميركيون أنَّ ذلك حدَث بالخطأ. والتَّفاصيل المعروفة وغير المعلنة لا تُعَدُّ ولا تُحصى. ثمَّ إنَّه في عزِّ الحرب في سوريا كانت كُلُّ تلك الجماعات الإرهابيَّة، والَّتي كانت توصف من قِبل أميركا والغرب بأنَّها (مقاومة)، تلقَّت الدَّعم المباشر وغير المباشر من الغرب و»إسرائيل». بل إنَّ بعض جرحَى تلك الميليشيَّات في المناطق القريبة من حدود فلسطين المُحتلَّة كانوا يعالجون لدى الاحتلال.

قد تفهم تلك «التَّقاطعات» على أنَّها تلاقي مصالح في ظروف معيَّنة وأنَّها ليست «دعمًا استراتيجيًّا»، وإنما «تعاون تكتيكي» فقط. وهذا ما يذكُره البعض حَوْلَ تأسيس تنظيم القاعدة، ضِمْنَ ما سُمِّي بجماعات «المجاهدين» في أفغانستان ضدَّ الاحتلال السوفييتي وقتها. فقد كانت الولايات المُتَّحدة المسؤولة بالأساس عن ذلك، وبتمويلٍ من بعض حلفائها في المنطقة وبحملات تجنيد في دوَل ينشط فيها تنظيم إسلامي معروف في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. يخلص هؤلاء المنظِّرون إلى أنَّ ذلك تغيَّر بعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر عام ألفين وواحد على نيويورك. وبِغَضِّ النَّظر عن مدى صحَّة تلك التحليلات، ودُونَ لجوءٍ إلى كثير من تفسيرات نظريَّات المؤامرة، يصعب تصوُّر أنَّ كُلَّ هذه الجماعات الإرهابيَّة تتحرك بعيدًا ـ على الأقل ـ عن «تأثير» أميركا والغرب والاحتلال الصهيوني. لعلَّ ما ذكره المرشَّح نائبًا للرئيس على بطاقة الحزب الجمهوري مع دونالد ترامب، جيه دي فانس، عن حليف أميركا الاستراتيجي بريطانيا بأنَّها «دَولة إسلاميَّة تمتلك بالفعل سلاحًا نوويًّا» كاشفًا رغم شعبويَّة وتضليل الخِطاب السياسي لترامب وأتباعه. فبريطانيا من أوَّل من دعمَ ذلك التطرُّف بعلاقتها بتنظيم إسلامي في مصر أثناء احتلالها لها في النِّصف الأوَّل من القرن الماضي.

لن يكُونَ مفاجئًا على الإطلاق إذا تصاعدت هجمات «داعش» وأمثاله في سوريا ولبنان، خصوصًا إذا شنَّ الاحتلال الصهيوني حربًا على لبنان كما يتوعَّد. وربَّما نشهد نشاطًا إرهابيًّا أكبر لتلك المجموعات الَّتي أعلنت أميركا وحلفاؤها أنَّها قضت عَلَيْهم بنهاية العقد الماضي في أماكن أخرى من العراق إلى اليمن. ولن يكُونَ ذلك سوى دعم لـ»إسرائيل» ومَن يقفون وراءها من أميركا إلى بريطانيا وبقيَّة الغربيِّين ـ أو لِنقُلْ «تقاطع مصالح» على الأقلِّ بَيْنَ الإرهاب والاحتلال ومَن يدعمونهما.

د.أحمد مصطفى أحمد

كاتب صحفي مصري