الاثنين 24 نوفمبر 2025 م - 3 جمادى الآخرة 1447 هـ
أخبار عاجلة

محافظة شمال الباطنة بين الخصوصية الاقتصادية والأمنية وضرورة الرقابة الإدارية

محافظة شمال الباطنة بين الخصوصية الاقتصادية والأمنية وضرورة الرقابة الإدارية
الأحد - 23 نوفمبر 2025 10:00 ص

محمد بن سعيد الفطيسي

20

لكُلِّ وحدة من وحدات الجهاز الإداري للدَّولة ذات الطبيعة المحليَّة (المحافظات) خصوصيَّة وميزة تختلف فيها عن الأخرى، ســــــــــــواء كان ذلك ـ على سبيل المثال ـ من الناحية الجغرافيَّة (الثروات الطبيعيَّة)، أو الناحية الاقتصاديَّة

(طبيعة التجارة والاستثمارات) وغير ذلك، الأمر الَّذي ـ بلا شك ـ يؤثِّر بشكلٍ مباشر أو غير مباشر على تنفيذ السياسة العامَّة للدَّولة في المحافظة، بالإضافة إلى طبيعة الإجراءات المنظِّمة لواقع الحياة السياسيَّة والأمنيَّة والاجتماعيَّة.

ولو عُدنا إلى نَص المادة (6) من المرسوم السُّلطاني رقم (36/2022) بإصدار نظام المحافظات لوجدنا تلك الخصوصيَّة واضحة في النطاق الجغرافي لكُلِّ محافظة بعد التنسيق مع الجهات المختصَّة، الأمر الَّذي يدفعنا إلى التأكيد على أهميَّة التعامل المستقل والتخطيط الإداري الَّذي يتلاءم مع طبيعة كُلِّ محافظة، مع الأخذ بالاعتبار لخصوصيَّة تلك المحافظة من الناحية الاجتماعيَّة والأمنيَّة، والَّتي تؤثر فيها العديد من العوامل مثل عدد السكَّان والموقع الجغرافي والقوَّة الاقتصاديَّة وغير ذلك، الأمر الَّذي يَجِبُ معه ـ بطبيعة الحال ـ الحذر والحرص الشَّديد عند إصدار القرارات الوزاريَّة والتعاميم الإداريَّة المتعلقة بتنفيذ السياسات العامَّة للدَّولة.

وحتَّى أقرِّب الصورة وأوضِّحها بشكلٍ أفضل، أضربُ مثالًا على ذلك بأيِّ قرار وزاري أو تعميم إداري أو إجراء داخلي يصدر من مديري العموم أو مديري الدوائر في المحافظات استنادًا إلى صلاحيَّاتهم التقديريَّة في إدارة أعمال مديريَّاتهم ودوائرهم، ولا يأخذ في الاعتبار تلك الخصوصيَّة الأمنيَّة والاقتصاديَّة للمحافظة. فتلك القرارات الوزاريَّة والتعاميم أو الإجراءات التنظيميَّة تؤثِّر في الحياة العامَّة والخاصَّة للمحافظة والمواطنين، تؤثِّر في استقرارهم الاجتماعي (المعيشة ودخل الفرد)، تؤثِّر في الاستثمارات وتوفير فرص عمل للمواطنين (تقرِّب أو تنفِّر المستثمرين، تؤثِّر في الأعمال التجاريَّة) تؤثِّر في نظرة المواطنين للحكومة من ناحية الثقة السياسيَّة والإداريَّة، التأثير في الاستقرار الأمني (رفع مشاعر السخط والامتعاض جرَّاء انعكاس تلك القرارات والإجراءات).

على العموم هناك قياسات نظريَّة ومخرجات واقعيَّة يُمكِن الرجوع إليها للتعرف على تلك التأثيرات الَّتي لا يُمكِن إخفاء آثارها على الحياة الاقتصاديَّة والاجتماعيَّة والأمنيَّة في المحافظات، مثل آراء المواطنين والرضا والامتعاض)، ما تنشره وسائل الإعلام (مقالات وتحقيقات)، التقارير الأمنيَّة، الرجوع إلى آراء الخبراء والمتخصصين في المحافظة (متمنيًا أن تكُونَ موجودة)، إغلاق وفتح الأنشطة الاقتصاديَّة في الولايات..إلخ.

