لم يَعُدِ التاريخ أسيرًا للمجلدات الجامعة لغبار الزمن على رفوف المكتبات الخاصَّة والعامَّة؛ ذلك أنَّ التاريخ قد تجاوز حدود الحَرف المكتوب والسطر المطبوع نَحْوَ أدوات وأساليب قص واستعراض مختلفة حسب المقصود منه بوصفه «دروسًا» من الماضي إلى الحاضر: لإضاءة الحاضر واستشراف المستقبل. وتأسيًا على هذه المُسلَّمات الوظيفيَّة حَوْلَ التاريخ ودَوْره التعليمي والتربوي السَّامي، توجب علينا البحث عن وسائل وطرائق حديثة لتقديمه على سبيل أقصى فائدة يُمكِن استخلاصها منه. لذا، أغتنم فرصة اليوم الوطني لسلطنة عُمان، للتقدُّم بمقترح مفيد لتورخة أهم معالم تاريخ سلطنة عُمان الحديث، وهو معلم «النهضة العُمانيَّة». والمقترح ببساطة شديدة هو: تأسيس «متحف النهضة العُمانيَّة» الَّذي يتطلب اجتماع المؤرخين وأصحاب الرأي العُمانيين للتحضير لهذا المَعْلَم التاريخي المُهمِّ الَّذي ينبغي أن يخدمَ موئلًا للشبَّان والشابَّات الَّذين لم يعاصروا مَسيرة النهضة من بداياتها إلى لحظتها الحاليَّة، حيثُ يقطفون اليوم ثمار وفوائد النهضة العُمانيَّة.
إنَّ «متحف النهضة العُمانيَّة» الَّذي نتطلع إليه ونتوثب لمشاهدته في يوم قريب، يفترض أن يضطلع بجمع كُلِّ الوثائق الماديَّة والاعتباريَّة لقصَّة النهضة منذ مرحلة «التأسيس والانطلاق» على أيدي المغفور له ـ بإذن الله تعالى ـ جلالة السُّلطان قابوس بن سعيد (رحمه الله وطيَّب ثراه)، باتِّجاه المرحلة الثانية الَّتي دشَّنها حضرة صاحب الجلالة السُّلطان هيثم بن طارق (حفظه الله وسدَّد خطاه).
لا بُدَّ لمِثل هذا المشروع أن يكُونَ «أيقونة» عُمانيَّة متميزة، أيقونة اعتباريَّة وتربويَّة يُمكِن أن تخدم في تقديم صورة حقيقيَّة ومُشرقة لقصَّة القيادة والشَّعب العُماني الشقيق طوال أعوام النهضة عَبْرَ الوثائق والموجودات المنظورة (العينيَّة) والاعتباريَّة الَّتي تقدِّم صورة تاريخيَّة لقصَّة النهضة العُمانيَّة المباركة عَبْرَ مراحلها ومرتكزاتها الثقافيَّة والاقتصاديَّة والصناعيَّة والزراعيَّة والتجاريَّة.
ويُمكِن لمِثل هذا المَعْلَم التاريخي المُهمِّ أن يخدم مركزًا ثقافيًّا لكُلِّ زائر لسلطنة عُمان، ناهيك عن أهميَّته لتعريف طلاب المدارس الصغار منهم والشبَّان كذلك بقصَّة النهضة عَبْرَ زيارات تعريفيَّة (نشاطًا لا صفيًّا)، دعْ عنك أهميَّة استذكار مراحل النهضة ومحطَّاتها الأهم بالنسبة لمختلف الأجيال، واقعًا للمتأمل وتجنبًا لِمَا يُمكِن أن يشوبَ المَسيرة المظفرة من عثرات وتلكُّؤ.
أ.د. محمد الدعمي
كاتب وباحث أكاديمي عراقي
