الخميس 09 مايو 2024 م - 1 ذو القعدة 1445 هـ
أخبار عاجلة

«نظام التفاهة» «2ـ3»

«نظام التفاهة» «2ـ3»
السبت - 27 أبريل 2024 04:43 م

سعود بن علي الحارثي

10

أبرز ملامح وسِمات «نظام التفاهة»، كما تراها الدكتورة «مشاعل عبد العزيز»، وضمنتها في الملخَّص ـ الذي بلغ حوالي (70) صفحةً تمثِّل ما يقرب ربع حجم الكتاب ـ وفقًا لقراءاتها المتواصلة لِلمَشهدِ العام، وتحليلها لمحتوى وأنماط التحوُّلات التي رصدتها اجتماعيًّا وسياسيًّا واقتصاديًّا وثقافيًّا والتي تواصلت لِسنواتٍ، سيطرة، أوَّلًا: «اللغة الخشبية، بمعنى النُّطق بتحصيل الحاصل الذي يقوم على الحشو أو مجرَّد التكرار بألفاظٍ مختلفة». ثانيًا: «التبسيط الخطر» أي «تسطيح الهام وتسخيف المعتبر». ثالثًا: «طلب العِلم لأغراض المظهر الاجتماعي، لا طلبًا للحكمةِ العالية»، وكذلك «تسليع المعرفة الأكاديمية وبيعها لِلجهاتِ المموِّلة لِلجامعاتِ، فينحدر العمل بالجامعة إلى درك التفاهة، فتتحوَّل فيه من منتِجٍ لِلمعرفةِ إلى تاجرٍ فيها»، وعلى أساس التمويل السَّخي الذي تقدِّمه الشركات التجارية للجامعات والمؤسسات التعليمية، يتحوَّل الأساتذة والطلبة تدريجيًّا «لِلعملِ على الموضوعات والمشروعات التي فرضتها هذه الشركات، لِينتهيَ الأمر بهذه المؤسسات الأكاديمية العُليا إلى إنتاج «الخبراء» ذوي التخصص الضيق الذين يخدمون السوق، لا العلماء ذوي الأفق القادرين على مواجهة المشاكل الحياتية». رابعًا: «تحجيم دَوْر الدولة بحيث تقوم بأقل الوظائف فتقتصر على السهر على المرافق الأساسية الثلاثة، وهي الأمن الخارجي والأمن الداخلي والقضاء، وترك كل ما عدا ذلك لآليَّات السُّوق»، وتضيف الدكتورة «الهاجري»، تعليقًا على المفاهيم والأدبيات الاقتصادية التي ظهرت في العقود الأخيرة مِثل «الحوكمة، الشفافية، والمساءلة» التي كرّست لـ»ظاهرة الفساد، التي ما ازداد حجمها مِثلَما ازداد الآن، ولا أن بلغت هذه الأبعاد المخيفة»، أي جاءت النتائج على عكس الأهداف والغايات التي يفترض أن تحققَها تلك المفاهيم والأدبيات. خامسًا: اختزال الصحافة للأخبار؛ كونها «صناعة، والصناعة يحركها هاجسا المصلحة والتسويق دائمًا»، وتسعى في المقام الأول إلى «إشباع شهية الجمهور»، ولا يتحقَّق ذلك إلَّا بـ»ملاحقة المشاهير وتصويرهم والتصنُّت عليهم...». سادسًا: ضحالة وتردي مادَّة الكتاب، وتراجع النَّقد الجادِّ والكتابات الرَّصينة عالية الذَّوق عظيمة الفائدة، وأصبح «مجرَّد وجود الكتاب على رفِّ «الكتب الأكثر مبيعًا»، هو دلالة مبدئية على ضحالته، إلى أن يثبتَ العكس». سابعًا: تأثيرات «التلفزيون»، التي تصوّر بشكلٍ جلي واقع «التفاهة»، وحقيقته، فيُمكِن لأيِّ «جميلة بلهاء أو وسيم فارغ أن يفرضوا أنْفُسهم على المشاهدين من خلال عدَّة منصَّات عامَّة، هي في أغلبها منصَّات هلامية وغير منتجة، لا تخرج لنا بأيِّ منتج قِيمي صالح لتحدِّي الزمن...». ثامنًا: واقع الشبكات الاجتماعية، التي نجحت بامتياز في «ترميز التافهين» أي «تحويلهم إلى رموز»، ما يجعل من كثير من «تافهي مشاهير «السوشال ميديا» و»الفاشينستات» يظهرون لنا بمظهر «النجاح». تاسعًا: في مجال السياسة، وبالرغم من حقيقة «ادِّعاء أيِّ تجمُّع أو حزب أو برلمان كونه ممثلًا لإرادة الأغلبية، إلَّا أنَّه وبمرور الوقت سوف يؤدي به إلى الاستئثار بعملية صنع القرارات المُجتمعية الكبرى...»