يأتي اليوم الوطني المَجيد كمساحة واسعة نُعِيد من خلالها قراءة طبيعة العلاقة الَّتي تجمع حضرة صاحب الجلالة السُّلطان هيثم بن طارق المُعظَّم ـ حفظه الله ورعاه ـ بأبناء شَعبه الوفيِّ، فهي علاقة تشكَّلتْ عَبْرَ عددٍ من المواقف الَّتي صنعتِ الثِّقة المتبادلة، وتحوَّلت إلى عنصر قوَّة داخل مشروع الدَّولة الحديثة. وتظهر ملامح هذا الاتصال العميق في الطريقة الَّتي يتعامل بها العُمانيون مع رمزيَّة المناسبة، حيثُ يتجلى الاحتفال كفعلٍ وطني يُعبِّر عن تماسُك مُجتمع يرى في قائده أساسًا لمسار نهضته المُتجدِّدة، ويرى في هذا المسار فرصةً لرفعِ موقع الدَّولة في خريطة التقدُّم الإقليمي والدولي. وتتداخل هذه الصورة مع تاريخ طويل من وحدة أبناء عُمان وثقتهم في قادتهم، وحدة صنعت قدرةً فريدة على بناء دَولة مستقرَّة تستند إلى وعيٍ راسخ وعقيدة سمحة، وتتحول في هذا اليوم إلى شهادة حيَّة على أنَّ المشروع الوطني يتحرك بقوَّة القائد وإرادة الشَّعب معًا، لِيصلَ إلى قِطاعات متعدِّدة تتطور وفْقَ رؤية ترى المستقبل بمنطق التخطيط العميق والعمل المنظَّم.
ويتجلَّى مسار النَّهضة المُتجدِّدة بوضوح عند التوقف أمام القِطاع الصحِّي، الَّذي يتحرك بخطوات محسوبة داخل رؤية «عُمان 2040»، حيثُ يظهر تأثير التخطيط في نتائج قابلة للقياس، فقد صعدت سلطنة عُمان إلى المرتبة الـ(55) عالميًّا والسادسة إقليميًّا ضِمن ركيزة الصحَّة في مؤشِّر (ليجاتوم للازدهار)، ما يعكس أثَر برامج صحيَّة متخصِّصة توسَّعت خلال عامَي 2024 و2025 بصورة ملحوظة، كما يتقدَّم القِطاع عَبْرَ شبكة خدمات تنمو على الأرض بمؤسَّسات جديدة بلغ عددها (10) منشآت صحيَّة، إضافة إلى أعمال تطوير وتوسعة شملت (7) مستشفيات، و(21) مؤسَّسةً أخرى. وتواصل الدَّولة تنفيذ مشروعات كبرى تضمُّ المركز الوطني للصحَّة الافتراضيَّة و(9) مستشفيات قَيْدَ الإنشاء، ما يُعزِّز قدرتها على تلبية احتياجات مُجتمع ينمو في عدد سكَّانه ومتطلباته، وهو ما يتوافق مع إنجازات نوعيَّة في زراعة الأعضاء، حيثُ نجحتِ السَّلطنة في إجراء أوَّل عمليَّة زراعة قلبٍ لمواطِن عُماني، مع توسُّع واضح في عمليَّات زراعة الكُلى والكبد والقرنيَّة، وخطَّة لإنشاء بنك للعيون يُحقِّق الاكتفاء الذَّاتي خلال خمس سنوات. وتؤكِّد الأرقام أنَّ القِطاع الصحِّي يُشكِّل أحَد أعمدة المشروع الوطني، ورمزًا لجديَّة الدَّولة في بناء خدمات تَمسُّ حياة الإنسان مباشرة. ويتقدم المشهد الوطني نَحْوَ مستوى أعمق عندما ننتقل إلى منظومة القضاء والحوكمة الَّتي تُشكِّل قاعدةً صلبة يَقُوم عليها البناء الاقتصادي والاجتماعي، حيثُ يعمل القضاء العُماني وفْقَ رؤية تضع الكفاءة في موضعها الصَّحيح، وتمنح سرعة الفصل وجودة الإجراءات دَوْرًا حاسمًا في حماية مصالح المُجتمع، وتعزيز ثقة المستثمرين، لِتتحولَ المحاكم إلى مؤسَّسات تؤدِّي دَوْرًا مباشرًا في دعم التنمية، جنبًا إلى جَنب مع الأجهزة الرقابيَّة الماليَّة والإداريَّة ضِمن نهج يرسِّخ مبادئ الشفافيَّة والمساءلة والشراكة المؤسَّسيَّة، ما يخلق بيئة قادرة على ضبط مسار المشروعات الوطنيَّة وتوجيهها نَحْوَ أهداف رؤية «عُمان 2040»، ويظهر أثَر هذا التوَجُّه في قدرة الدَّولة على تعزيز مناخ مسؤول يُسهم فيه المُجتمع والقِطاع الخاص والجهات الحكوميَّة، في سياق يتكامل فيه الأداء القانوني والرقابي مع حجم التحوُّلات الاقتصاديَّة الَّتي تشهدها عُمان؛ لِيصبحَ القضاء عنصرًا جوهريًّا في قوَّة مشروع الدَّولة واستدامة نتائجه.
ولا نستطيع أن نحتفلَ باليوم الوطني دُونَ الحديث عن الشَّباب العُماني، الَّذي يُشكِّل ركيزةً أساسيَّة في مشروع الدَّولة الحديثة والنَّهضة المُتجدِّدة، حيثُ يظهر حضوره من خلال برامج ومبادرات تفتح أمامه مسارات واسعة للتأهيل والعمل والإبداع، بدءًا من مبادرات الدبلوماسيَّة الشبابيَّة وصولًا إلى منصَّات الابتكار والعمل التطوُّعي وصناعة المعرفة. ويضع هذا الحضور الدَّولة أمام جيل قادر على مرافقة التحوُّلات الاقتصاديَّة والتقنيَّة بثقة. ويتكامل هذا المشهد مع الاتِّجاه البيئي الَّذي تتبناه عُمان حماية لمستقبلها، بعد تقدُّمها إلى المركز الثاني والعشرين عالميًّا والأوَّل عربيًّا ضِمن مؤشِّر التلوُّث لعام 2025، إلى جانب إدراج محميَّة الأراضي الرطبة في اتفاقيَّة رامسار. كما يكشف هذا التوازن بَيْنَ طاقات الشَّباب والحفاظ على البيئة عن رؤية تُبنى على وعي الإنسان وصون المكان، لِيأخذَ اليوم الوطني المَجيد عُمقه الحقيقي بوصفه لحظةً تؤكِّد أنَّ المستقبل مشروع مشترك بَيْنَ الدَّولة والمُجتمع.