بالعودة إلى محافظة شمال الباطنة، فإنَّ أقلَّ ما يُمكِن القول عنها إنَّها من المحافظات الَّتي لها خصوصيَّة اقتصاديَّة بحُكم الجوار الجغرافي مع اقتصاد وحركة التجارة والتسوق مع دول الجوار حدوديًّا، بالإضافة إلى وجود ميناء صحار والمنطقة الصناعيَّة والمنطقة الحُرَّة بولاية صحار، ولا يُمكِن أن نتجاهل أعداد السجلَّات والمحالِّ التجاريَّة الخاصَّة بالمواطنين، كما أنَّ لها خصوصيَّة اجتماعيَّة بحُكم الكثافة السكانيَّة، خصوصًا فئة الشَّباب منهم، وضرورة تلبية احتياجاتهم الطبيعيَّة، وعلى رأسها توفير فرص عمل وتيسير أمور الزواج والسكن وغير ذلك. كما أنَّ هناك جوانب أخرى عديدة ومختلفة لا يسع هذا المقال الموجز التطرق إليها.

على ضوء ما سبق، ينعكس كُلُّ ذلك على استقرار جوانب الحياة الوطنيَّة للمحافظة وأبناء المحافظة، خصوصًا (الأمنيَّة والاجتماعيَّة منها)، وطبيعة نظرة المُجتمع إلى العلاقة مع الحكومة (المؤسَّسات والمسؤولين)، وهو ما يدفعنا للتنبيه إلى خطورة تأثير القرارات والتعاميم والإجراءات الإداريَّة المتعلقة بتنفيذ السياسات العامَّة للدَّولة وتنمية واستثمار الموارد الخاصَّة بالمحافظة والترويج لها، من أجلِ تحقيق التنمية المستدامة وخلق فرص عمل للمواطنين.

استنادًا إلى ذلك من الضروري التنبيه إلى أهميَّة تناسُب تلك القرارات الوزاريَّة والتعاميم والإجراءات الإداريَّة مع خصوصيَّة المحافظة وطبيعة الأعمال والاستثمارات، خصوصًا ما يُطلَق عليها بالإجراءات الداخليَّة الصَّادرة من مديري العموم ومديري الدوائر والمتعلقة بتنظيم اختصاصاتهم وأعمالهم في المحافظة، كما يَجِبُ مراعاة ضرورة وجود مساحة كبيرة من الحُريَّة والمرونة في تنفيذ القرارات (اللوائح التنفيذيَّة والتنظيميَّة)، والحذر كُلَّ الحذر من اتِّخاذ إجراءات منفِّرة للاستثمار والتجارة، أو يُمكِن أن تتسبب بمزيدٍ من الامتعاض والسّخط من قِبل الرأي العام تحت شماعة الإجراءات التنظيميَّة والتقديريَّة للمسؤولين.

والأخطر من هذا وذلك أن يتمَّ اتِّخاذ قرارات إداريَّة وإجراءات تنظيميَّة من قِبل مديري العموم ومديري الدوائر تُمايز بَيْنَ المحافظات بخصوص الخدمات المقدَّمة، فمن غير المقبول الاستناد إلى الصلاحيَّات التقديريَّة للقيام بإجراءات أو إصدار تعاميم تخالف القرارات الوزاريَّة أو يشعر المواطن من خلالها أنَّ ذات القانون المطبَّق في محافظة لا يُطبق في محافظة أخرى أو أنَّه يُطبق بطريقة تغلب عليها التفسيرات الشخصيَّة والتقديرات غير القانونيَّة، الأمر الَّذي يُمكِن أن يتسبب بمزيدٍ من السّخط والامتعاض المُجتمعي، خصوصًا من الفئات المستفيدة من الخدمات الحكوميَّة كالمستثمرين والتجار والباحثين عن عمل والمستفيدين من أيِّ خدمة من الخدمات الحكوميَّة.