، دون أن ننسى بأنَّ الديمقراطية تعني «طغيان الأغلبية على الأقلية»، والنموذج الأبرز لهذه الحقيقة أنَّ «هتلر وحزبه النازي وصلا إلى الحكم بعملية ديمقراطية كاملة من انتخابات وتصويت وأغلبية». إنَّنا نعيش بحقِّ «نظام التفاهة»، بتجلِّياتها، في «بهرجتها وابتذالها»، حيث «طفيليو الثقافة الحاضرون، في كُلِّ «تدشينات المعارض الفنية، والحفلات الموسيقية، والمحاضرات، والندوات، والموائد المستديرة، والأيام الدراسية...». فيما يتمثل «النشاط الرئيس للطبقة الغنية في «الاستهلاك المظهري». لقد أصبحت مخرجات «نظام التفاهة» واقعًا يجري في أوصال حياتنا مجرى الدم في العروق، وما قدَّمه الكاتب من معلومات وتفاصيل، وإن ارتبط بمناهج ورؤى سياسية واقتصادية وفكرية بعَيْنها، ومواقف وتحوُّلات وممارسات تخصُّ المناطق والبيئات الثقافية حيث منشؤه وسيرة حياته ومحيط عمله، ومحلُّ قراءاته ودراساته وتجاربه، إلَّا أنَّ طفرات التقدُّم الهائلة في تقنيات ووسائل التواصل وشبكات النقل والانفجار المعلوماتي الذي نشهده سهل انتقال الثقافات والقِيَم والممارسات والأنماط والأفكار بكُلِّ غثِّها وتفاهاتها وأيًّا كانت غاياتها ومقاصدها، وشجَّع على التقليد والمماراة والمباهاة، والسَّير بشغفٍ وتلهُّف خلْفَ التافهين، واعتبارهم قدوات ونماذج، وما يقومون به ويفعلونه وما يدعونه، نجاحًا عظيمًا في الحياة، لذلك يتغلغل «نظام التفاهة» في أوصال الثقافات الأخرى ويجعل منه نهجًا وفكرًا وخيارًا أساسيًّا للناس في كلِّ مكان، لِتأسيسِ حياتهم والبرهنة على نجاحاتهم والتفوق على الآخرين بوسائل وأدوات وطُرق وقنوات لا علاقة لها البتَّة بالجودة والسُّمو والكفاءة، فكُلُّ «ما يتحدث عنه المؤلف في أماكن بعَيْنها، إنَّما يحدُث في الحقيقة، في العالم بأكمله». حيث يلحظ «المرء صعودا غريبا لقواعد تتسم بالرداءة والانحطاط المعياريين: فتدهورت متطلبات الجودة العالية، وغيِّب الأداء الرفيع، وهمِّشت منظومات القِيَم، وبرزت الأذواق المنحطة، وأُبعد الأكْفَاء، وخلَت الساحة من التحدِّيات، فتسيَّدت إثر ذلك شريحة كاملة من التافهين والجاهلين وذوي البساطة الفكرية، وكلُّ ذلك لخدمةِ أغراض السُّوق بالنهاية...». يتحدث الكاتب عن المفاهيم الحديثة، و»الطُّرز» المبتكرة التي اخترعت لكَيْ تعملَ على تكبيل الخبراء والباحثين الأكاديميين بقيود وتوجيهات لا يستطيعون الفكاك منها، لاستثمار وتوظيف ما يعدُّونه ويكتبونه من أفكار وأبحاث وأُطروحات تخدم السُّوق، وتستثمر في الشركات، فعملية تمويل الجامعات والمراكز العلمية والبعثات من قِبل العلامات التجارية ورجال الأعمال والشركات، جعلت من «حقيقة أنَّ الباحثين محبوسون بداخل الاقتصاد المؤسسي..». والأخطر من ذلك أنَّ المؤسسات البحثية «لا تقوم ببيع المعرفة للزبائن فقط، بل إنَّها تصبح شريكة في التلاعب أيضًا. إذ تعدُّ الجامعات أداة أساسية لشركات الضغط السياسي. ويعملون على خلق سياقات تؤدي إلى إرغام المسؤولين المنتخبين على اتخاذ قرارات بعَيْنها...». وفي «سردٍ شخصي نُشر عام ٢٠٠٢، بين عضو جماعة الضغط المهني «إريك يوجين»، على أنَّ وظيفته كانت تتمثل في «إيجاد طُرق متعدِّدة للوصول إلى هدف واحد: شراء النتيجة المترتبة على القرار الصادر عن مؤسسة عامَّة ما. وقد شملت هذه الطُّرق المتعدِّدة أشياء مِثل الفساد، التخويف، التلاعب، والتحقيق». «يتبع».

سعود بن علي الحارثي