أنهى المنتخب الوطني العُماني مشاركته في بطولة كأس العرب الَّتي تنظِّمها دولة قطر الشقيقة بفوز وتعادل وخسارة، وجاءت مشاركة المنتخب بشكلٍ مقبول حسب المعطيات المتوافرة، وجاءت معها أيضًا عاصفة من ردود الأفعال الإعلاميَّة، وهي ـ بلا شك ـ طبيعيَّة، بل هي قد تكُونُ من المميزات الَّتي تُميِّز مشاركات كرة القدم العُمانيَّة من حيثُ الحضور الجماهيري والإعلامي الفاعل، ولكن في بعض الأحيان قد تُشكِّل ردود الأفعال أُسُسًا فكريَّة غير دقيقة في سياق التطوير وحسب الإمكانات المتوافرة والظروف الراهنة.
توجَّهت أغلب ردود الأفعال الجماهيريَّة والإعلاميَّة حَوْلَ المنظومة الرياضيَّة وما يتعلق بالبنية الأساسيَّة وتطوير الاستثمار في كرة القدم، ووضعيَّة الأندية العُمانيَّة والدَّوْري والمَرافق والمنشآت، وكُلُّ ذلك يأتي بعنوان كبير هو «الإمكانات الماليَّة الضخمة» الَّتي يُطالِب بها الإخوة الزملاء النقَّاد والإعلاميون. وبلا شك أنَّ تطبيق هذا العنوان الكبير يُحقِّق نقلةً كبيرة لكرة القدم العُمانيَّة، لكن هل بالإمكان تحقيق كُلِّ ذلك؟ وهل الظروف تسمح بتحقيق هذه النقلة الكبرى في المشهد الرياضي العُماني أو نقلة متوسطة في إطار هذه الحركة الرياضيَّة؟ وهل يُمكِن تنظيم وتوظيف هذه الحركة الوطنيَّة الرياضيَّة بالشَّكل المأمول؟ وهل النتائج كما يتوقعها الجمهور والنقَّاد؟ أم ستكُونُ خيبة أمل في حال غياب التخطيط مع وجود عشوائيَّة إداريَّة؟ وهل هناك قرار أو توجُّه حكومي أو دراسة مبنيَّة على أهداف ومراحل للتطوير؟ والسؤال الأهم: هل من الممكن تحقيق نتائج مشرِّفة لكرة القدم دُونَ حشد كُلِّ هذه المنظومة الرياضيَّة؟ وهل هناك أوراق قوَّة يُمكِن البناء عليها بالشكل الاعتيادي، ويُمكِن من خلالها تحقيق نتائج مشرِّفة لكرة القدم العُمانيَّة؟
مُشْكلة كرة القدم العُمانيَّة ليست فيما يتعلق بالعناصر الماديَّة المشار إليها ضِمن المنظومة الرياضيَّة، مع أنَّ التطوير والارتقاء بالمنظومة بكُلِّ تفاصيل بنيتها يُعَدُّ أمرًا استراتيجيًّا سوف يمنح كرة القدم العُمانيَّة نقلةً نوعيَّة بكُلِّ تأكيد، ولكن هذه المنظومة الحالمة أيضًا بحاجة إلى مَن يُحسن ترتيب أولويَّاتها بحيثُ تتكافأ المعطيات مع النتائج لاحقًا. أمَّا إذا توافرت تلك الإمكانات الضخمة الَّتي يتحدث عنها النقَّاد كما هو الحال في دول مجاورة، وجاءت النتائج كما هي الآن في دولنا الخليجيَّة المجاورة نقول «كأنَّك يا بو زيد ما غزيت» قياسًا بما تحقَّق من نتائج في تلك المنتخبات الخليجيَّة، بل إنَّ أغلب هذه المنتخبات لم تُحقق شيئًا يُذكر؟! كما أنَّ نتائجها لم تكُنْ فارقةً عن نتائج مشاركات منتخبنا الوطني، ورُبَّما كان منتخبنا الوطني حاضرًا بقوَّة في أكثر البطولات من حيثُ النتائج والأداء رغم محدوديَّة الإمكانات الماديَّة، بالمقابل توافر إمكانات ضخمة وبنية أساسيَّة ودَوْري محترفين ذي مستوى عالٍ لدى الآخرين، وهذا الأمر يؤكد على حقيقة أنَّ المُشْكلة الحقيقيَّة ليست في الجزئيَّة الماديَّة من المنظومة الرياضيَّة بقدر ما هناك خلَل في جوانب أخرى، وهنا نؤكد أنَّ أوراق القوَّة الَّتي يُمكِن البناء عليها يُمكِنها تعويض جوانب القصور الماديَّة طالَما توافر التخطيط والعمل الإداري الناجع.
