السبت 27 يوليو 2024 م - 21 محرم 1446 هـ

المنخل الزائف وملوثات التسريب

المنخل الزائف وملوثات التسريب
الأربعاء - 15 مايو 2024 05:28 م

عادل سعد

20

هل يصح مصطلح الدعاة الإعلاميين المأجورين بشأن مَن يتحولون إلى منخلٍ لتمريرِ أخبار ومعلومات مزيَّفة لا طائل تحتها؟

لي هنا أن أتوخَّى الإجابة من خلال مزاعمهم، أنهم في قلبِ المشهد، ولهم حظوة في متابعة الأحداث، بل الأسوأ، حين يعتقدون أنَّ ذلك يُعزِّز مجالات نفوذهم ويجيِّرون ما يمرُّ من خلالهم بتعليقات تنبئ عن سذاجة معرفية واضحة، أو انحياز للتشويهِ، أو بكلا الموقفين.

•المنخل بالتوصيف العام، طبق دائري مشبك بثقوب صغيرة جدًّا لفرزِ الدَّقيقِ من النخالة عَبْرَ عملية التنخيل. وهناك فَرق بين المنخل والغربال الذي تكُونُ ثقوبه أوسع ويستخدم لفرزِ الحبوب بأنواعها وأحجامها المتعدِّدة. والمؤسف، أنَّ للاثنين، المنخل والغربال، عيِّنات تتولى التسريب الذي يُروّج للشَّوائب، وليس للتصفيةِ المنطقية.

•السَّائد على نطاقٍ واسعٍ هذه الأيام، أنَّ البعض تطوَّع لنشرِ الأخبار دُونَ أن يعيَ حجم الإساءة التي يرتكبها لحالتين: الأولى، إذا كانت تلك الأخبار ملفقةً، ويراد بها التشويه والإمعان في التنكيل. الحالة الثانية، قد تكُونُ الأخبار ذات وجاهة، ولكن على العموم يُراد بها الفضح لحساباتٍ غير أخلاقية، بينما يقتضي التصرف السِّتر، والله يُحبُّ السَّاترين.

• بالسياق، (المجالس أمانات)، ما يحكمها التداول المحدود، غيرَ أنَّ البعض يخرق هذه الخصوصية ليستخدمَها مادةً معينةً للابتزاز والمساومة والنزوع إلى التسلُّط ليس إلَّا.

•في القرآن الكريم ما ينطبق على ذلك بقوله تعالى (يا أيُّها الذين آمنوا إن جاءكم فاسقٌ بنبأٍ فتبينوا أن تصيبوا قومًا بجهالةٍ فتصبحوا على ما فعلتم نادمين).

•ومن التشخيصات الطريفة لتشيرشل رئيس الوزراء البريطاني خلال الحرب العالمية الثانية (تَدُور الأكاذيب وتنتشر بينما تكُونُ الحقيقة ما زالت ترتدي ملابسها).

• إنَّ الذين ارتضوا لأنْفُسهم هذه المُهِمَّة غير المُشرِّفة ليسوا سوى مناخل لا يقيمون أوزانًا لِمَا يفعلونه، فيما يقتضي الحال التبصر وغضَّ الطرف والحصافة في أجلِّ معانيها تجسِّدها شخصيات تُعَدُّ مضرب الأمثال في هذا المنهج، منهم الأحنف بن قيس الذي أورده الشاعر أبو تمام في إحدى قصائده بقولهِ (إقدام عمر في سماحة حاتمٍ، في حلم أحنفَ في ذكاء إياسِ).

لا شكَّ في أنَّ الذين يروِّجون أخبارًا ومعلوماتٍ ملفَّقةً عن آخرين، لمجرَّد الإضرار بهم، يعانون من شعور بالنقص، ويجدون في ما يروِّجون له فرصًا للتغطيةِ على عيوبهم.

•هناك مواصلة للتلويثِ والتشهيرِ والتسقيط وطلب الفضيحة للآخرين، وإذا كان وزير الدعاية الألماني جوبلز في عهد هتلر قد قال، (اكذب، اكذب حتى يصدقَك الناس) فإنَّ حبل الكذب لن يطولَ مهما كانت هناك براعة في صياغته، ومقابل ذلك يبقى الابتعاد عن الوقوع في حبائل هذه الأكاذيب واحدًا من أنبل أنواع الترفع.

•هناك الآن سيول جارفة من الادعاءات الباطلة في مختلف وسائل الإعلام، تكشف عن نزعات توسيخ ومناكدة وتشَفٍّ. أنا أتحدَّث هنا عن أكاذيب تُحاصر متلقِّين بزخمٍ شديد تجعلهم تحت تأثير توهان يحُولُ دُونَ الإمساك بالمعلومة الصحيحة.

•عمومًا، الصَّمت والتحوُّط من الوقوع في كمائن الترويج مناعةٌ ضامنةٌ للحمايةِ الأخلاقية، ولكَيْ لا يتمَّ الخلطُ، فإنَّ للحقيقةِ أُصولَ كشفٍ تقوم أصلًا على الوثيقة العيِّنة وليس على إطلاقها جزافًا.

•إنَّ ما يحصل في بعض مجالات النَّشر والتمرير هو بيع وشراء في أخلاقيات الاعتقاد، وتفريط بموازين الإعلام.

•بخلاصة، أن تصنعَ لِنَفْسِك وظيفة مساهم نشط في النشر والإعلام والإعلان فعليك أن تكُونَ صاحب رسالة، أمينًا على فحص ما يرد إليك لقياسِ مدى صدقيته، وليس أن تكُونَ مجرَّد منخل زائف.

• في الأسبق، المنخل بحَّار وشاعر عربي (المنخل اليشكري) من قبيلة بني يشكر، قتله أحَد الركَّاب عندما كان متوجِّهًا إلى الحبشة على متن سفينة، ودفن هناك. ويقال سُمِّي المنخل لإطنابه في قصائد مفاخرة وغزل بغير وَجْه حقٍّ.

عادل سعد

كاتب عراقي