وهنا أتمنَّى أن تعمل الأجهزة الرقابيَّة والمؤسَّسات ذات التداخل مع مكتب المحافظ لإعادة النظر في العديد من القرارات والتعاميم والإجراءات المنظِّمة لمختلف نواحي الحياة في المحافظة والصادرة من الوزارات والمديريَّات والدَّوائر الخدميَّة في المحافظة، خصوصًا تلك الَّتي لا تَلقَى قَبولًا من قِبل المُجتمع، وتؤثِّر في استقرار بيئة الأعمال ومعيشة المواطن والاستقرار الاجتماعي والمُجتمعي، وهذا الأمر ليس تعدِّيًا أو تجاوزًا للصلاحيَّات الوظيفيَّة من قِبل مكاتب المحافظين، بل يدخل ذلك في صلب صلاحيَّات المحافظ والمحافظة استنادًا إلى نَص المادة (6) من المرسوم السُّلطاني رقم (36) لسنة 2022م بإصدار نظام المحافظات.

من المُهمِّ للغاية الاستماع إلى وجهات وآراء المُجتمع حَوْلَ القرارات والتعاميم الصادرة من الجهات الحكوميَّة، تحديدًا من المديريَّات والدَّوائر الخدميَّة في المحافظات، خصوصًا تلك الَّتي تنصبُّ في خدمة المُجتمع وتحسين حياتهم، وأن يتمَّ إعادة النظر في كُلِّ قرار أو تعميم أو إجراء داخلي منفِّر أو متسبِّب بالامتعاض والسّخط الاجتماعي، خصوصًا من قِبل الفئات المستفيدة من تلك القرارات والإجراءات. ولعلَّ أبرزَها اليوم القرارات والإجراءات الَّتي تدخل في صلب معيشة المواطن واستقراره وأمنه الاجتماعي، أو تلك الَّتي تُخالِف تشريعًا أعلى أو تمَّ اتِّخاذها تحت شمَّاعة التقديرات الشخصيَّة للمسؤولين.. وهنا نشدُّ على يد الأجهزة الرقابيَّة وتلك المؤسَّسات المتداخلة معها للحيلولة دون استمرار الأضرار الناتجة عن تلك القرارات والتعاميم والإجراءات الإداريَّة.

إنَّ عظمة الأوطان تكمن في استقرار الإنسان، وتتعزز في تعزيز شعوره بالانتماء إلى وطنه، ولن يتحقق ذلك إلَّا بالشعور بالاستقرار المعيشي والإحساس بالأمان، وأنَّ ما يصدر من قرارات وتعاميم ينصبُّ في خدمته وتيسير أمور حياته ومستقبل أبنائه. ختامًا، نرفع للمقام السَّامي لحضرة صاحب الجلالة السُّلطان هيثم بن طارق «أعزَّه الله» أسمى آيات التهاني والتبريكات بمناسبة اليوم الوطني المَجيد، ذكرى تأسيس الدَّولة البوسعيديَّة الَّذي يوافق العشرين من نوفمبر، سائلين الله له العمر المديد، وأن يمدَّه بموفور الصحَّة والعافية، وأن يرزقَه البطانة الصالحة الَّتي تُعِينه على أمْر دِينه ودُنياه، كما نُبارك للشَّعب العُماني هذه المناسبة الجميلة، سائلين الله العلي القدير أن يديمَ مثل هذه المناسبات والأفراح على هذا الوطن والشَّعب أعوامًا مديدة، وأن يُبارك لنا وطننا الحبيب سلطنة عُمان بالسلام والأمن والطمأنينة، وأن يجنِّبَه شرَّ الحاقد الكائد الحاسد الفاسد.. اللَّهُمَّ آمين.

محمد بن سعيد الفطيسي

باحث في الشؤون السياسية والعلاقات الدولية

رئيس تحرير مجلة السياسي – المعهد العربي للبحوث والدراسات الاستراتيجية

[email protected]

MSHD999 @