هناك أوراق قوَّة تتوافر في الساحة الرياضيَّة العُمانيَّة عمومًا، وكرة القدم خصوصًا، وتتطلب إعادة إنتاجها وتطويرها، وأقصد هنا المواهب الرياضيَّة المتوافرة لدَيْنا في بلادنا. ولا شك أنَّ الجماهير الرياضيَّة في سلطنة عُمان بحدِّ ذاتها تُعَدُّ إحدى أوراق القوَّة الرياضيَّة يُعزِّزها ثقافة رياضيَّة وحراك إعلامي، وهذه الأوراق تتطلب بالمقابل إدارة رياضيَّة وتخطيطًا سليمًا، وبرامج إعداد، واستقرارًا فنيًّا، والابتعاد عن العشوائيَّة، ووجود رؤية وأهداف مستقبليَّة، حينها سوف تُحقق النتائج؛ لأنَّ بلادنا من البلدان الَّتي تمتلك عناصر القوَّة الميدانيَّة ولا ينقصها المواهب.
وعودًا إلى نتائج منتخبنا الوطني الأول لكرة القدم لتعزيز سياق هذه القراءة النقديَّة، ووضع النقاط على الحروف من واقع نتائج المنتخب، نجد أنَّ المنتخب الحالي كان منافِسًا في بطولات الخليج الأخيرة، وكان منافِسًا أيضًا على بطاقات التأهل والملحق العالمي، وقد رافَق منتخبنا أغلب المنتخبات الخليجيَّة، وهذا يوحي بأنَّ النتائج الخليجيَّة والعربيَّة كُلَّها متقاربة، وكان لا بُدَّ من صعود منتخبَيْنِ بشكلٍ مباشر من الملحق نالهما المنتخبان اللَّذان نظَّما مباريات الملحق، وهذه أيضًا يعلم تفاصيلها النقَّاد والإعلاميون. لكن هل كان هناك إخفاق للمنتخب الوطني العُماني؟ نقول: نعم لقد كان هناك إخفاق على اعتبار لم يتحقق الصعود، وكان هناك إخفاق أيضًا طالما لم يتحقق الوصول إلى الأدوار المتقدمة من نهائيَّات كأس آسيا، وكان هناك إخفاق طالما لم يتحقق الوصول إلى الأدوار التَّالية لبطولة كأس العرب رغم التقدُّم على صعيد بطولات الخليج. لكنَّ السؤال الأهم: هل بقيَّة المنتخبات حقَّقت نتائج أفضل؟ لا أعتقد ذلك قياسًا بالمعطيات والإمكانات الضخمة المتوافرة لها.
نَعْلم أنَّ الإشكالات الَّتي أحاطتْ بمشاركات المنتخب الأخيرة والتغييرات العشوائيَّة، وعدم الاستقرار الفنِّي، وكواليس العمل الإداري كُلَّها أسهمَتْ في تلك النتائج. فالخلَل هنا تَمثَّل في غياب الرؤية الاستراتيجيَّة والأهداف المستقبليَّة، وغياب خطَّة العمل وبرامج الإعداد طويلة المدى الَّتي لم تتوافر لمنتخباتنا الوطنيَّة، وخصوصًا المراحل السنيَّة، وتوافُق الخطط مع العمل الإداري والبرامج المنظِّمة للمنتخبات الوطنيَّة. ويأتي على رأس تلك الأولويَّات اختيار الأجهزة الفنيَّة العالميَّة المتمكنة الَّتي يَجِبُ أن تمنح مساحة زمنيَّة كافية تستطيع من خلالها عمل خطَّة إعداد طويلة وفْقَ مراحل زمنيَّة مع تطعيم لاعبي المنتخبات الوطنيَّة بشكلٍ مستمر، لا سِيَّما وأنَّ السَّاحة الرياضيَّة يتوافر بها كوادر ومواهب يُمكِن التعويل عليها وصقلها لتمثيل المنتخبات الوطنيَّة التمثيل المُشرِّف إذا ما توافرت لها خطط إعداد جيِّدة.
ختامًا، فإنَّ الحديث الإعلامي المشوّش قد لا يخدم كرة القدم العُمانيَّة، ويبقى التقييم الدَّقيق مهمًّا جدًّا مع الاطلاع على تجارب الآخرين للاستفادة منها، كما أنَّني في هذا المقام أقول لنجوم منتخبنا: شكرًا وبارك الله فيكم، فالجماهير الرياضيَّة تقدِّر تلك الجهود والروح الوطنيَّة العالية، ولكنَّها ـ بلا شك ـ تبحث عن الأفضل، ومنتخبنا كان حاضرًا بقوَّة في مختلف البطولات رغم الإشكالات المُحيطة به، وعدم الاستقرار الفنِّي وبعض العشوائيَّة.. وهنا رسالة للاتِّحاد الحالي الَّذي لا يُمكِن أن نُلقيَ اللَّوم عليه مُطْلقًا بالاستمرار مع المدرِّب الحالي كيروش كخبير يُشرف على الخطَّة والأجهزة الفنيَّة لكرة القدم العُمانيَّة، وعلى الاتِّحاد الحالي تقديم رؤية وأهداف مستقبليَّة للمنافسة في كأس آسيا القادمة وبلوغ كأس العالم، وهذا لن يتحققَ إلَّا من خلال برامج إعداد جيِّدة ومنظّمة وأجهزة فنيَّة متمكنة، والاستفادة من تجارب منتخباتنا للناشئين الَّتي شرَّفت الكرة العُمانيَّة سابقًا وتطويرها للأفضل، وسوف تتحقق النتائج المرجوَّة لاحقًا بإذن الله.
خميس بن عبيد القطيطي