في عالم تتغيَّر فيه الوجوه والاتجاهات بسرعة، تبقى بعض الأوطان ثابتة على قِيَمها، كأنَّها جبل راسخ منذ بدء الخليقة لم يتزحزح. وحين نتحدث عن سلطنة عُمان، نتحدث عن وطنٍ لم يسعَ إلى لَفْتِ الأنظار بالضجيج، بل جذب الاحترام بهدوئه، وبأصالته الَّتي لا تحتاج إلى دليل. فهي أرض جمعت بَيْنَ حضارة ممتدَّة في التاريخ، وحاضرٍ متوازن، ومستقبلٍ تُخطط له بخطوات محسوبة.
وفي اليوم الوطني، يبدو الوطن كصفحة تُفتح من جديد لِينعشَ ذاكرة أبنائه بأنَّ الثَّبات على القِيَم هو أقوى معاني السُّمو. يأتي اليوم الوطني لِيُعِيدَ إلى الذَّاكرة رحلة طويلة من البناء والتطور. فرغم تغيُّر ظروف المنطقة، حافظت عُمان على نهجها الهادئ الَّذي ارتكز على الحكمة وصناعة الاستقرار الحضاري حتَّى أصبحت نموذجًا يُحتذى به في التعامل المسؤول مع العالم. ولا يُمكِن الحديث عن النهضة العُمانيَّة دون ذِكر الراحل المغفور له ـ بإذن الله تعالى ـ السُّلطان قابوس بن سعيد ـ طيَّب الله ثراه ـ، الَّذي أسَّس الدَّولة الحديثة وترَك أثرًا كبيرًا في نفوس شَعبه. فقَدْ بنى نهضة متوازنة، وكان قريبًا من الناس ومُلمًّا باحتياجات الوطن. واليوم، يواصل حضرة صاحب الجلالة السُّلطان هيثم بن طارق المُعظَّم ـ حفظه الله ـ المَسيرة بروح تطوير وتجديد، مع المحافظة على النهج الحكيم الَّذي لطالما ميَّز سلطنة عُمان. وتظهر خطوات الإصلاح في الإدارة والاقتصاد كدليل على رغبة جادَّة في تعزيز كفاءة الدَّولة وفتح آفاقٍ جديدة.
وعندما نتحدث عن سلطنة عُمان، نتحدث أيضًا عن أماكن تختصر تاريخها وجَمالها. فالقلاع والحصون هناك كـقلعة نزوى وقلعة بهلاء وحصن جبرين وقلعة مطرح، تقف شامخة تحكي صبر الزمن وعراقة الحضارات، وكأنَّها صفحات من كِتاب مفتوح على تاريخ طويل. وبَيْنَ الجبال والوديان، يلتقي الزائر بروعة جبل شمس وهدوء الجبل الأخضر، وبَيْنَ وديان شاب وبني خالد يتنفس سحر الطبيعة العُمانيَّة النقيَّة. وعلى الشواطئ، تهمس مياه رأس الحد ورأس الجنز وصور بأصوات البحر وذكريات الصيَّادين، بَيْنَما تقدِّم مُدن مثل مسقط وصلالة وصحار لوحة متكاملة بَيْنَ حضارة عريقة وهدوء الحياة اليوميَّة. كُلُّ مكان فيها يبدو وكأنَّه يحكي قصَّة وطن يحافظ على تاريخه وجَماله الطبيعي في آنٍ واحد.
وكمواطنة كويتيَّة لا يسعني في هذه المناسبة العزيزة إلَّا أن أستحضرَ عُمق العلاقات الكويتيَّة ـ العُمانيَّة، تلك العلاقة الَّتي لم تُبنَ على المصالح العارضة، بل على الثبات والاحترام المتبادل. علاقة تَقُوم على الودِّ الصَّادق والمواقف النَّبيلة الَّتي سجَّلها التاريخ بَيْنَ البلديْنِ، حتَّى صارت مثالًا للتآلف الخليجي الَّذي نعتزُّ به. وقد زادنا التقارب بَيْنَ الشَّعبَيْنِ يقينًا بأنَّ عُمان ليست مجرَّد دولة شقيقة، بل أرضٌ قريبة من القلب، تجمعنا معها روح مشتركة وقِيَم راسخة. وفي هذه المناسبة الوطنيَّة، أتوجَّه بتهنئة من القلب لعُمان قيادةً وشَعبًا، راجيةً لها مزيدًا من الاستقرار والازدهار. فهذه البلاد الَّتي عرفت طريقها بثقة، واستفادت من ماضيها لتصنع حاضرها، تمضي اليوم نَحْوَ مستقبل أكثر إشراقًا. وكُلَّما أتى يومها الوطني، تجدَّد في نفوسنا نحن الكويتيين احترام عميق لهذا الوطن الَّذي جمع الحكمة بالهدوء، والجَمال بالهُوِيَّة، فصار مثالًا للاتزان في عالم مضطرب. كُلُّ عام وسلطنة عُمان بخير، وكُلُّ عام وهي ثابتة في قِيَمها، راسخة في أمنها، متقدِّمة في خطواتها، ومزدهرة بأبنائها، ودامت روابط المَحبَّة بَيْنَ الكويت وعُمان راسخة كجبالها وقلاعها وحصونها الشامخات.
حصة الحمود السالم الصباح
كاتبة كويتية