الاثنين 06 مايو 2024 م - 27 شوال 1445 هـ
أخبار عاجلة

العقوبات والنفط

الأربعاء - 24 أبريل 2024 04:56 م

د.أحمد مصطفى أحمد

10


بعد قصف إيران لـ»إسرائيل» بالمسيَّرات والصواريخ صدرت تصريحات أميركية رسمية تُنذر بعقوبات على طهران. وتداعت مجموعة الدول السَّبع، بقيادة أميركية، لِبَحثِ مسألة العقوبات تأييدًا لـ»إسرائيل». لكن سرعان ما تبخَّرت كُلُّ تلك التهديدات ولم تسفرْ عن أيِّ شيء حقيقي. فهل تردَّد الأميركيون وحلفاؤهم في فرض مزيدٍ من العقوبات على إيران حرصًا على عدم التصعيد في المنطقة؟ أم هل فترَ دعمهم الحماسي لربيبتهم في المنطقة؟ على الأرجح، لا هذا ولا ذاك. إنَّما هي مجرَّد تصريحات للاستهلاك المحلِّي لإدراك الإدارة الأميركية أنَّ فرض عقوبات جديدة على إيران، أو حتى توسيع عقوبات أميركية مفروضة بالفعل، ربَّما يؤدِّي إلى نتائج عكسية. فالعقوبات مفروضة على طهران منذ عقود، ولم يخفف منها شيء ذو قيمة منذ قررت إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن بدء محادثات لِلْعودةِ إلى الاتفاق النووي الإيراني لعام 2015 الذي انسحبت منه إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب عام 2018. ولم تؤدِّ تلك العقوبات إلى أن تغيِّرَ إيران من مواقفها ولا سياساتها.

كلُّ ما قيل كردِّ فعل أميركي، وغربي، هو إمكانية تشديد الرقابة على تنفيذ العقوبات المفروضة فعلًا بهدف «منع إيران من الحصول على عائدات إضافية لِتَمويلِ برامجها العسكرية». لكنَّ الكُلَّ يعرف أنَّ ذلك لا يعني شيئًا، وإلَّا كانت العقوبات الأكثر صرامة التي فرضتها أميركا وحلفاؤها على روسيا مع حرب أوكرانيا حالت دون نُمو الاقتصاد الروسي. حتى مسألة الضغط على شركات التأمين الأوروبية التي تؤمِّن على ناقلات النفط الإيراني أو تشديد القيود على التحويلات المالية الإيرانية مع الخارج لا تعني الكثير. فإيران غالبًا تصدِّر مبيعاتها من الطاقة بدون الحاجة للتعامل مع شركات شحن أو تأمين لها علاقة بالنظم المالية الأميركية أو الأوروبية. وهذا ما نسخته روسيا بعد فرض الحظر على نفطها وغازها، مستفيدة من تجربة إيران وفنزويلا وغيرها في الالتفاف على العقوبات.

لم يكنْ أحَد ينتظر أن تفرضَ إدارة بايدن أيَّ عقوبات جديدة، خصوصًا في عام الانتخابات. ليس لأنَّ الناخب الأميركي يهتمُّ بالسياسة الخارجية، ولكن لأنَّ أيَّ عقوبات إضافية على طهران ستعني زعزعة أسواق الطاقة، وبالتَّالي احتمال ارتفاع أسعار النفط أكثر، وهو ما سيترجم بزيادة أسعار الوقود في محطَّات البنزين بأميركا. وهنا يخسر بايدن وحزبه الديموقراطي الأصوات في انتخابات نوفمبر القادم. وربَّما اهتمَّت الولايات المُتَّحدة أكثر باستيلاء القوات البحرية الإيرانية على سفينة شحن يملكها إسرائيلي قرب مضيق هرمز قبل قصفها «إسرائيل» بساعات. إذ عدَّ كثيرون حول العالم تلك رسالة من إيران بأنَّ في استطاعتها تعطيل الخطِّ البَرِّي لإمدادات «إسرائيل» من آسيا الذي تمَّ تشغيله بسرعة بعد هجمات الحوثيين في اليمن على السُّفن الإسرائيلية أو التي تتعامل مع «إسرائيل» وتعبُر باب المندب إلى البحر الأمر وقناة السويس. ومرَّة أخرى، ليس الاهتمام الأميركي فقط بأمن «إسرائيل» التجاري، وإنَّما القلق على مشروع الممرِّ الهندي ـ الأوروبي عَبْرَ الخليج و»إسرائيل» الذي تتحمَّس له الولايات المُتَّحدة في سياق النَّيل من مبادرة الحزام والطريق التي تدفع بها الصين.

مع أنَّه من المستبعد أن تلجأَ إيران إلى غلق مضيق هرمز؛ لأنَّ صادراتها تمرُّ منه أيضًا، لكنَّ أيَّ تصعيد في الخليج يقلق الدول المستهلكة للطاقة في آسيا من الصين إلى اليابان مرورًا بكوريا والهند. فمصافي دول آسيا تعتمد إلى حدٍّ كبير على واردات النفط عَبْرَ الخليج وتتحسب لأيِّ توتُّر يُمكِن أن يؤثرَ على تلك الواردات. وبدأت بعضها بالفعل دراسة زيادة وارداتها من النفط الخام من أميركا وإفريقيا، والتي تستخدم ناقلاتها خط رأس الرجاء الصالح. وهذا أمر في غاية الأهمية للولايات المُتَّحدة، التي تعمل في الأعوام الأخيرة على أن تصبحَ المسيطر الأكبر على أسواق الطاقة على حساب حصص المنتِجين والمصدِّرين من أعضاء منظَّمة أوبك وحلفائها. فالولايات المُتَّحدة الآن هي أكبر منتج للنفط في العالم، بأكثر من (13) مليون برميل يوميًّا وحسب خطط شركات الطاقة الأميركية الكبرى تستهدف الوصول إلى (15) مليون برميل يوميًّا في غضون سنوات قليلة. بل وتصدر الولايات المُتَّحدة أكثر من (4) ملايين برميل يوميًّا من النفط إلى دول أوروبا وآسيا، لِتصبحَ ثالث أكبر دولة مصدِّرة للنفط في العالم بعدما كانت دَولة مستوردة وتحظر تصدير نفطها.

والواضح أنَّ الولايات المُتَّحدة هي المستفيد الأكبر من حرب أوكرانيا وتوترات الشرق الأوسط، وتحديدًا فيما يتعلق بمصالحها في مجال الطاقة من نفط وغاز. ولم تكن العقوبات على روسيا مفيدةً لأحَدٍ أكثر ما أفادت شركات الطاقة الأميركية التي أصبحت أكبر مورِّد للغاز الطبيعي المسال إلى أوروبا لِيحلَّ محلَّ الغاز الروسي الذي كانت أوروبا تستورده بأسعار أقل كثيرًا. كذلك تزيد صادرات النفط الأميركية لدول أوروبا ودول آسيا على مدى العامين الأخيرين. ليس هذا فحسب، بل إنَّ الخطَّ الملاحي قبالة سواحل إفريقيا الغربية وعَبْرَ رأس الرجاء الصالح الذي تستخدمه الناقلات الأميركية تزيد أهميته مع تحميل شحنات النفط من دول إفريقيا إلى آسيا. وكأنَّما الحروب والتوترات الأخيرة، وما يصاحبها من عقوبات تُسهم بشكلٍ أساسي في إعادة صياغة خريطة الطاقة العالمية وتحديدًا لِمَصلحةِ الولايات المُتَّحدة وتطلُّعاتها المستقبلية.

د.أحمد مصطفى أحمد

كاتب صحفي مصري