الخميس 09 مايو 2024 م - 1 ذو القعدة 1445 هـ
أخبار عاجلة

العِيدُ «بَيْنَ الْمَعَانِي اللُّغَوِيَّةِ وَالْقِيَمِ التَّرْبَوِيَّةِ»

الاحد - 07 أبريل 2024 03:52 م
60


العيد مأخوذ من العَوْدِ، يقال: عاد العيدُ: أي دار، ورجع ثانية، وعاد إليه، وله، وعليه: عَوْدًا، وعَوْدَةً: رجع، وارتدَّ، وعاد فلانٌ شيخًا: أتاه مرة بعد أخرى، وعاده الشوقُ، والحنينُ أصابه مرة بعد مرة، وأعاد الشيءَ: كرَّره، وعاوده مُعاودة، وعِوَادا: رجع إليه بعد الانصراف عنه، وكذا عاوده بالمسألة: سأله فيها مرة بعد أخرى، والعَوَادُ البِرُّ، واللطفُ، يقال: عُدْ، فإن لك عندنا عَوَادًا حَسَنًا، والعِيدُ: ما يعود من هم، أو مرض، أو شوق، أو نحوه، وكلُّ يوم يُحتَفَلُ فيه بذكرى كريمة، أو حبيبة، وجمعه أعياد، و(العِيد) بالياء أصله العِوْدُ بوزن الفِعْل، حَدَثَ للفظ إعلالٌ بالقلب، حيث انقلبت الواوُ ياءً؛ لسكونها إِثْرَ كسر، فصارت (العِيد)، على نحو القِيل، أصله القِوْل،، والغِيل أصله الغِوْل، وعلى شاكلة :«ميزان وميقات، وميعاد» ، فأصلها: «المِوْزان، والمِوْقات، والمِوْعاد»، قُلِبَتْ واواتُها ياءً؛ لكسر ما قبلها، والعِيدُ يحمل معنى العَوْدِ المتواصل، والتكرار مع البر، واللطف، والمناسبة الكريمة: شرعية، أم اجتماعية، وتحمل كذلك معنى البشرى، والمنزلة، والفرحة، والسعادة، والبهجة.

هذا من الناحية اللغوية، وأما من ناحية القيم التربوية، والمعاني الإيمانية، فكلُّ عيد من عِيدَيِ الإسلام له تربوياتُه، وسياقاتُه، ففي عيد الفطر يأتي بعد عبادة، أو فريضة الصوم، وعيد الأضحى يأتي بعد عبادة، أو فريضة الصيام، فكلُّ عيد كأنما هو هديةُ اللهِ لعباده المؤمنين جراءَ طاعتِهم، وحُسْنِ امتثالِهم، وكريمِ عبادتِهم لربهم، حيث يُنعم عليهم بالجائزة التي هي في ميزان الإسلام عيدٌ وتكرمة، له ضوابطه، وأحكامه، وفرحته، وخصائصه.

فعيد الفطر - كما يبدو من اسمِه- أن الله - تعالى- جعله عيدًا لعَوْدِ الناس إلى حياتهم الطبيعية من الفِطْر بعد صوم شهرٍ كاملٍ هو الشهر الفضيل الذي امتنعُوا فيه عن الطعام والشراب في نهار رمضان، وامتنعوا عن كل ألوان المعاصي الظاهرة، والباطنة؛ ابتغاء مرضاة الله، وخرجوا منه بدروسٍ كثيرةٍ تنفعهم طوالَ العام حتى يأتيَ رمضانُ آخرُ، فهو من جانب فضلٌ من أفضال الله، وهو من جانب آخر عَوْدٌ لما كانوا عليه بعد التطهر، واعتلاء الروح بالصوم، واعتلاقها بربها، والالتزام بأوامره، ومتطلبات دينه من شرعة الصيام وتكاليفها، وأعبائها، وضوابطها الشرعية الدقيقة.

ومن تربويات عيد الفطر كذلك إخراجُ زكاة الفطرة التي هي طهرةٌ للنفس من اللغو، والرفث، وطعمة للمساكين، فهي توطِّد الأخوة بين شرائح المجتمع، وتمتِّن أركانَه، وتتداخل معه مستوياتُ القوم: غِنًى وفَقْرًا، حيث إن الغِني يعود على أخيه الفقير، ويُسعده في هذه الأيام,

ومن تلك القيم إعادة قيم التكافلُ، والتراحم، والتآخي، والتزاور، والتهاني، وتبادل التحايا، والدعوات؛ حيث يقول المسلم لأخيه المسلمِ مهنئا: «صيامٌ مقبولٌ، وطاعةٌ مباركةٌ، تقبَّل الله منا ومنكم، وعساكم من عُوَّاده، كلُّ عام، وأنتم بخير، هنيئًا لكم صيامُ رمضانَ، وضاعفَ اللهُ لكم الأجرَ، ورفع لكم المنزلةَ، والقدرَ، وبارك اللهُ عبادتكم، وعيدٌ مبارَكٌ»، ونحوها من العبارات، والجمل التي تدل على صدق الأخوة، وجمال علاقة المسلم بأخيه، ومحبَّته إياه.

ومنها تلك الزياراتُ العائلية، والأخويَّة بين أبناءِ المجتمع، ودعاء بعضهم لبعض، وتبادل التهاني بتلك المناسبة الكريمة، وذلك الفضل الإلهي عليهم جميعًا.

ومنها لبسُ أزهى الثيابِ، وأجملِ الملابسِ، والتوسعةُ على الأولاد، والأهل، والأحباب، وتواصل المسلمين مع بعضهم بكلِّ ألوان التواصل الحديثة، وسلامُ بعضهم على بعض، وابتسامةُ العيدِ الجميلة، والاستضافات، وزيارة الجيران، والأهل، وتبادل الأسر الهدايا، وإدخال الفرحة على قلوب الصغار، بأخذهم إلى المتنزهات، والحدائق العامة، حيث يلعبون، ويتناولون الحلوى واللعب، وشراء البالونات، والكرات الملونة، ونحوها، ويمرحون ويفرحون، ويقابلون أقرانَهم، ويبدو المنظر الجميل بفرحته وبهجته، وتمر أيام العيد الجميلة فتربط بين الناس برباط جديد، وتزداد القلوبُ ألفةً، ومحبة، وتتعانق الأرواحُ، وتتمتَّن الأواصرُ فيضحى المجتمعُ كلُّه كأنه رجلٌ واحد: قلبًا وقالبًا، أخوةً، وارتباطًا، شبابًا وشِيبًا، رجالًا، ونساءً أطفالا، وغلمانا، وهكذا تكون تربوياتُه الغالية، وقيمُه العالية، ومعانيه السامية.

تقبَّل الله منا ومنكم، وبارك اللهُ فيكم، وعساكم من عُوَّاده، وكلُّ عام أنتم، وأسركم جميعًا بخير، وتوفيقٍ، وسعادةٍ، وفرحةٍ، ورضًا، وهناءٍ، والحمد لله ربِّ العالمين، وصلى الله، وسلم، وبارك على سيدنا محمد، وعلى آله، وصحبه أجمعين.

د. جمال عبد العزيز أحمد

 جامعة القاهرة - كلية دار العلوم بجمهورية مصر العربية