لقد ذكر الله تعالى هذا المكان المبارك على سبيل تذكرة المؤمنين ليشكروا الله على ما أنعم عليهم في ذلك المكان من النصر والعزة، وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا اللهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ? آل عمران: 123، وقد جاء الحديث عن غزوة بدر ليذكّرهم بنعمته عليهم لمّا نصرهم ببدر وهم أذلة قليلون في العَدَد والعُدَد، علما بأن هذه الآية هي افتتاح القصة عن غزوة أحد، ذكّرهم تعالى بالنصر يوم بدر لتقوى قلوبهُم، أي نصركم يوم بدر مع قلة العدد والسلاح لتعلموا أن النصر من عند الله «. صفوة التفاسير (1/ 207)». وعن ابن عباس، قال: لأن الله تعالى فرّق فيه بين الحق والباطل. وهي الوقعة العظيمة التي أعزّ الله بها الإسلام، ودفع الكفر وأهله، وليحقق الله تعالى ما وعدهم من إحدى الطائفتين، وما أخبرهم به من ميلهم إلى العير دون الجيش، ومجيء المطر عند الالتقاء، وكان للمسلمين نعمة وقوة، وعلى الكفار بلاء ونقمة. وإمداد الله تعالى المؤمنين بجند من السماء حتى سمعوا أصواتهم، وكان بدر قديما موسما من مواسم العرب، يجتمع لهم به سوق كل عام». سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد (4/ 18)». وقال ابن اسحاق كانت وقعة بدر يوم الجمعة صبيحة السابع عشر من رمضان على رأس ثمانية عشر شهرا من الهجرة وقيل التاسع عشر من رمضان والاوّل أصح، وبدر بئر حفرها رجل من غفار اسمه بدر بن قريش بن مخلد بن النضر بن كنانة وقيل بدر رجل من بنى ضمرة سكن ذلك الموضع فنسب اليه ثم غلب اسمه ويقال بدر اسم البئر التي بها سميت لاستدارتها أو لصفاء مائها فكان البدر يرى فيها وحكى الواقديّ: شيوخ بنى غفار قالوا انما هي ماؤنا ومنازلنا وما ملكها أحد قط يقال له بدر، وانما هي علم عليها كغيرها من البلاد. وفى معجم ما استعجم بدر ماء على ثمانية وعشرين فرسخا من المدينة في طريق مكة وبدر مذكر ولا يؤنث جعلوه اسم ماء». تاريخ الخميس في أحوال أنفس النفيس (1/ 368)». وعن قتادة، قال: «بدر ماء بين مكة والمدينة، التقى عليه نبي الله صلى الله عليه وسلم والمشركون، وكان أول قتال قاتله نبي الله صلى الله عليه وسلم وقال لأصحابه يومئذ: «أنتم اليوم بعدَّة أصحاب طالوت يوم لقى جالوت»: فكانوا ثلاثمائة وبضعة عشر رجلا والمشركون يومئذ ألفٌ، أو راهقوا ذلك». تفسير الطبري (7/ 171)». وهي الآن قرية تبعد عن المدينة النبوية بنحو من مائة وخمسين ميلاً «كيلو متر» أيسر التفاسير (1/ 369)».
العدوتين الدنيا والقصوى
وقد ذكرهما الله تعالى لأهميتهما في معركة بدر الكبرى،( إِذْ أَنْتُمْ بِالْعُدْوَةِ الدُّنْيَا وَهُمْ بِالْعُدْوَةِ الْقُصْوَى وَالرَّكْبُ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَلَوْ تَوَاعَدْتُمْ لَاخْتَلَفْتُمْ فِي الْمِيعَادِ وَلَكِنْ لِيَقْضِيَ اللهُ أَمْرًا كَانَ مَفْعُولًا لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيَى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ وَإِنَّ اللهَ لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ ) الأنفال: 42، قال قتادة: جمع اللَّه المشركين والمسلمين ببدر على غير ميعاد، والعدوتان هما شفيرا الوادي، كان المسلمون بأعلاه، والمشركون بأسفله، العدوة القصوى: شفير الوادي الأقصى، والعدوة الدنيا: شفير الوادي الأدنى. وكذلك قَالَ الْقُتَبِيُّ: العدوة: الشفير للوادي. وإنما سميت الدنيا؛ لأنها دنت منك، والآخرة؛ لأنها استأخرت. وقال أبو معاذ: العِدْوَة والعُدْوَة لغتان، وهي شط الوادي، والْقُصْوى البعدى من المدينة، وإن العدوة الدنيا كانت رخوة تسوخ فيها الأرجل ولا يمشي فيها إلا بتعب ولم يكن بها ماء، بخلاف العدوة القصوى» تفسير البيضاوي (3/ 60)». وقال ابن سعد: وكانت بنو عدي بن كعب مع النّفير، فلما بلغوا ثنيّة لفت عدلوا في السّحر إلى الساحل منصرفين إلى مكة، فصادفهم أبو سفيان بن حرب فقال: يا بني عديّ، كيف رجعتم، لا في العير ولا في النفير؟ قالوا: أنت أرسلت إلى قريش أن ترجع ويقال: بل لقيهم بمر الظّهران، ومضت قريش حتى نزلت بالعدوة القصوى من الوادي خلف العقنقل وبطن الوادي» سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد (4/ 29)». وللحديث بقية.
محمود عدلي الشريف