الخميس 18 ديسمبر 2025 م - 27 جمادى الآخرة 1447 هـ
أخبار عاجلة

هلال السيابي.. شاعر يعيد وهج القصيدة العربية فـي زمن الحداثة

هلال السيابي.. شاعر يعيد وهج القصيدة العربية فـي زمن الحداثة
الأحد - 14 ديسمبر 2025 02:29 م
120

في المشهد الشعري العُماني والعربي، يبرز اسم الشاعر هلال بن سالم السيابي بوصفه واحداً من الأصوات التي اختارت طريقاً مختلفاً، طريقاً يعود إلى منابع اللغة الأولى، ليكتب قصيدة عربية أصيلة، لكنها تُطلّ على العصر بروح واعية وحساسية خاصة. ولذلك لم يكن غريباً أن يُصنّفه النقّاد ضمن (فرسان الشعر العربي الأصيل)، لما يمتلكه من قدرة على إحياء الفصحى وتطويعها في نصوص متماسكة البناء، وثرية الإيقاع والمعنى.

(أصداء من وادي عبقر)..

مشروع يتجاوز الديوان

من أهم إنجازات (السيابي) ديوانه الضخم (أصداء من وادي عبقر)، الصادر في أربعة مجلدات، تبدأ من قافية الألف حتى الياء، وتضم التشطير والتخميس والبحوث الشعرية. ليس هذا العمل مجرد ديوان، بل هو مشروع موسوعي يوثّق رحلة طويلة مع الشعر، ويعيد إلى الذاكرة تقاليد (المطوّلات) التي تحتاج إلى صبر لغوي ومعرفي، وتكشف عن شاعر يرى في الكتابة مسؤولية قبل أن تكون إلهاماً عابراً.

تعدد الأغراض واتساع الرؤية

ما يميز (السيابي) أنه لا يكتب من زاوية ضيقة، فقصيدته مفتوحة على عوالم واسعة، الوطن والوجدان القومي،

الغزل وأحوال العاطفة، والتصوف والتأمل، الحنين إلى عُمان ومشهدها الطبيعي، تجارب الغربة والأسفار الدبلوماسية، قضايا الأمة العربية وهمومها المعاصرة. بهذا التنوع، يقدم السيابي نفسه شاعراً شاملاً يحمل رؤية إنسانية وثقافية تتجاوز حدود المكان.

لغةٌ رصينة.. وإيقاعٌ يعيد الثقة بالفصحى

في زمن تتسارع فيه موجات الحداثة وتخفّ فيه الصرامة اللغوية، يأتي السيابي ليذكّر القارئ بأن للفصحى جمالاً لا يُضاهى، إذا امتلك الشاعر أدواتها. فهو يكتب بلغة متينة، مفرداتها جزلة، وتراكيبها محكمة، وإيقاعها ملتزم ببحور الشعر وقوافيه، دون أن يقع في أسر التكرار أو الاستنساخ. إنه ينهل من التراث، لكنه لا يعيد نسخه، بل يعيد تشكيله وفق حساسيته الخاصة، وهو ما يجعل قصيدته (تقليدية متجددة)، كما يصفها النقّاد.

هُوية واضحة

يمتلك (السيابي) موقفاً شعرياً واضحاً، فالقصيدة عنده ليست شكلاً لغوياً فقط، بل هي انتماء وهوية وروح. لذلك نجد في شعره حضوراً متوهجاً لعُمان، لطبيعتها وأمكنتها ورائحتها، إلى جانب انتماء عربي واسع يمتد إلى قضايا الأمة وتاريخها ومصيرها. هذه الروح تمنح شعره معنى يتجاوز الجماليات اللغوية إلى رسالة ثقافية تسعى إلى حماية الهوية من جارف التبسيط والتفكيك.

تجديد داخل القالب

قد يُظن أن الشاعر التقليدي محكوم بالحدود، لكن (السيابي) يثبت العكس. فهو يتعامل مع القالب الكلاسيكي باعتباره جسداً حيّاً يمكن أن يتسع للصور المبتكرة والمعاني الجديدة، دون التفريط في شكل القصيدة العربية. هذه القدرة على التحديث من الداخل هي ما جعلت مشروعه مختلفاً عن محاولات (إحياء القديم) أو(تقليد الأقدمين).

تحديات المشروع

لا يخلو مشروع (السيابي) من التحديات، فالديوان الضخم بمجلداته الأربعة قد يعرّض النصوص لتفاوت في القوة، وقد يجد بعض القراء من الأجيال الجديدة أن الشعر العمودي أقل قرباً من ذائقتهم الحديثة. لكن (السيابي) يدرك أن اختياره ليس مجرد تقنية، بل موقف ثقافي يراهن على بقاء الشعر العربي الكلاسيكي حيّاً في زمن تميل فيه القصيدة إلى البساطة واليومي.

جسرٌ بين زمنين

يمثل (السيابي) اليوم جسراً بين الماضي العريق والحاضر المتغير. وقد أسهمت تجربته الدبلوماسية في توسيع أفق قصيدته، لتصبح معنية بالشأن العربي العام، لا بالشأن المحلي وحده. أما مشروعه الشعري الكبير فبقي دليلاً على أن القصيدة العمودية، بكل إرثها، ما تزال قادرة على حمل الهمّ الإنساني والوطني، وعلى مخاطبة القارئ بلغة حية ومؤثرة.

ويمكن القول أن (السيابي) شاعر لا يلهث خلف الحداثة ولا يقف ضدها، بل يمسك بخيط رفيع يصل التراث بالحاضر، ويكتب قصيدة تُدرّب القارئ على تذوق اللغة، وتذكّره بأن الفصحى ليست ماضياً، بل طاقة جمال لا تنفد. إنه صوتٌ يضيف للمشهد الشعري العُماني والعربي تألقاً خاصاً، ويؤكد أن الشعر الكلاسيكي ما يزال ممكناً وقادراً على الحياة إذا حمله شاعر يعرف قيمته، ويؤمن بقدرته على التعبير عن أعمق ما في الإنسان.