الخميس 09 مايو 2024 م - 1 ذو القعدة 1445 هـ
أخبار عاجلة

غرائب القرآن : قراءة فـي غريب القرآن وبيان جلال معانيه وكمال مبانيه والوقوف على الفروق اللغوية بين ألفاظه ومراميه «مفهوم إِلًّا ولا ذِمَّةً» «4»

السبت - 06 أبريل 2024 04:16 م
20

فإذا قيل للعهد، والجوار، والقرابة: « إل»- فمعناه أن الأُذُنَ تصرف إلى تلك الجهة، أيْ تحدد لها، والعهد يسمَّى «إلا»؛ لصفائه، وظهوره، ويجمع- في القِلَّة- :»آلال»، وفي الكثرة :»إلال»، وقال الجوهري، وغيره: الإِلُّ بالكسر هو الله- عز، وجل-، والإِلُّ أيضًا العهد، والقرابة.

وفي قوله- تعالى- :»ولا ذمة»: أيْ ولا عهدا، وهي كلُّ حرمةٍ يلزمك- إذا ضيعتَها- ذنبٌ. قال ابن عباس، والضحاك، وابن زيد : «الذمة العهد»، وقال أبو عبيدة معمر: «الذمة التذمم»، وقال أبو عبيد: الذمة الأمان في قوله- عليه السلام-: «ويسعى بذمتهم أدناهم»، وجمع ذمة ذمم، يقال: «بئر ذمة- بفتح الذال-» قليلة الماء، وجمعها ذِمَام، وأهل الذمة: أهلُ العقد.

واختلف أهل التأويل في تأويل قوله: (لا يرقبوا فيكم إلا ولا ذمة).

فقال بعضهم، معناه: لا يرقبوا الله فيكم، ولا عهدًا، وقال آخرون: « الإلّ»، القرابة، وعن ابن عباس: لا يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلا وَلا ذِمَّةً، قال:» الإلّ»، القرابة، و»الذمة «، العهد، وعن الضحاك يقول في قوله: «لا يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلا وَلا ذِمَّةً «الإل»، القرابة، و»الذمة»: الميثاق.

وقال أبو جعفر الطبري: «وأولى الأقوال في ذلك بالصواب أن يقال: إن الله- تعالى- ذكره أخبر عن هؤلاء المشركين الذين أمر نبيَّه، والمؤمنين بقتلهم بعد انسلاخ الأشهر الحرم، وحصرهم، والقعود لهم على كل مرصد: أنهم لو ظهروا على المؤمنين لم يرقبوا فيهم «إلا»، «الإلّ»: اسم يشتمل على معان ثلاثة: وهي العهد، والعقد، والحلف، والقرابة، وهو أيضا بمعنى «الله».

فإذْ كانت الكلمة تشمل هذه المعاني الثلاثة، ولم يكن الله خصّ من ذلك معنى دون معنى، فالصواب أن يُعَمّ ذلك كما عمّ بها- جل ثناؤه- معانيها الثلاثة، فيقال: لا يرقبون في مؤمنٍ اللهَ، ولا قرابةً، ولا عهدًا، ولا ميثاقًا، وقد زعم بعض من ينسب إلى معرفة كلام العرب من البصريين: أن «الإلّ»، و»العهد»، و»الميثاق»، و»اليمين» واحدٌ، وأن «الذمة» في هذا الموضع: التذمم ممَّن لا عهد له، والجمع: «ذِمَم»، وكان ابن إسحاق يقول: عنى بهذه الآية أهل العهد العام.

ونواصل الحديث حول غرائب القرآن، والفروق بين الاستعمالات القرآنية في لقاءات قادمة،

وصلى الله، وسلم، وبارك على سيدنا محمد، وعلى آله، وصحبه أجمعين.

د. جمال عبد العزيز أحمد

 جامعة القاهرة - كلية دار العلوم بجمهورية مصر العربية