أصبح عُموم النَّاس والمُجتمعات يُمثِّلون أطرافًا فاعلة وشركاء في عمليَّات مكافحة الإرهاب والتطرُّف العنيف، في وقتٍ يقوم فيه التماسُك الاجتماعي والتلاحم الوطني بتعزيز التعبئة الجماعيَّة لمكافحة الإرهاب وقدرة المُجتمع على الاستعداد لمختلفِ الظروف والاستجابة لها، والتكيُّف معها كما أنَّ الاعتراف بأنَّ التعاون مع المُجتمعات أساسي لتوفير أمنٍ فعَّال أدَّى إلى تطوير مقاربات الشُّرطة المُجتمعيَّة وقد تبَيَّنَ أنَّ ثقة المُجتمعات في عمل الشُّرطة والأجهزة الأمنيَّة عنصر أساسي في منع التطرُّف العنيف ومكافحة الإرهاب.
الكثير من المُجتمعات الغربيَّة بدأت تركِّز بشكلٍ أساسي على تعزيز الشراكة بَيْنَ مؤسَّسات الدَّولة ذات العلاقة بمكافحة الإرهاب والأفراد العاديِّين لمواجهةِ التَّهديدات الإرهابيَّة وحالات التطرُّف والعنف، وهو ما أسماه نيك فون بالمواطن رجُل المباحث، في إشارة إلى قيام الدَّولة بتشجيع الأفراد على الاضطلاع بأدوارٍ أكبر وأكثر إيجابيَّة في مكافحة الإرهاب، كما أدَّى الاعتراف بأنَّ التعاون مع المُجتمعات أساسي لتوفير أمنٍ فعَّال إلى تطوير المقاربات الأمنيَّة والشرطيَّة المُجتمعيَّة وقد تبَيَّنَ أنَّ ثقة المُجتمعات في عمل الأجهزة المعنيَّة بمكافحة الإرهاب والتطرُّف أساسي في منع التطرُّف العنيف؛ باعتبارهم أوَّل المُستجيبِين لحالات العنف في مُجتمع ما.
يرتبط التماسُك الاجتماعي بشكلٍ مباشر بتعزيز التعبئة العامَّة الجماعيَّة لمكافحة الإرهاب، وقدرة ذلك المُجتمع على الاستعداد للظروف المضادَّة والاستجابة لها والتكيُّف معها عَبْرَ تقاسم المشاكل، وإنتاج حلول بشكلٍ جماعي، والاستعداد للأخطار المتوقَّعة والتكيُّف مع الظروف المتغيِّرة والتَّعافي بسرعة مع الاضطرابات العامَّة.
قدرة المُجتمع وتكيُّفه مع الأوضاع والظروف والأزمات غير المعتادة يُمكِن أن يضعفَ الأهداف المراد تحقيقها من وراء العمليَّات الإرهابيَّة والعنف والتطرُّف كمحاولات ومساعي التنظيمات المتطرِّفة والإرهابيَّة إلى إضعاف تماسُك المُجتمع، وإدخاله في مواجهة مع حكومته ونظامه السياسي، وإضعاف ثقته بمؤسَّسات الدَّولة المعنيَّة، وهو أمْرٌ خطير جدًّا في مِثل هذا النَّوْع من الأزمات والكوارث الإرهابيَّة.
على ضوء ذلك، فإنَّه يجِبُ على الأجهزة المعنيَّة بمكافحة الإرهاب والتطرُّف العنيف ألَّا تقتصرَ على إِعلام المواطنين بعمليَّاتها الهادفة إلى مقاومة الإرهاب والعنف والتطرُّف، بل يتعيَّن عَلَيْها إرساء آليَّات فعَّالة للتبادُل الحقيقي للمعلومات والثِّقة مع المواطنين حَوْلَ الوقاية من الإرهاب ومقاومة العنف والتطرُّف، بالإضافة إلى أهميَّة إعداد الأفراد والمُجتمع، وتعزيز قدراتهم النَّفْسيَّة والسلوكيَّة على التغلُّب على آثار وانعكاسات الإرهاب والتطرُّف بشكلٍ مسبق، مع ضرورة الاهتمام بمسألة سِريَّة وحماية الشهود والمُبلِّغين في مِثل هذه القضايا.
باختصار، بقدر ما يزداد تماسُك المُجتمع بقدر ما تنخفض نسبة الآثار والتَّبعات النَّاتجة عن العمليَّات الإرهابيَّة والتطرُّف والعنف، لذا باتَ الأفراد والمُجتمع جزءًا لا يتجزَّأ من البرامج الاستباقيَّة الخاصَّة بمكافحة الإرهاب؛ بهدف تحمُّل آثار وتبعات العمليَّات الإرهابيَّة والتطرُّف والعنف، كما يجِبُ إشراك المُجتمعات والخبراء المَدَنيِّين في تصميم وتنفيذ الأنشطة الخاصَّة بمكافحة جرائم الإرهاب.
ملاحظة: لمزيدٍ من الاطِّلاع والمعرفة حَوْلَ السِّياق السَّابق أرجو الاطِّلاع على كِتاب المؤشِّر صفر (دراسة استشرافيَّة لمستقبل الإرهاب والتنظيمات الإرهابيَّة في البيئة الوطنيَّة العُمانيَّة)، وكِتاب (مكافحة الإرهاب الدفاعيَّة: نَحْوَ إدارة استباقيَّة للتهديدات والمخاطر الإرهابيَّة الموَجَّهة لتدميرِ البنية الحسَّاسة للدوَل)، بالإضافة إلى دراسة: أهميَّة التعبئة العامَّة وإعداد الأفراد والمُجتمع للتَّخفيف من آثار العمليَّات الإرهابيَّة.
محمد بن سعيد الفطيسي
باحث في الشؤون السياسية والعلاقات الدولية
رئيس تحرير مجلة السياسي – المعهد العربي للبحوث والدراسات الاستراتيجية
MSHD999 @