ما الَّذي يجعل منَّا فريسة سهلة للاحتيال؟ سؤال مهمٌّ وإجابته هي الأهم؛ لأنَّنا لو عرفنا السبب سيبطل العجب بلا شك. ففي الفترة الأخيرة تزايدت وبوتيرة متسارعة حالات الاحتيال وخصوصًا الإلكترونيَّة منها، والأدهى والأمَر واللافت للنظر معًا هو تشابه هذه الحالات ووجود قواسم مشتركة بَيْنَها، فغالبيَّتها، سواء تمَّت بالاتصال المباشر أو بالرسائل النصيَّة هي تتمحور حَوْلَ الرمز المعروف بـ(otp) وهو رمز يتمُّ التحذير شِبه يومي بعدم إعطائه لأقرب الناس لك؛ ذلك أنَّه المفتاح السِّري للدخول إلى محفظتك الماليَّة، ولك أن تتخيلَ عزيزي القارئ كيف يُمكِن أن تقدِّمَ المفتاح الخاص بخزانتك الماليَّة بصورته التقليديَّة لشخص ما، طبيعي أن يَقُومَ بسرقتك لأنَّ المفتاح بِيَدِه. ورغم انتشار المنصَّات الإلكترونيَّة والَّتي تحذر ليل نهار وتعرض حالات الاحتيال الَّتي تتمُّ يوميًّا، ورغم وجود هؤلاء الَّذين تعرضوا للاحتيال لاحقًا في هذه المنصَّات، بل ورُبَّما هُمْ مَن يَقُومون بالترويج ونشر هذه الأخبار، إلَّا أنَّهم يقعون ضحايا لها، كيف يحدُث ذلك؟ يُمكِننا إجمال ذلك في النقاط الآتية: أولًا: يعتقد الكثير من الناس أنَّه من الفِطنة والذَّكاء بحيثُ لا يُمكِن خداعهم بمِثل هذه الألاعيب البسيطة والَّتي تُعَدُّ أساليب مكشوفة وتقليديَّة، ويتضح ذلك في أنَّهم في العادة كانوا يضحكون من سذاجة أولئك الَّذين تعرضوا للاحتيال قبلهم، وإذا بهم يقعون في نفْس الشَّرك وبنفْس الأُسلوب رغم معرفتهم به. ثانيًا: يستخدم المحتالون أساليب متقنة لتعطيل حواس الضحيَّة وشلّ تفكيره في الأمر المراد الاحتيال به باستخدام عامل الوقت مثلًا، وذلك بإيهامه بأنَّ التأخر قد يضرُّه أو يفوِّت عليه الفرصة في الحصول على الهديَّة المنتظرة، وبالتَّالي لا يُتاح له الفرصة للتفكير مطلقًا في هذا الأمر، ممَّا يؤدي إلى سرعة استجابته لمتطلبات المحتال ووقوعه في براثنه. ثالثًا: مُعْظم الَّذين وقعوا ضحيَّة الاحتيال كانوا من النوع الَّذي لا يستشير أحدًا خوفًا من معرفة الآخرين بالجائزة الَّتي حصل عليها، وبالتَّالي تعرّضه للحسد أو مطالبة الآخرين بإعطائهم جزءًا منها أو الاستقراض منه، أو غيرها من الشكوك الَّتي تنتابه، والَّتي تجعله حبيس أفكاره الخاصَّة دون إطلاع الآخرين من أقربائه عليها، وهذا النَّوع هو الأكثر اصطيادًا من المحتالين؛ لأنَّ عمليَّة توجيهه تكُونُ ميسّرة أكثر من غيره. رابعًا: الدخول في مجال ليس لدَيْه خبرة كافية للتعامل معه، وخير ذلك التداول الإلكتروني، الَّذي يُعَدُّ بحرًا عميقًا للاحتيال وبأساليب متنوِّعة ومتعدِّدة، تهتمُّ في الأساس بسبر أغوار النفْس البشريَّة الَّتي يهيمن عليها الطمع والجشع وحُب المال والرغبة في زيادته، فتبدأ الحيلة بأن يُعطى الطُّعم في البداية للسَّمكة (الضحيَّة) وبالتَّالي يتمُّ جرُّها إلى أن تُستنزف جميع أموالها، وبعدها يتمُّ إعلان الخسارة، والسقوط في براثن الديون. فالقضيَّة هنا أعمق لأنَّ في الاحتيال العادي يتمُّ سَحْبُ المبالغ الموجودة في حسابك فقط. أمَّا هنا فالأمر مختلف تمامًا حيثُ يتمُّ إيهام الضحيَّة بأنَّه كُلَّما تداول أكثر ربحَ أكثر؛ وبالتَّالي يضطر إلى الاستدانة حتَّى يُحقق حلمه في أن يصبح من أصحاب الثروات الطائلة لِيجدَ نفْسه في لحظة ما وهو في السجن. وتتعدد الأسباب ولا مجال لحصرها جميعها.. ولكن ـ في اعتقادي الشخصي ـ أنَّ القدرة على إيصال الرسائل التوعويَّة بطريقة احترافيَّة هو الخيار الأنسب في الواقع بدل مجرَّد عرض طُرق الاحتيال وأخبار المحتالين وكيف قاموا بعمليَّة النَّصب فقط، بل يتعدى ذلك إلى إيجاد رمزيَّات ونحتها في عقول الناس بدل التحذيرات الجوفاء.. وخير مثال على ذلك من المُهمِّ أن نصورَ للناس أنَّ رمز(OTP) بالذَّات أو أيَّ رمز آخر متعلق بهذا المجال يُمثِّل المفتاح بالصورة النمطيَّة التقليديَّة المتعارف عليها عند الجميع، حتَّى يخيَّل لهم عند طلب هذا الرمز بأنَّه يسلِّم المفتاح للشخص المحتال لسرقة خزانته، ويتمُّ ذلك باستخدام الصور والفيديوهات. أمَّا الاحتيال المرتبط بالتداول الإلكتروني فيُمكِن ربطه برمز السجن كنتيجة حتميَّة واقعيَّة لِمَن لا يملك الخبرة في هذا المجال.
د. خصيب بن عبدالله القريني